احتياطات وترقب في الأسواق… كيف ستؤثر قمة بريكس في الاقتصاد العالمي؟
تحتضن العاصمة جوهانسبرغ منذ يوم الثلاثاء قمة بريكس التي من المحتمل أن تفصل في قرارات اقتصادية جديدة للمجموعة المالية، أهمها إقرار عملة موحدة، والتي قد تؤثر بشكل كبير في الاقتصاد العالمي.
على مدار يومين بداية من الثلاثاء تشهد العاصمة الجنوب إفريقية جوهانسبرغ، انعقاد قمة "بريكس" للدول ذات الاقتصادات الناشئة. والتي تأتي في ظل مناخ سياسي واقتصادي دولي محتقن، يطبعه تصاعد النداءات للقطع مع هيمنة النموذج الاقتصادي الغربي على العالم، وخلق تكتلات اقتصادية موازية للأقطاب الغربية الكبرى.
وفي هذا الصدد، يتوقع أن تحمل القمة مجموعة قرارات اقتصادية مهمة، قد تؤثر بشكل جذري على الاقتصاد العالمي. وهو ما يؤكده ستيفن غروز، الباحث من مشروع إفريقيا-روسيا في معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية، بقوله إن القمة تنعقد في "منعطف حرج"، بحيث "يتعرض النظام الحالي متعدّد الأطراف لضغوط".
ومن بين هذه القرارات التي يمكن أن تفضي لها "بريكس"، هو الحسم في سياسة مالية جديدة للمجموعة من أجل التخلص من هيمنة الدولار الأمريكي. وهو ما قد يغير وجه الاقتصاد العالمي، بحسب مراقبين، بالنظر إلى العدد الكبير لطلبات الانضمام التي تشهدها "بريكس" في هذه الأيام.
"بريكس" أكبر!
يمثل تكتّل "بريكس" ما يقرب من 42% من إجمالي تعداد سكان العالم، وتغطي الدول الأعضاء فيه مساحة تزيد على 39 مليون كيلومتر مربع، بما يعادل 27% من مساحة اليابسة. وتقدر القدرة الشرائية لهذه الدول مجتمعة نحو 40.55 تريليون دولار، أي بنسبة 32% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. إضافة إلى استحواذها على 18% من إجمالي التدفقات التجارية العالمية، وامتلاكها احتياطي 4 تريليون دولار من النقد الأجنبي.
وإضافة إلى كونها سوقاً ضخمة، تحتل الاقتصاديات الناشئة لـ"بريكس" مراتب متقدمة على الصعيد الدولي، إذ بلغ الناتج المحلي الاسمي لدول بريكس الخمس سنة 2018 نحو 19.6 تريليون دولار، أي ما يعادل 23.3% من إجمالي الناتج العالمي.
ومن المتوقع أن تتضاعف هذه القدرات الاقتصادية للمجموعة، عبر العدد الكبير من طلبات الانضمام إليها. وبلغ عدد الدول التي طلبت الانضمام إلى "بريكس" نحو 23 دولة، من بينها ثماني دول عربية هي: الجزائر ومصر والسعودية والإمارات والبحرين والكويت والمغرب وفلسطين.
ومن بين هذه الدول العربية، تملك كل من مصر والجزائر والسعودية والإمارات حظوظاً أكبر للانضمام إلى "بريكس" ولو بصفة "ملاحظ"، مرحلة أولى، بالنظر إلى الأهمية الجيوسياسية لهذه الدول، وحجم اقتصادها، ومساحتها الجغرافية، وكتلتها السكانية، وثرواتها الطاقوية والمعدنية، وسوقها الاستهلاكية الواسعة.
ويرى محللون، أن انضمام هذه الدول سيمكن المجموعة من ضم معظم مصادر النفط والغاز في العالم، وبالتالي نهج سياسات طاقية موحدة بما يخدم مصالح أعضاء المجموعة الاقتصادية، وبالتالي سيساعد هذا في موازنة هيمنة مجموعة السبع التي تقودها الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي.
مفر من الهيمنة الغربية
كان اندلاع الحرب في أوكرانيا أحد أبرز العوامل التي عززت فعالية مجموعة "بريكس" على خارطة الاقتصاد العالمي. وبرز هذا الدور بشكل أكبر، مع بحث روسيا عن بدائل اقتصادية لتنجو من كماشة العقوبات الغربية، وعلى رأسها تلك التي استهدفت قطاعها البنكي وصادرات الطاقة.
هكذا نجد أن روسيا تعمل على توجيه صادراتها النفطية نحو حلفائها في "بريكس"، كالهند والصين، كما غيرت من وسائل الدفع لتتم بالعملات الرسمية لتلك البلدان. وقامت روسيا بتعزيز احتياطياتها من اليوان والروبية الهندية كاحتياطيات لصندوق الثروة السيادية الخاص بها، لتسهيل المبادلات التجارية مع تلك الدول، عقب حظر بنوكها من منظومة سويفت.
وخلال العام الأول من الحرب، نمت المبادلات التجارية بين الهند وروسيا، بفعل الزيادات في واردات النفط. وفي أبريل/نيسان، بلغت واردات الهند من النفط الروسي نحو 25 ألف برميل يوميا، وارتفع هذا الرقم ليبلغ 600 ألف برميل يومياً في شهري مايو/أيار ويونيو/حزيران الماضيين.
وتمثل الصين والهند حالياً ما يزيد على 40% من إجمالي صادرات روسيا من النفط الخام، بينما كانت هذه النسبة في يوليو/تموز الماضي 21.7% تقريباً.
وفي يوليو/تموز، أعلن البنك المركزي الهندي خطة تسمح للمستوردين المحليين بشراء السلع بالروبية، ثم إيداعها بعد ذلك في حساب تحتفظ به الدولة المصدرة، وهو ما يستهدف تمكين المعاملات الأكثر سلاسة مع روسيا.
وأخذاً بالمثال الروسي، حسبما يعتقد محللون، فإن "بريكس" تقدم نموذجاً للاقتصاديات العالمية الناشئة عن إمكانية وجود شبكات مبادلات اقتصادية دولية خارج منظومة الهيمنة الاقتصادية الغربية، وهو ما يمثل عرضاً مغرياً لدول تعاني أساساً من ضغط العقوبات كإيران على سبيل.
عملة منافسة للدولار؟
فيما لن ينجح هذا النموذج الاقتصادي العالمي الجديد الذي تطرحه "بريكس"، دون استقلالية مالية للمجموعة عن المنظومة المالية العالمية الحالية؛ سواء ببدائل للدفع تعتمد العملات المحلية عوض الدولار، أو عملة موحدة. وفي أبريل/ نيسان الماضي، تحدثت تقارير إعلامية كثيرة، عن أن دول "بريكس" بصدد إنشاء وسيلة جديدة لمدفوعات تجارتها البينية والخارجية في شكل عملة موحدة.
وهو ما أكده وقتها نائب رئيس مجلس الدوما الروسي ألكسندر باباكوف، قائلاً إن هذه العملة الجديدة ستُنشأ على أساس استراتيجي، وليست قائمة على الدولار أو اليورو، وإن تأمينها سيكون بالاعتماد على الذهب والسلع الأخرى مثل المعادن النادرة.
وفي ذات السياق، خلال تصريحات حديثة له، تساءل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا: "لماذا تحتاج البرازيل إلى الدولار للتجارة مع الصين أو الأرجنتين؟ يمكننا التجارة بعملتنا". قبل أن يدعو إلى إنشاء عملة مشتركة بين دول مجموعة "بريكس".
وفي نهاية شهر مارس/آذار المنصرم، وقّعت البرازيل والصين اتفاقاً للتخلي عن الدولار الأمريكي في معاملاتهما الثنائية، وهو ما يُتوقع أن يقلّل تكاليف الاستثمار ويؤدّي إلى تَطوُّر العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وبدأت تأثيرات هذه السياسات المالية تظهر على مكانة الدولار في التجارة الدولية، وحسب مسح أخير لصندوق النقد الدولي، فإن حجم احتياطيات الدولار في البنوك المركزية العالمية آخذ في الانخفاض، من 65% عام 2016 إلى 59% حالياً.
ويتوقع أن تحسم قمة جوهانسبورغ الجارية في تطبيق هذه السياسات المالية الجديدة للمجموعة. وحسب موقع "Silk Road Briefing"، المختص في أخبار مبادرة الحزام والطريق الصينية، فإن جهود قادة "بريكس" ستتركز على التعاون والتنسيق في تطوير أنظمة دفع بديلة لـ"سويفت"، والتطوير التدريجي لنظام مالي غير الدولار، وكذا نظام دفع مشترك "BRICS Pay"، وزيادة التجارة باستخدام العملات المحلية المعنية، وإنشاء عملة مشتركة للمجموعة.