بعد غياب طويل.. ما دلالات تعيين سفير سعودي فوق العادة لدى فلسطين؟

قُوبل قرار السعودية تعيين سفير فوق العادة لدى فلسطين بردودٍ متباينة، إذ رحّبت السلطة الفلسطينية بهذا القرار التاريخي، فيما عبّرت إسرائيل عن تحفّظها عليه، وسط تساؤلات حول دوافع هذا القرار ودلالات توقيته.

By فريق العمل
Palestinian President Abbas in Saudi Arabia / صورة: AA / AA

قُوبل قرار السعودية تعيين سفير فوق العادة لدى فلسطين بردودٍ متباينة، إذ رحّبت السلطة الفلسطينية بهذا القرار التاريخي، فيما عبّرت إسرائيل عن تحفّظها عليه، وسط تساؤلات حول دوافع هذا القرار ودلالات توقيته.

جاء ذلك بعد تسلّم مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي أوراق اعتماد سفير السعودية لدى الأردن نايف بن بندر السديري، في 12 أغسطس/آب الجاري، بعد تعيينه سفيراً فوق العادة مفوّضاً وغير مقيم لدى دولة فلسطين، وقنصلاً عامَّاً بمدينة القدس.

وأعرب الخالدي عن أمله أن تسهم الخطوة السعودية في تعزيز العلاقات الأخوية القوية والمتينة التي تربط البلدين والشعبين.

وأكّد السديري أهميّة هذه الخطوة التي تعكس رغبة القيادة السعودية في "تعزيز العلاقات مع الأشقاء في دولة فلسطين، وإعطائها دفعة ذات طابع رسمي في كل المجالات".

دلالات سياسية

وفي معرض ترحيبه بهذه الخطوة السعودية المفاجئة، وصف رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد أشتية، قرار المملكة تعيين سفير فوق العادة غير مقيم لدى الأراضي الفلسطينية بأنّها تحمل معاني ودلالات سياسية مهمة في مواجهة إجراءات الاحتلال.

واعتبر عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية واصل أبو يوسف أن هذا القرار يدعم حقوق الشعب الفلسطيني في إعلان دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، مؤكداً أهميّة تضافر الجهود العالمية والعربية من أجل دعم الشعب الفلسطيني.

وقالت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية إنّ توقيت القرار يعكس اهتمام السعودية بالقضية الفلسطينية باعتبارها أحد الأسس التي تعتمد عليها سياسة المملكة الخارجية عربياً وإسلامياً ودولياً.

وأبدت الخارجية الفلسطينية استعدادها للتعاون الكامل مع السفير السديري لتسهيل مهامه الجديدة.

ويرجّح مراقبون أن تُسهم هذه الخطوة الدبلوماسية في تعزيز جديد للعلاقات بين السعودية وفلسطين، وتؤكد التزام المملكة دعم القضية الفلسطينية والعمل من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.

ما علاقته بالتطبيع؟

وتتزامن الخطوة السعودية هذه مع تزايد الحديث عن التوصل إلى اتفاقية تطبيع بين المملكة وإسرائيل برعاية أمريكية.

وأعلنت الإدارة الأمريكية في وقت سابق عن تحقيق انفراجة في جهودها للتوسط في إقامة علاقات رسمية بين تل أبيب والرياض التي تشترط إقامة دولة فلسطينية قبل حصول أيّ اتفاق من هذا النوع.

من جانبه وصف وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين، في تصريحات لإذاعة محليّة، القرار السعودي بأنّه "خطوة رمزية إلى حدّ كبير".

وتعهّد كوهين بعدم السماح للسعودية أو أيّ دولة بفتح ممثلية دبلوماسية بالقدس الشرقية تكون تابعة للسلطة الفلسطينية.

وتحدّثت صحيفة يديعوت أحرونوت عن رسالة سعودية قوية وراء هذه "الخطوة التاريخية"، إذ تُجدِّد الرياض تأكيدها لإسرائيل بأنّها تريد خطوات مهمة وملموسة لصالح الشعب الفلسطيني مقابل تطبيع العلاقات.

وأشارت الصحيفة الإسرائيلية إلى أنّ القرار السعودي يفنّد ادّعاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ السعوديين لن يطالبوا تل أبيب بتقديم تنازلات كبيرة للفلسطينيين.

وزعمت قناة INEWS24 الإسرائيلية أنّ السعودية لم تنسّق مع إسرائيل بشأن هذا القرار، ويجد الجهاز السياسي الإسرائيلي صعوبة في تفسير تأثيرها في مسار التطبيع مع المملكة.

وحول ذلك نقلت وكالة فرانس برس عن المحلل السعودي والخبير في العلاقات السعودية الإسرائيلية عزيز الغشيان قوله إنّ القرار السعودي "يعطي فكرة عمّا يمكن أن تكون عليه العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإسرائيل".

وأوضح الغشيّان أنّ رؤية المملكة تفضّل وجود سفير سعودي لدى فلسطين يتولى ملف إسرائيل، مضيفاً أنّ "الرسالة الفورية هي التعامل بجدية مع المطالب السعودية بشأن تنازلات إسرائيلية".

قرار إيجابي

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني حسام الدجني أنّ نظرة الشعب الفلسطيني وقيادته تجاه القرار السعودي إيجابية، في إطار الضغط على إسرائيل ومحاولة استغلال توظيف أكبر من أجل أن تكون الصفقة الشاملة التي تبحث عنها المملكة مع الإدارة الأمريكية في صالح الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية.

وفي حديثه مع TRT عربي، يدعو الدجني السعودية كونها من الدول التي تقود العالم الاسلامي ألّا تستعجل قرارها في التطبيع قبل أن تنفّذ ما تعهّدت به في مبادرة السلام العربية بأن يجري العمل على إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي قبل التطبيع.

ويحذّر الدجني من أنّ "ذهاب المملكة للتطبيع قبل أن يكون هناك ضغط فعلي لانسحاب الاحتلال من الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو/حزيران قد يشكّل انتكاسة وطنية ومغامرة من قِبل السعودية".

ويشدّد المحلل السياسي على ضرورة الضغط والتشاور مع المملكة العربية السعودية بألّا تذهب باتجاه التطبيع مع إسرائيل دون أن تكون هناك تنازلات إسرائيلية وفرملة لكل المشروع الاستيطاني، مع إقامة الدولة الفلسطينية وإنهاء حصار غزة وربط غزة بالضفّة والقدس.

ويعرب عن اعتقاده بأنّ إسرائيل تخشى من مطالبتها بتقديم تنازلات للفلسطينيين، لكنّ السعودية تدرك أنّ قبولها التطبيع مقابل أشياء ذاتية تتعلق بالمملكة بعيداً عن القضية الفلسطينية هو بالتأكيد مقامرة سياسية، قد تخشى المملكة أن تدفع استحقاقاتها في المستقبل، لأنّ إسرائيل لن تقدّم شيئاً للدول المطبّعة بقدر ما سوف تستفيد من التطبيع لمصالح سياسية وأمنيّة وغير ذلك.

ويعتبر الدجني قرار فتح السفارة في الأردن لخدمة المصالح الفلسطينية والإشارة إلى القدس الشرقية هو رسالة واضحة استفزّت وزير الخارجية الإسرائيلي، والحديث عن السفارة في القدس بالتأكيد لا تستطيع إسرائيل أن تقبله.

ويرجّح أنّه في حال نجحت الصفقة الشاملة في أن تفرض المملكة العربية السعودية القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، فبالتأكيد ستساهم بالاعتراف الدولي في ذلك، وهذا يخدم المصالح الوطنية الفلسطينية بشكل أو بآخر.

يدعم القضية الفلسطينية

ويؤكّد الكاتب والصحفي السعودي بدر العتيبي أنّ قرار المملكة هو انعكاس لالتزام السعودية تجاه القضية الفلسطينية، التي تأتي على رأس أولوياتها وفي القلب منها مساندتها للأقصى والقدس.

ويلفت العتيبي في حديثه مع TRT عربي إلى أنّ هذا القرار يُعتبر خطوة بالغة الأهمية نحو دعم الشعب الفلسطيني الشقيق وحقوقه المشروعة، وهو الأمر الذي أكّدته الخارجية السعودية، في بيانها بهذا الشأن، إذ وُصف القرار بأنّه جزء من سياسة المملكة لدعم القضية الفلسطينية.

ويشدد العتيبي على أنّ "موقف السعودية التاريخي المساند للشعب الفلسطيني ثابت وسيظل داعماً حتى يستعيد كامل حقوقه"، منوّهاً بأنّ الرسائل الإسرائيلية المعارضة تجاه هذا القرار تفنّد ما يردده البعض بأنّ القرار مقدمة نحو تطبيع العلاقات بين الرياض وتل أبيب.

ويعرب عن اعتقاده بأنّ هذا القرار هو خطوة مهمّة في مسيرة دعم ومساندة القضية الفلسطينية وتعزيز العلاقات الثنائية، كما يمكن أن يكون لها آثار بعيدة المدى على المنطقة في طريق حل هذه القضية.