لطالما اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية القوة الاقتصادية للعالم. حيث أكسبها نظامها المالي المستقر وتصنيفها الائتماني الموثوق به ثقة المستثمرين العالميين والحكومات على حد سواء. مع ذلك دفعت التحديات الاقتصادية والقرارات السياسية الأخيرة وكالات التصنيف الائتماني إلى إعادة تقييم الجدارة الائتمانية للبلاد.
وفي بيان حديث نشرته الثلاثاء، خفضت وكالة "فيتش" التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من "AAA" إلى "AA+"، عازية ذلك إلى عوامل تشمل "تآكل الحوكمة" خلال العقدين الأخيرين بعدما شهدت البلاد خلافات متكررة على صلة برفع سقف الدَّين العامّ. كما أشارت الوكالة إلى تدهور مالي متوقع على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة، مما سيزيد احتمالات تسجيل عجز وتكرار مفاوضات سقف الدين بما يهدّد قدرة الولايات المتحدة على سداد التزاماتها.
في المقابل عبّرت وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين عن معارضتها الشديدة لقرار وكالة "فيتش" واصفةً إياه بأنه "تعسفي ويستند إلى بيانات قديمة". وقالت إن التصنيف قد تجاهل التحسن الكبير في مؤشرات الحوكمة في عهد إدارة الرئيس جو بايدن بالإضافة إلى قوة الاقتصاد الأمريكي.
ما المقصود بالتصنيف الائتماني؟
التصنيفات الائتمانية هي تقييمات تقدمها وكالات مرموقة لتقييم الجدارة الائتمانية لبلد أو كيان، مع الإشارة إلى مستوى المخاطر المرتبطة بإقراض الأموال لها. بالتوازي تؤثر هذه التصنيفات في أسعار الفائدة على القروض والسندات، وتشكل تكاليف الاقتراض للحكومات والشركات.
في يومنا الحالي يقدّم عديد من الوكالات والمؤسسات خدمة التصنيف الائتماني، إلا أنّ أشهرها مؤسسات أمريكية ثلاث، هي "موديز" و"ستاندر آند بورز" و"فيتش"، وواحدة صينية هي "داغونغ". وبينما حصلت الوكالة الصينية على بعض الاعتراف من الدولة الغربية مؤخراً، تواصل المؤسسات الأمريكية الثلاث هيمنتها على سوق التصنيفات الائتمانية في العالم.
وفي عملية التصنيف، تستخدم وكالات التصنيف هذه أحرفاً وأرقاماً ورموزاً لوصف الجدارة الائتمانية للدول والشركات على حد سواء. والتقييمات بالمجمل تبدأ بـ"AAA" كأفضل تصنيف ائتماني، وصولاً إلى أسوأ التصنيفات التي يمثلها الرمز "D". كذلك تقدّم المؤسسات خدمة مراقبة الائتمان، إذ يُستخدم الرمز "+" للدلالة على ترقية الدولة أو الشركة المقترضة إلى صفة "إيجابية"، والرمز "–" لخفض توقّعات التقييم المقبل، فيما تُترَك بلا رموز للدلالة على عدم اليقين.
ما أسباب خفض تصنيف الولايات المتحدة؟
في قرار التخفيض الذي أصدرته الثلاثاء، انضمت فيتش إلى منافستها "ستاندر آند بورز"، التي فعلت الشيء نفسه عام 2011، عندما صعّد المشرعون حقاً سياسة حافة الهاوية بشأن الصراع السياسي الدائم حول رفع الحد القانوني للديون في البلاد.
في حين أن وضع ديون الولايات المتحدة قد يكون غير مستدام وسلبياً للآفاق المستقبلية للولايات المتحدة، فإن الاقتصاد الأمريكي -بخاصة عند مقارنته بالاقتصادات المتقدمة الأخرى- كان يعمل جيداً، إذ شدّدت الوزيرة يلين على أنّ "سندات الخزانة لا تزال أبرز الأصول الآمنة والسائلة في العالم، والاقتصاد الأمريكي قوي في جوهره".
وجاء في بيان فيتش أنّ "خفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة يعكس التدهور المتوقَّع للماليّة العامّة خلال السنوات الثلاث المقبلة، والعبء المرتفع والمتزايد للدَّين العامّ الحكومي، وتآكل الحوكمة".
وأضاف البيان: "ليس لدى الحكومة إطار مالي متوسّط الأجل، ولديها آليّة ميزانيّة معقَّدة. وقد ساهمت هذه العوامل، إلى جانب كثير من الصدمات الاقتصاديّة والتخفيضات الضريبيّة ومبادرات الإنفاق الجديدة، في زيادات متتالية في الديون على مدى العقد الماضي".
وقالت وكالة التصنيف: "إضافة إلى ذلك، لم يُحرَز سوى تقدّم محدود لمواجهة التحدّيات على الأجل المتوسّط المتعلّقة بارتفاع تكاليف المعاشات التقاعديّة والتأمين الصحّي بسبب شيخوخة السكّان"، وفقاً لما نقلته رويترز.
ما تأثير هذا على الاقتصاد الأمريكي؟
في العادة تلحق عواقب سلبية بالدول التي يُخفَض تصنيفها الائتماني، إذ يُنظَر إلى تلك الدول على أنها أقل جدارة ائتمانية، وفي حال كانت ترغب في اقتراض المال، فستُحمَّل معدل فائدة أعلى. بدوره سيؤدي دفع مزيد من الفائدة إلى تقييد أموالها في المستقبل.
مع ذلك يرى معظم الخبراء الذين تحدثوا إلى سي إن إن الأمريكية، أن من غير المرجح أن ترى الولايات المتحدة هذا النوع من التأثير من خفض تصنيف وكالة "فيتش"، خصوصاً أن التصنيف لم ينخفض انخفاضاً كبيراً. وجاء في تقرير الشبكة الأمريكية أنه قد لا تحدث أي تداعيات سلبية كبيرة ودائمة من تخفيض وكالة فيتش هذا الأسبوع التصنيف الائتماني المفاجئ للولايات المتحدة، ليس للاقتصاد وليس للمستهلكين وليس لقدرة الحكومة على الاقتراض.
الانخفاض من تصنيف "AAA" إلى "AA+" يشبه خفض جدارة الائتمان الخاصة بك من جيد للغاية إلى جيد جداً، كما قال مارك جولدوين نائب الرئيس الأول ومدير السياسات الأول للجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة. بعبارة أخرى، لا يزال يُنظر إليك على أنك تتمتع بجدارة ائتمانية عالية. وفي حالة الولايات المتحدة، التي لا تزال تُعتبر على نطاق واسع استثماراً آمناً لبقية العالم، فمن غير المرجح أن يتغير ذلك في أي وقت قريب.
في المقابل قال خوسيه توريس، كبير الاقتصاديين في إنتراكتيف بروكرز، إن "تخفيض فيتش تصنيف اقتصاد أميركا يمكن أن يشكل سابقة لنظرائها الآخرين في التصنيف الائتماني". وأضاف أنه إذا انضمت وكالة موديز إلى وكالة فيتش وستاندرد آند بورز وخفضت تصنيف الولايات المتحدة بدرجة واحدة أو أكثر، فقد يحدث فرق أكبر. "يمكن أن تؤثر التخفيضات في جميع وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية الثلاث على الأسهم والأسواق سلباً، لأنها سترفع تكلفة رأس المال للشركات والخزانة على حد سواء".
على الصعيد العالمي، ولأن الولايات المتحدة هي الدعامة الأساسية في النظام المالي العالمي، فقد يكون لخفض التصنيف الائتماني آثار مضاعفة واسعة النطاق. قد يدفع الدول الأخرى إلى إعادة تقييم تعرضها للمخاطر، مما يؤدي إلى خفض محتمل للتصنيفات السيادية الأخرى.
















