في سياق التصعيد، أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترمب، يوم السبت، أنه أصدر أوامره بشن "هجوم واسع النطاق" ضد الحوثيين في اليمن. ومنذ ذلك الحين، حتى مساء الثلاثاء، نفَّذت القوات الأمريكية أكثر من 60 غارة جوية على الأراضي اليمنية، أسفرت -حسب بيانات صادرة عن الحوثيين- عن مقتل 53 شخصاً وإصابة 98 آخرين، بينهم نساء وأطفال.
وتشكل هذه الضربات أول استهداف عسكري أمريكي لليمن منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، الذي دخل حيّز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني 2025.
من جانبه، أكد الفريق أول أليكسوس جرينكويش، المسؤول في هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، خلال مؤتمر صحفي في البنتاغون يوم الاثنين، أن العمليات العسكرية ستستمر خلال الأيام المقبلة لتحقيق الأهداف التي حددها الرئيس.
وأوضح جرينكويش أن هذه الحملة العسكرية الجديدة تختلف عن نهج إدارة بايدن، حيث شملت قائمة موسعة من الأهداف، فضلاً عن منح ترمب صلاحيات أوسع لمسؤولين من مستويات أدنى للموافقة على تنفيذ الضربات، مما أتاح سرعة اتخاذ القرار واستغلال الفرص العسكرية المتاحة على أرض المعركة لتعزيز الضغط على الحوثيين.
في المقابل، وبعد استهداف قاعدة "نيفاتيم" الجوية في إسرائيل، توعد المتحدث العسكري لجماعة الحوثي، يحيى سريع، بتوسيع دائرة الاستهداف داخل إسرائيل في الساعات والأيام المقبلة، ما لم يتوقف "العدوان" على قطاع غزة.
وفي بيان رسمي، أكد سريع أن قوات الجماعة نفَّذت عملية استهداف القاعدة الجوية باستخدام صاروخ باليستي فرط صوتي من طراز "فلسطين 2"، مشيراً إلى أن الضربة "حققت هدفها بدقة ونجاح".
التضاريس الوعرة
بعد سنوات من القتال في بيئة قاسية تتسم بتضاريس جبلية وعرة، وتحمُّلهم آلاف الضربات الجوية، يؤكد المحللون أن جماعة الحوثي لن تكون هدفاً سهلاً للقوات الأمريكية.
يمتلك اليمن موقعاً استراتيجياً بالغ الأهمية، حيث يشرف على أحد أكثر الممرات البحرية حيوية في العالم، وهو الطريق الرابط بين أوروبا وآسيا. وتتمركز الجماعة في معاقل جبلية يصعب الوصول إليها، مما يمنحها ميزة عسكرية تعقّد أي عمليات هجومية ضدها.
وفي إطار استراتيجيتهم العسكرية، يعتمد الحوثيون على الطائرات المسيرة والصواريخ محلية الصنع، ورغم بدائية هذه الأسلحة مقارنةً بالتقنيات المتطورة، فإنها أثبتت فاعليتها، إذ نجحت في التأثير بشكل كبير على حركة الشحن في البحر الأحمر، مما أجبر عديداً من شركات الملاحة على تغيير مساراتها لتجنب المخاطر.
ويؤكد فابيان هين، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، أن الحوثيين يمتلكون ترسانة من الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز يصل مداها إلى ألفي كيلومتر، إلى جانب طائرات مسيَّرة قادرة على التحليق لمسافات طويلة، مما يعزز قدراتهم على شن هجمات بعيدة المدى.
ورغم أن الحوثيين لا يملكون القدرة على مجاراة القوة العسكرية الهائلة للولايات المتحدة، تشير إليزابيث كيندال، مديرة كلية غيرتون في جامعة كامبريدج، إلى أن الجماعة تستفيد من الطبيعة غير المتكافئة للصراع.
مضيفةً أن استمرار الحوثيين في استهداف السفن بالصواريخ والطائرات المسيرة، حتى وإن كانت بدائية، يبقى كافياً لتعطيل التجارة البحرية العالمية وحرية الملاحة.
ويشدد أليكس بليتساس، الخبير في شؤون الدفاع لدى مركز أتلانتيك كاونسل، على أن أسلحة الحوثيين، التي تشمل منصات إطلاق صواريخ متنقلة، تمثل تحدياً كبيراً، إذ يصعب رصدها وتدميرها.
ويضيف، في مقال نشره على الموقع الرسمي للمركز، أن "قدرة الحوثيين على الصمود تنبع من انتشار أسلحتهم داخل التضاريس الوعرة لليمن، وهو ما يجعل عمليات الاستهداف أكثر تعقيداً".
وفي تطور لافت، كشفت صحيفة نيويورك تايمز، في 13 مارس/آذار الجاري، عن أن الحوثيين بدؤوا في استخدام خلايا وقود الهيدروجين في طائراتهم المسيَّرة بدلاً من المحركات التقليدية العاملة بالغاز أو بطاريات الليثيوم.
ووفق التقرير، فإن الطائرات المسيّرة الحوثية كانت قادرة في السابق على قطع مسافة تقارب 750 ميلًا، إلا أن التقنية الجديدة قد تمنحها قدرة على التحليق لمسافات تصل إلى ثلاثة أضعاف ذلك، مما يجعل اكتشافها عبر أجهزة الاستشعار الصوتية والأشعة تحت الحمراء أكثر صعوبة، ويضيف بُعداً آخر إلى التحدي الأمني في المنطقة.
محدودية الغارات وتداعياتها
في ديسمبر/كانون الأول 2023، أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا، إلى جانب مجموعة من الدول، تشكيل تحالف عسكري تحت اسم "حارس الازدهار" لمواجهة تهديدات جماعة الحوثي في البحر الأحمر. في هذا السياق، أفادت صحيفة وول ستريت جورنال، الاثنين، بأن إدارة الرئيس دونالد ترمب تسعى من خلال الغارات الجوية الحالية إلى استهداف قادة الجماعة، وهو نهج كانت إدارة بايدن قد امتنعت عنه في معظم الأحيان، خشية التصعيد.
ويعتقد محللون أن هذه الاستراتيجية قد تؤدي إلى إضعاف قدرة الحوثيين على شن هجمات مضادة، لكنها في الوقت ذاته قد تجعل تصرفاتهم أكثر غموضاً وأقل قابلية للتنبؤ بها، مما يزيد من تعقيد المشهد العسكري.
غير أن كيندال تقول إن القضاء على الحوثيين الذين يُسيطرون على أراضٍ تُعادل مساحة لبنان بنحو 20 ضعفاً، ومساحة غزة بنحو 500 ضعف، لن يكون سهلاً.
ورغم التأثير على قدرات حماس وحزب الله، فإن القتال ضدهما تضمَّن هجوماً بًريا، كما يقول الباحث في "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" في لندن، فابيان هينز، مضيفاً أن "هذا لن يحدث في اليمن. لن يُرسل الأمريكيون قوات برية".
من جانبه، يرى محمد الباشا، مؤسس شركة باشا ريبورت الاستشارية لأمن الشرق الأوسط، في حديثه إلى صحيفة واشنطن بوست، أن "الرهان على أن موجة كثيفة من الضربات الجوية ستؤدي إلى استسلام الحوثيين هو تصور غير واقعي تماماً. بل على العكس، ستؤدي إلى ردود فعل انتقامية عنيفة، وسندخل في حلقة مفرغة من التصعيد”.
منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023، كثّفت جماعة الحوثي عملياتها ضد السفن المملوكة لإسرائيل أو تلك المرتبطة بها، سواء في البحر الأحمر أو في نطاق قدرتها الصاروخية والمسيَّرة، في إطار الرد على الإبادة الإسرائيلية في غزة.
وامتد التصعيد ليشمل هجمات صاروخية ومسيَّرات استهدفت مواقع داخل إسرائيل، بما في ذلك مدينة تل أبيب، قبل أن تتوقف تلك العمليات مؤقتاً مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ.
لكن مع بداية مارس/آذار، وتزامناً مع شهر رمضان، ومع إغلاق تل أبيب المعابر مجدداً ومنع دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، أعلنت جماعة الحوثي استئناف عملياتها العسكرية، مؤكدةً أنها ستواصل استهداف السفن الإسرائيلية للضغط على تل أبيب لفك الحصار عن غزة.
















