انتخابات العراق.. تعرف خريطة توزيع القوى والمقاعد البرلمانية

تفتح نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية فصلاً جديداً في مسار التجربة الديمقراطية بالبلاد، وسط أجواء تنافسية اتسمت بالهدوء النسبي والتنظيم الجيد مقارنة بالدورات السابقة.

By طه العاني
انتخابات العراق: خارطة توزيع القوى والمقاعد البرلمانية

وتشير النتائج الأولية التي أعلنتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2025 إلى استمرار حضور القوى السياسية الرئيسة مع بروز مؤشرات على تجديد جزئي في المشهد البرلماني.

وتقدّم ائتلاف "الإعمار والتنمية" بزعامة محمد شياع السوداني في عدد من المحافظات، بينما حافظ ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي على موقعه في أخرى، كما عزّز حزب "تقدّم" بزعامة محمد الحلبوسي حضوره في مناطق مختلفة، بينما واصل حزب KDP العراقي بقيادة مسعود البارزاني تصدّره في محافظات الشمال، لتبدأ مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة.

 خريطة التحالفات المحتملة

وكرّست الانتخابات موقع السوداني رقماً صعباً داخل المكوّن الشيعي بعد أن تصدّر تحالف "الإعمار والتنمية" بزعامة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني المشهد الانتخابي، بحصوله على 1317491 صوتاً مكنته من حصد 46 مقعداً.

وفي المرتبة الثانية جاء تحالف "تقدم" بزعامة محمد الحلبوسي، بعدما نال 945273 صوتاً أتاح له الفوز بـ36 مقعداً، محافظاً بذلك على موقعه كأكبر الكتل السنية رغم المنافسة القوية التي واجهها من قوى أخرى.

أما القوى السنية الأخرى، فقد توزعت مقاعدها بين تحالف "العزم" 15 مقعداً، وتحالف "السيادة" 9 مقاعد، وتحالف "حسم" 8 مقاعد، ما يعكس تنوع التمثيل داخل البيت السني.

وجاء ائتلاف "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي في المرتبة الثالثة بحصوله على 728167 صوتاً و29 مقعداً، ورغم تراجع شعبيته مقارنة بالدورات السابقة، ما يزال يحتفظ بثقله السياسي ضمن الطيف الشيعي.

كما عزّز حزب KDP بزعامة مسعود بارزاني حضوره التقليدي بحصوله على 1099914 صوتاً مكّنته من حصد 28 مقعداً، ليبقى القوة الأبرز في أربيل ودهوك والسليمانية، ويؤكد استمرار هيمنته على المشهد في إقليم شمال العراق. 

وحققت جبهة تركمان العراق الموحد برئاسة أرشد الصالحي، مقعدين في كركوك بعد أن حصدت نحو 66175 صوتاً، بينما تحالفت بعض القوى التركمانية الأخرى مع تحالف حزب KDP.

في المقابل، تبقى مواقف القوى السنية والعراقية الأخرى مفتاحاً لمعادلة الكتلة الأكبر، في ظل مفاوضات معقدة قد تعيد إنتاج تحالفات ظرفية أكثر منها برامجية.

وأظهرت التقارير الرسمية من المفوضية مشاركة أكثر من 56%، وهي الأعلى منذ عام 2003، بسبب زيادة أعداد الناخبين، وحدة التنافس الانتخابي في هذه الدورة.

حسابات الداخل والخارج

يمثل العامل الخارجي محدداً رئيسياً في تشكيل المشهد العراقي؛ فمنذ 2003، توازن العراق بين نفوذ إيراني واسع وتأثير أمريكي متقلب، زادت حساسيته مع تصاعد التوتر الإقليمي بعد حرب غزة.

وقد استثمر السوداني خطابه المعتدل القائم على "تجنيب العراق الحرب" و"حصر السلاح بيد الدولة" ليقدّم نفسه خياراً توافقياً يحظى بقبول واشنطن، في وقت تتراجع فيه قدرة طهران على فرض إملاءاتها.

غير أن خصومه داخل "الإطار التنسيقي" يرون في هذا النهج انحيازاً للغرب وتهميشاً للقوى الشيعية المنافسة.

ورغم تصدر السوداني للانتخابات فإن الوصول إلى الولاية الثانية سيبقى رهناً بقدرة السوداني على اجتذاب دعم الكتل الفائزة الأخرى.

وقال السوداني، في تصريح عقب إعلان النتائج الأولية في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، إن المرحلة المقبلة ستتجه نحو "بلورة حكومة جديدة كفؤة قادرة على تنفيذ البرامج والالتزامات".

وأكد السوداني "حرص الائتلاف على "احترام إرادة الناخبين"، مشدداً على ضرورة وضع مصلحة العراق فوق كل الاعتبارات، واعتبر أن منهج العمل في المرحلة المقبلة سيراعي إرادة الناخبين كافة، بمن فيهم من اختار المقاطعة مثل زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر.

وأوضح أن المرحلة القادمة ستشهد "التفاوض انطلاقاً من روح وطنية جامعة ومسؤولة تهدف إلى بلورة حكومة جديدة كفؤة لتنفيذ البرامج والالتزامات، مع تأكيد ضرورة المضي قدماً في تقديم الخدمات وحماية مصالح البلد من دون مجاملات".

وأضاف أن ائتلاف "الإعمار والتنمية" منفتح على جميع الأطراف من دون استثناء، وسيعمل بروح المسؤولية التي تليق بتضحيات العراقيين والثقة التي وضعها الشعب في الحكومة وخططها، مع هدف بناء تفاهمات رصينة تحترم الدستور وتضمن المشاركة الحقيقية في القرار.

ويرى مراقبون أن خطاب السوداني يعكس رغبة في تعزيز التوازن الداخلي والانفتاح الخارجي، وخصوصاً مع حرص بغداد على تطوير علاقاتها الإقليمية والدولية على أساس المصالح المتبادلة.

وتشير التقارير إلى أن المرحلة المقبلة مرشحة لأن تشهد استقراراً سياسياً أوسع، يتيح للحكومة المضي في تنفيذ البرامج التنموية ومواصلة الإصلاح الإداري والاقتصادي الذي بدأ خلال العامين الماضيين.

 مشاركة واسعة

ويعتبر مراقبون أن هذه الانتخابات عكست حالة من الحراك السياسي غير المسبوق، وسط مفاجآت في نسب المشاركة وتبدّل في موازين القوى التقليدية، ويرون أن هذه التطورات قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة في المشهد السياسي، تتوقف ملامحها على طبيعة التحالفات وشكل الحكومة المقبلة.

ويؤكد المحلل السياسي حمزة مصطفى أن العملية الانتخابية حملت مفاجآت على صعيد نسب المشاركة، موضحاً أن التوقعات كانت تشير إلى انخفاضها مقارنة بانتخابات 2021، وخاصة في ظل مقاطعة التيار الصدري، الذي يُعد من التيارات المؤثرة في المشهد السياسي.

ويوضح في حديثه لموقع "TRT عربي" أن انعكاسات هذه المشاركة ستظهر على مستويين: الأول فني يتعلق بتركيبة البرلمان المقبل وإمكانية زيادة عدد مقاعده، والثاني سياسي يرتبط بطبيعة الحكومة التي ستتشكل لاحقاً.

ويرى مصطفى أن بقاء نهج المحاصصة والتوافق سيُبقي المشهد على حاله، أما في حال تشكيل حكومة أغلبية سياسية فستكون البلاد أمام تجربة جديدة تفرز موالاة ومعارضة حقيقية داخل البرلمان، رغم أن هذا الاحتمال ما يزال ضعيفاً.

ويلفت المحلل السياسي إلى أن ارتفاع نسبة المشاركة يمكن تفسيره من زاويتين: الأولى، ما أشار إليه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من أن الإقبال الواسع يعكس استعادة المواطن ثقته بالعملية السياسية.

أما الزاوية الثانية، تتعلق بحجم التحشيد المناطقي والقومي، وخصوصاً في المناطق الشمالية والغربية، وهو ما قد يؤثر في موازين القوى داخل البرلمان المقبل، ولا سيما في المناطق المتنازع عليها ومحافظة بغداد التي تمثل الثقل الانتخابي الأكبر في البلاد.