وبموجب هذه المبادرة، سيظل معبر كرم أبو سالم جنوب شرقي غزة هو نقطة الدخول الوحيدة من إسرائيل إلى القطاع، كما أفادت به صحيفة واشنطن بوست التي أشارت إلى أن جميع البضائع الداخلة إلى غزة ستخضع للفحص الأمني قبل توجيهها إلى "مراكز لوجيستية" جديدة سيجري إنشاؤها بإشراف الاحتلال الإسرائيلي، وربما بمشاركة شركات أمنية خاصة، وفق مسؤولين في خمس منظمات إغاثة كبرى والأمم المتحدة.
كما سينشئ الاحتلال الإسرائيلي نظام تتبع لجميع عمليات توزيع المساعدات، وربما تصر إسرائيل على إخضاع جميع موظفي الإغاثة لعملية تدقيق أمني وفق معاييرها، حسب المسؤولين الذين تحدثوا مع صحيفة واشنطن بوست.
والأربعاء، نقلت القناة 12 عن رئيس أركان جيش الاحتلال الجديد، إيال زامير، أنه سيسمح للجيش الإسرائيلي إمَّا بتوزيع المساعدات الإنسانية مباشرةً وإما بأن يكون جزءاً من المنظومة التي تتيح تنفيذ هذه العملية.
في المقابل، كان هرتسي هاليفي قد رفض بشدة أي تدخل عسكري مباشر في توزيع المساعدات، خشية أن يُفسَّر الأمر على أنه إقامة إدارة عسكرية أو تمهيد لحكم عسكري في غزة. وقد حظي موقفه بدعم يوآف غالانت خلال فترة توليه وزارة الدفاع.
وأشارت صحيفة واشنطن بوست إلى أن وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT)، التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية، عرضت هذه القواعد الجديدة خلال اجتماعات مع وكالات الإغاثة نهاية الشهر الماضي.
ويحمل حصر توزيع المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم في طياته حرمان منظمات دولية مهمة، مثل أونروا، التي يحظر الاحتلال الإسرائيلي نشاطها والتعاون معها.
ووفق المسؤولين في وكالات الإغاثة، الذين تحدثوا مع الصحيفة، فإن تنفيذ الخطة سيتطلب إغلاق نحو 60 مستودعاً حالياً، تُستخدم لتوزيع الغذاء والإمدادات الطبية والمساعدات الأساسية الأخرى على سكان غزة. وبدلاً من ذلك، سيجري فحص المساعدات في كرم أبو سالم، ثم نقلها إلى المراكز اللوجيستية التي أنشأتها إسرائيل، حيث سيجري توزيعها على مواقع معتمدة من COGAT.
في حين قالت صحيفة الغارديان إن المنظمات غير الحكومية التي سيُسمح لها بالعمل داخل غزة ستكون مطالَبةً بالتسجيل في إسرائيل، وسيتعين على جميع موظفيها، سواء المحليين أو التابعين للأمم المتحدة، الخضوع لعمليات تدقيق أمني إسرائيلي شامل.
تحذيرات من أزمة إنسانية
حذَّر أحد العاملين في مجال المساعدات الإنسانية في إحدى المؤسسات الدولية، في حديث له مع TRT عربي -رفض التصريح باسمه لدواعٍ مهنية- من أن الإجراءات الإسرائيلية الجديدة لمراقبة توزيع المساعدات في قطاع غزة ستؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية، مشيراً إلى أن الاحتلال يسعى لاستخدام الإغاثة أداةَ ابتزازٍ سياسي، وهو أمر غير قابل للتحقق على المديين المتوسط أو البعيد.
وأوضح الناشط في المجال الإغاثي والإنساني أن أبرز المخاطر المتوقعة لهذه السياسة تتمثل في عدد من المحاور الرئيسية، أولها انسحاب بعض المنظمات الإنسانية من غزة بسبب الضوابط المشددة، مما سيقلل من حجم الإغاثة المتاحة لسكان القطاع.
فعديد من المنظمات غير الحكومية، خصوصاً في الدول العربية والإسلامية، سترفض العمل تحت إشراف الاحتلال الإسرائيلي، مما سيشكل تحدياً كبيراً في عمليات الإغاثة، وفق الناشط.
كما أوضح أن عديداً من الجمعيات الخيرية، سواء داخل غزة أو على مستوى العالم، تعتمد على التوثيق الإعلامي بوصفه جزءاً من مصداقية عملها أمام المتبرعين، ومع فرض الاحتلال سيطرته على مخازن المساعدات وإدارتها، ستُحرم هذه المؤسسات من القدرة على توثيق مشاريعها الخيرية والمساعدات التي تقدمها، مما سيؤثر سلباً على مستوى الدعم الذي تتلقاه من الجهات المانحة، حسب نفس المصدر.
أما المحور الثاني، فيرى الناشط أنه يكمن في إبقاء المساعدات الإنسانية تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، حيث سيستخدمها أداة ابتزازٍ سياسي، مما يسمح لإسرائيل بالتحكم في توزيعها وفقاً لمصالحها.
وأشار إلى أن الاحتلال يسعى أيضاً من خلال هذه النقطة إلى تقسيم الفلسطينيين عبر آلية توزيع المساعدات، إذ سيمنح جزءاً منها لفئة معينة ويحرم أخرى تحت ذرائع أمنية، كما يحدث في قيود السفر والعلاج.
وأكد أن هذه الإجراءات ستؤدي في النهاية إلى زيادة المعاناة الإنسانية في غزة، إلى جانب تثبيط المنظمات الدولية عن العمل في القطاع، مما يفاقم من شدة الأزمة الإنسانية التي يعيشها السكان.
وختم الناشط حديثه بمقارنة هذه الإجراءات بخطة "السيتسم" التي فرضها الاحتلال عقب حرب 2014 على دخول مواد الإعمار إلى غزة، والتي أثبتت فشلها في تسهيل العملية، وأدت بدلاً من ذلك إلى إرهاق المواطنين وتعميق الأزمة الإنسانية.
من جانبه قال سكوت بول، مدير السلام والأمن في منظمة أوكسفام أمريكا، لصحيفة واشنطن بوست إن الخطة المقترحة ستفرض "قيوداً صارمة للغاية" على إيصال المساعدات، بخصوص مَن يمكنه توزيعها، وكيفية تسليمها، وسرعة وصولها، وأين يمكن توزيعها في النهاية، وهي شروط ترفضها المنظمات الإنسانية.
وأضاف مسؤول في وكالة إغاثة: "القضية الكبرى هي كيفية توزيع المساعدات، وكيف نضمن عدم استخدام إسرائيل هذه الآلية لجمع المعلومات الاستخباراتية، وحماية موظفينا من استغلالها من طرف مسيطر".
وبدعمٍ أمريكي، ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 و19 يناير/كانون الثاني 2025، إبادة جماعية في غزة خلَّفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
















