سلاح أوكرانيا المفضل لاستنزاف روسيا.. هل يمكن وقف المسيّرات البحرية؟
عدم قدرة روسيا، حتى اللحظة، على حماية مصالحها وأسطولها البحري ضد هجمات المسيّرات البحرية الأوكرانية في البحر الأسود أدى إلى طرح سؤال جديد، هل لا يمكن وقف هجمات هذه المسيّرات، أم أن روسيا ضعيفة جداً في هذا الصدد؟
صعدت أوكرانيا هجماتها باستخدام المسيّرات الجوية والبحرية في الأسابيع الأخيرة، إذ أصابت أهدافاً في القرم والبحر الأسود وداخل الأراضي الروسية، بما في ذلك موسكو. ومع ذلك، فإن الجيل الجديد من المسيّرات البحرية القوية يمكن أن يفتح جبهة جديدة لكييف في الصراع الذي دام 18 شهراً، في خطوة تظهر اعتماد كييف المتزايد على هذا السلاح.
فيما يعد استخدام المسيّرات البحرية تعزيزاً معنوياً وميزة في ساحة المعركة، مما يسمح لكييف باستغلال تقنية جديدة مصممة محلياً في البحر لمجابهة الأسطول الروسي، وذلك في وقت تكافح فيه قواتها من أجل اتخاذ موقف في الهجوم المضاد على الأرض، وفقاً لما ذكرته شبكة سي إن إن الأمريكية.
ومع بروز استخدام المسيّرات البحرية وسيلةً محتملةً لاستنزاف طموحات روسيا، يبقى السؤال: هل من طريقة يمكن بها وقف هذه المناورات البحرية بشكل فعال؟
سلاح أوكرانيا المفضل
في الحرب التي لا تملك فيها كييف السفن الحربية لتحدي سيطرة موسكو على البحر الأسود بشكل مباشر، يبدو أن انتشار المسيّرات البحرية بات يعطي أوكرانيا وسيلة للرد، ما يفتح الباب على حقبة جديدة في الحروب البحرية. إذ شهدت الأيام القليلة الماضية هجومين على سفينتين روسيتين، ورد أن كلاهما نفذته مسيّرات بحرية أوكرانية.
وفي وقت سابق، استهدفت هذه المسيّرات المصالح الروسية في البحر الأسود وشبه جزيرة القرم، بما في ذلك سفينة الأدميرال ماكاروف وجسر كيرتش. وفي حين أن القيمة الاستراتيجية لمثل هذه الهجمات غير مؤكدة، يمكن القول إنها مهمة لأغراض الدعاية ورسالة إلى بوتين، بنفس الطريقة التي غرقت بها البارجة الروسية موسكفا العام الماضي.
في الواقع، تستخدم أوكرانيا هذه المسيرات لمهاجمة السفن الروسية منذ العام الماضي. فيما تشير الأبحاث التي أجرتها BBC Verify إلى أن أوكرانيا نفذت ما لا يقل عن 11 هجوماً بالمسيرات استهدفت السفن العسكرية والقاعدة البحرية الروسية في سيفاستوبول، وكذلك ميناء نوفوروسيسك في هجوم سابق.
وفي تطور ملحوظ، لا سيّما عقب إعلان الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي نية بلاده لنقل الحرب إلى الأراضي الروسية، أصبحت الوكالات الأوكرانية، وبالأخص جهاز الأمن، تتبنى هذه الهجمات بشكل علني بعد شهور من التحفظ.
يذكر أن وكالة المخابرات الدفاعية البريطانية قالت في بيان لها إن غارة نوفوروسيسك التي ألحقت أضراراً بالغة بسفينة الإنزال التي يبلغ طولها 370 قدماً ووجهت "ضربة كبيرة" إلى أسطول البحر الأسود الروسي. وأشارت الوكالة كذلك إلى أن روسيا نقلت العديد من وحداتها إلى نوفوروسيسك في ضوء "التهديد الكبير" للسفن في ميناء سيفاستوبول، الذي يقع على الساحل الغربي لشبه جزيرة القرم ضمن مدى الصواريخ والمسيّرات الأوكرانية، وفق نيويورك تايمز.
"أسرع من أي شيء آخر في البحر الأسود"
المسيّرات البحرية باختصار هي سفن صغيرة غير مأهولة تعمل على سطح الماء أو تحته. هذا النوع من الأسلحة سريع وشبه غاطس، مما يصّعب مهمة رصدها وتتبعها عبر الرادارات التقليدية. كما يمكن إطلاقها بسهولة في البحر، وهي قادرة على السفر عدة مئات من الأميال إلى أهدافها. وأثبتت حمولاتها حتى الآن أنها قادرة على شل حركة السفن الكبيرة.
وعلى ضوء الهجمات الأخيرة والمتتابعة ضد أصول روسية، ثبت أنه من الصعب للغاية الدفاع ضدها، فضلاً عن أنها أداة حيوية في مواجهة أسطول البحر الأسود الروسي.
أحدث إصدارات المسيّرات هذه، والتي شاهدتها سي إن إن، يصل وزنها إلى 1000 كيلوجرام، مع حمولة متفجرة تصل إلى 300 كيلوجرام، ومدى 800 كيلومتر وسرعة قصوى 80 كيلومتراً في الساعة.
ويقول المطور الذي تحدث إلى الشبكة الأمريكية: "هذه المسيرات هي إنتاج أوكراني بالكامل. جرى تصميمها ورسمها واختبارها هنا (في أوكرانيا)". ويزعم بأن الروس لم يتكيفوا بعد مع أحدث قدرات أوكرانيا التي يصعب على الروس رصدها، وأضاف: "سرعة هذه المسيّرات تتجاوز أي مركبة بحرية في منطقة البحر الأسود في الوقت الحالي".
ويجادل المطور بأن عملهم ضد الأهداف البحرية الروسية يجبرهم على التعمق أكثر في البحر الأسود، مما يجعل الضربات الصاروخية العميقة في أوكرانيا أكثر صعوبة.
وحسب سي إن إن، منحت قدرات المسيّرات البحرية ونجاحاتها المطور بعض التبجح، إذ يقول: "أعتقد أن الأمر سيستغرق من خمس إلى عشر سنوات أو أكثر قبل أن يتمكن (الروس) من مواجهة هذا النوع من المعدات بشكل فعال. معداتهم من القرن العشرين، وأجهزتنا من القرن الحادي والعشرين. بيننا 100 عام".
هل من طريقة لوقفها؟
تخرج من العدم، وتتحرك بسرعة في نمط متعرج، وتضرب سفينة العدو، وغالباً ما تكمل المهمة المعينة بنجاح. كان استهداف أوكرانيا للبحرية الروسية بمركباتها البحرية غير المأهولة وحتى ترك أهم سفنها في البحر الأسود خارج المعادلة على جدول الأعمال العسكرية في الماضي القريب.
تعتبر المسيّرات البحرية بمثابة تهديدات حرب غير متكافئة، فهي ليست شيئاً يمكنك مواجهته بمجرد اكتشافه. عليك أن تكتشفها وفي نفس الوقت تبقي عينيك عليها. لذلك، يجب أن يكون لديك نظام تتبع جيد جداً، وفقاً للتقرير الذي نشره موقع TRT Haber وناقش إمكانية الدفاع ضد هذا النوع من الأسلحة.
وأشار التقرير إلى أنه على الرغم من السفن الحربية تمتلك أنظمة دفاع متطورة للغاية، فإن معظمها جرى تطويره ضد السفن أو التهديدات الرئيسية. ما يعني أنه من الصعب للغاية مواجه المسيّرات السريعة والرشيقة للغاية بالذخيرة التقليدية. لهذا السبب، تعتمد القدرة على الدفاع ضدها على مهارة النظام والمنصة والموظفين.
لكن المعضلة الأكبر في التصدي لهذا النوع من الهجمات هو أن المسيّرات البحرية لا تأتي منفردة، بل تهاجم على شكل "قطيع" وفي أسراب. في هذه الحالة، حتى لو تمكنت القوات البحرية من التصدي لعشرات المسيّرات، فإن وصول مسيّرة واحدة إلى الهدف وانفجارها كفيل بتحطيم كل الدفاعات على السفينة وتحويلها إلى كومة حديدية عائمة.