بعد فشل مفاوضات سدّ النهضة.. ما أوراق مصر للحفاظ على أمنها المائي؟

بعد فشل المفاوضات المتعلّقة بسدّ النهضة الإثيوبي، الذي يهدّد الأمن المائي المصري وفق القاهرة، لوّحت مصر بالدفاع عن حقوقها، فما الخطوات الممكنة لتحتفظ مصر بحصّتها من مياه النيل؟

By سارة سعيد
سد النهضة / صورة: AFP / AFP

أعلنت مصر في ديسمبر/كانون الأول الجاري عن فشل آخر جولة من المحادثات المنعقدة في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بشأن سد النهضة، التي ضمّت مصر والسودان وإثيوبيا.

وقالت وزارة الريّ المصرية في بيان إن "الاجتماع لم يسفر عن أي نتيجة، نظراً إلى استمرار إثيوبيا في المواقف الرافضة لقبول أيّ من الحلول الوسط، وبات واضحاً عزم الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لفرض الأمر بغرض استخلاص صكّ موافقة من دولتَي المصبّ على التحكم الإثيوبي المطلق في النيل الأزرق، بمعزل عن القانون الدولي".

وشدّدت القاهرة على أنه في ظل المواقف الإثيوبية تكون المسارات التفاوضية قد انتهت، وأن "القاهرة تحتفظ بحقّها في الدفاع عن أمنها المائي والقومي في حال تعرّضه للخطر".

تاريخ من المفاوضات وتبادل الاتهامات

بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني في مصر عام 2011 أعلنت إثيوبيا -دولة منبع النيل- عزمها إنشاء سدّ النهضة، وأنها سوف تُطْلِع مصر على مخططات السدّ لدراسة مدى تأثيره في دولتَي المصبّ مصر والسودان.

وعقب ذلك نُظّمت زيارات متبادلة لرئيسَي وزراء البلدين بهدف بحث الملف، واتفقت السلطات المصرية والإثيوبية في سبتمبر/أيلول 2011 على تشكيل لجنة دوليّة تدرس آثار بناء سدّ النهضة، وبدأت أعمالها في مايو/أيار 2012.

وفي مارس/آذار 2015 وقّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ديسالين في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة"، تضمّنت 10 مبادئ أساسية تتّسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي المنظّمة لاستغلال مياه الأنهار الدوليّة.

وأعلن الرئيس السيسي في ديسمبر/كانون الأول 2015 أن المياه مسألة حياة أو موت، يوجد تفاهم مع إثيوبيا بشأن سدّ النهضة، وبعدها بأشهر أعلنت إثيوبيا أنّها لن تتوقف عن بناء السدّ وإكمالها بالفعل لـ70% منه.

واستمرت جولات المفاوضات بين الجانبين حتى بدأت إثيوبيا في ملء الخزّان في يوليو/تموز 2020.

ودشّنت إثيوبيا رسمياً في فبراير/شباط 2022 إنتاج الكهرباء من السدّ، وعدّلت هدف إنتاجه من 6500 إلى 5000 ميغاوات، أي ضِعف إنتاج إثيوبيا الحالي، ويُتوقّع أن يبلغ كامل طاقته الإنتاجية عام 2024.

ومُلِئ خزّان النهضة على مراحل عدّة خلال السنوات الأخيرة، وفي سبتمبر/أيلول 2023 أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد عن انتهاء أعمال تعبئة سدّ النهضة.

واستمرّت المفاوضات على جولات عدّة منذ عام 2011، انتهت الجولة الرابعة منها بإعلان فشلها من الجانب المصري.

وأعلنت القاهرة انتهاء المسارات التفاوضيّة، فيما اعتبرت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان أن المفاوضات فشلت نتيجة "احتفاظ مصر بعقليّة العصر الاستعماري" واتهمتها بـ"إقامة حواجز أمام الجهود الرامية إلى التقارب".

سدّ النهضة.. "خطر وجوديّ"

قال وزير الموارد المائية المصري هاني سويلم أمام الجلسة العامة لمؤتمر الأمم المتحدة للمياه 2023 إن "الممارسات الأحاديّة غير التعاونية في تشغيل هذا السد، المبالغ في حجمه، يمكن أن يكون لها تأثير كارثي، فسدّ النهضة الإثيوبي بمثابة 'خطر وجودي' يهدد حياة الملايين من مواطنيها".

ووفقاً لسويلم فإنه في حالة استمرار تلك الممارسات على التوازي مع فترة جفاف مطوّل، قد ينجم عن ذلك خروج أكثر من مليون ومئة ألف شخص من سوق العمل، وفقدان ما يقرب من 15% من الأراضي الزراعية في مصر، ومضاعفة فاتورة واردات مصر الغذائية.

وأضاف أنّ مصر تعاني ندرة مائية فريدة من نوعها دولياً، فهي على رأس قائمة الدول القاحلة بوصفها الدولة الأقلّ على الإطلاق من حيث معدل الأمطار بين جميع دول العالم، كما أنّ نصيب الفرد السنويّ من المياه يبلغ نصف حدّ الفقر المائي.

وتعتمد مصر بشكل شبه مطلق على نهر النيل بنسبة 98% على الأقل لتوفير مواردها المائية المتجدّدة، وهي الموارد التي يُستعمل ما لا يقل عن 75% منها للإسهام في استيفاء الاحتياجات الغذائية للشعب المصري عبر الإنتاج الزراعي.

وذكر الوزير أنّ قطاع الزراعة يمثل مصدر الرزق لأكثر من 50% من السكان، آخذاً في الاعتبار أن مصر لديها عجز مائي يصل إلى 55% من احتياجاتها المائية التي تبلغ 120 مليار متر مكعب، فإنها تقوم باستثمارات لرفع كفاءة منظومة المياه لديها تعدّت 10 مليارات دولار خلال الخطة الخمسيّة السابقة، كما تعيد استخدام المياه مرات عدّة في هذا الإطار، وتضطر إلى استيراد واردات غذائية هائلة بقيمة نحو 15 مليار دولار.

الحرب أو العطش

ويؤكد خبير المياه ضياء الدين القوصي، مستشار وزير الري المصري الأسبق، أن "أيّ ضرر سيقع على الحصة المائية المصرية من نهر النيل سيُقابَل بحزم، ولا بديل عن ذلك، فصاحب القرار لن يقف متفرجاً".

ويوضّح القوصي في حديثه مع TRT عربي أن "خروج مليار متر مكعب مياه فقط من الموازنة المائية لمصر يتسبب في تشريد وتجويع 5 ملايين مصري".

ويحذّر من سيناريو المواجهة، ويقول إن الجانب الإثيوبي "يلعب بالنار"، ويسعى لفرض الأمر الواقع، و"هذا لن تقبله مصر لأنها مسألة وجود، وفي حالة أي أضرار سيكون أمام مصر خياران، إما الموت عطشاً وإما الموت مع الآخرين حرباً".

من جهته يرى الدكتور محمد عبد الكريم، الباحث في الشؤون الإفريقية، أنّ سيناريوهات ما بعد فشل المفاوضات تبدو محدودة للغاية، لاعتبارات عدّة، أهمّها أن النهج الإثيوبي طوال المحادثات الماراثونية لم يتغير "إيجاباً إلّا شكلياً وفي ظل ظروف متغيرة، مثل تقارب إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مع النظام المصري، وتفاقم الأزمات الداخلية في إثيوبيا، وما بدا في وقته تقارباً مصرياً-خليجياً".

ويبيّن عبد الكريم في حديثه مع TRT عربي أن نهاية المحادثات "تمثل ضربة موجعة، وإنْ ظلّت متوقعة في العامين الأخيرين"، مضيفاً أنه "لا يمكن توقّع سيناريو مغاير لاستمرار هذه الأزمة التي تظلّ رهناً لسياسات أديس أبابا على المدى القريب على الأقل".

تخاذل المجتمع الدولي

ويشير إلى أن تخاذل الاتحاد الأوروبي جاء مفهوماً في ظل توازن مصالحه التقليدية في القرن الإفريقي ومصر، ورؤيته أن أزمة سدّ النهضة غير ذات أولوية حتى على المستوى المتوسط أو البعيد.

ويعتبر الباحث المصري أن مصر واجهت "حالة تخاذل" غير مسبوقة من طرف المجتمع الدولي وحلفاء إقليميّين.

ويضيف عبد الكريم أن مصر راهنت على مواقف واشنطن في عهد ترامب، فيما واجهت في عهد الرئيس الحالي جو بايدن تجاهلاً تاماً لمصالحها ومخاوفها إزاء الموقف الإثيوبي.

كما كان موقف دول حليفة "متخاذلاً"، على حدّ تعبيره، حتى في ضوء المواقف الرسميّة التي أيّدت حقوق مصر التاريخيّة في مياه النيل.

ويؤكّد عبد الكريم أن قدرة مصر على تخفيف هذا التخاذل مرهونة بما أعلنه الرئيس السيسي قبل انتخابه مؤخراً رئيساً، بعزمه على تغيير سياسات مصر الخارجية والإفريقية، لا سيّما أن الاتحاد الإفريقي راوغ القاهرة على نحو غير مسبوق في تسويف الملف لصالح استراتيجيات أديس أبابا.

وعن خيارات القاهرة بعد فشل المفاوضات، يرى الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، أن "أمامها خيارين لا ثالث لهما"، وفق رأيه.

ويوضح فهمي في حديثه مع TRT عربي أن الخيار الأول يتمثّل في التوجه إلى الاتحاد الإفريقي والإقرار بفشل المفاوضات، وبعدها طلب عقد جلسة خاصة استثنائية لمجلس الأمن الأمميّ لمناقشة الأمر بعد استيفاء ما دار في الاتحاد الإفريقي من فشل.

أما الخيار الثاني فهو الاستمرار في آلية التفاوض، إذ إن الملء الخامس للسدّ هو الأخير، وحينها يجري الاتفاق على الحصص وتوفيق آليات هذه المرحلة بعيداً عن الأمور الفنية والتقنية، حسب فهمي.