خطة شاملة وتحديات كبيرة.. كيف تعيد وزارة الدفاع السورية تشكيل جيشها؟

تعيش وزارة الدفاع السورية مرحلة هي الأكثر تعقيداً منذ انهيار نظام المخلوع بشار الأسد قبل نحو عام، فيما تعمل على إعادة تشكيل الجيش وفق مقاربة حديثة تعالج سنوات من الاستنزاف البشري والتدهور التقني والاختلالات التنظيمية.

By
وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة خلال لقائه ببعثة الطلاب الضباط الموفدين إلى تركيا والسعودية

تجري هذه العملية في سياق عسكري مُثقل بخسائر واسعة تكبّدها المجتمع السوري بفعل سنوات الحرب وإجرام النظام السوري المنهار، وبنية تسليحية متراجعة باتت عاجزة عن تلبية متطلبات الحديثة للجيش السوري. 

وفي هذه اللحظة تحديداً، تبدو الوزارة أكثر وضوحاً في تبنّي رؤية مؤسسية معلنة، تصفها بأنها نقطة انطلاق نحو "جيش جديد" بمعايير مختلفة، يقوم على الخبرة الميدانية والانضباط، وإعادة استيعاب الكفاءات التي أنتجتها سنوات الحرب.

إعادة هيكلة وتطوير وتسليح

يوضح عدي العبد الله، مدير فرع العلاقات الإعلامية في وزارة الدفاع السورية، في حديث لـTRT عربي، أن الوزارة شرعت في تنفيذ خطة شاملة لإعادة بناء الجيش على أسس وطنية ومؤسسية حديثة. 

ويقول العبد الله:"بعد أكثر من عقدٍ على الحرب، بدأت وزارة الدفاع مرحلة إعادة بناء الجيش السوري على أسسٍ وطنيةٍ ومؤسسيةٍ حديثة، ونسير وفق مسار تطويري متكامل يرتكز على الانضباط والخبرة الميدانية والاستفادة من الدروس والتجارب، ومن خبرات الضباط المنشقين الذين أعيد إدماجهم ضمن هيكلية الجيش". 

وتشمل الخطة، وفق العبد الله، إعادة هيكلة الوحدات، وتطوير منظومات السلاح، ورفع مستوى التدريب، وتعزيز الجاهزية العملياتية، في إطار مسار طويل يمتد إلى عدة سنوات.

الواقع الذي تشكّل بعد سنوات الثورة السورية دفع وزارة الدفاع إلى الاعتراف بأن المرحلة الحالية تتطلب "إعادة تأسيس" لا مجرد إصلاح جزئي، خصوصاً أن المؤسسة العسكرية خرجت من الحرب بتركيبة جديدة، وقيادات ميدانية أفرزها القتال على الأرض.

ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) في الأسبوع الأول من شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي عن مدير إدارة التجنيد والتعبئة في وزارة الدفاع، العميد بدر الدين قصّاص، قوله إنّ العمل جارٍ حالياً لاستكمال إعادة إدماج صفّ الضباط المتطوّعين الذين انشقّوا عن النظام السابق، موضحاً أن هذه الخطوات لا يمكن تنفيذها قبل تهيئة البنية المناسبة داخل الوزارة، وأن العملية تسير وفق أولويات محددة.

وأضاف قصّاص أن الوزارة، “ومنذ لحظة التحرير، بدأت باستقبال الضباط المنشقّين واتخاذ الإجراءات اللازمة، تمهيداً لبدء استقبال عودة صفّ الضباط المتطوّعين المنشقّين إلى وزارة الدفاع”.

خطوة استثنائية 

مؤخراً، قررت وزارة الدفاع السورية إرسال دفعة من طلاب الكليات العسكرية إلى الأكاديميتين العسكريتين في تركيا والسعودية، وهي خطوة وُصفت بأنها انفتاح عسكري غير مسبوق في تاريخ العلاقات بين دمشق وكلٍّ من أنقرة والرياض.

ويؤكد العبد الله أن هذا القرار جزء من "رؤية استراتيجية لتوسيع قاعدة الخبرات وتطوير الكادر القيادي"، مضيفاً أن التعاون الإقليمي في المجال الأكاديمي والعسكري يفتح آفاقاً جديدة للاستفادة من التجارب الناجحة، مع الحفاظ على الثوابت الوطنية والهوية المستقلة للجيش السوري.

وتتزامن هذه الخطوة مع رغبة إقليمية ودولية في إنشاء منظومة أمنية أكثر استقراراً في الشرق الأوسط، الأمر الذي يفتح الباب أمام "جيش سوري جديد" يجري تدريبه وفق معايير حديثة، بعيداً عن الإرث الأمني التقليدي الذي طغى لعقود على المؤسسة العسكرية.

الباحث التركي الدكتور محمد رقيب أوغلو يقول في حديثه لـTRT عربي إن الخطوات التي تُتخذ لإعادة بناء الجيش السوري، لا سيما التعاون مع تركيا، تمثل تطوراً استراتيجياً لافتاً، إذ يؤكد أن أنقرة تمتلك خبرة واسعة في تأسيس الجيوش وإعادة هيكلتها في مناطق مختلفة من العالم، مثل جهورية شمال قبرص التركية والصومال، ويعتقد أن سوريا ستكون التجربة الثالثة في هذا السياق.

ويشير رقيب أوغلو إلى أن تركيا تنظر إلى ملف إعادة بناء الجيش السوري من زاوية أمنها القومي، قائلاً إنّ "وجود تنظيمات إرهابية مثل PKK/PYD الإرهابي شرقي سوريا يدفع أنقرة إلى دعم أي صيغة تُسهم في استقرار سوريا ومنع نشوء كيان انفصالي يهدد الحدود التركية".

وهذا، بحسب الباحث التركي، ما يدفع تركيا إلى الانخراط بقوة في برامج التدريب والتأهيل التي تستفيد منها المؤسسة العسكرية السورية.

نقص الكوادر والضغوط الاقتصادية

يواجه مسار إعادة البناء العسكري تحديات كبيرة، أهمها النزيف البشري الذي تسببت به الحرب، وضعف القدرة على التجنيد نتيجة الظروف الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي حدّت من قدرة الوزارة على تحديث منظومات التسليح وإعادة بناء المعسكرات والمنشآت، وتفاوت الخبرات بين القيادات القديمة والكوادر التي برزت خلال سنوات الحرب.

وتشير وزارة الدفاع السورية إلى أنها تعمل على خطة مرحلية لإعادة تفعيل الضباط المنشقين واستيعابهم ضمن التشكيلات الجديدة، في محاولة لسدّ الفجوة في الكادر القيادي.

وبحسب إدارة الإعلام والاتصال في وزارة الدفاع، فإنّ إعادة بناء الجيش على هذا الأساس من شأنها أن تعزز وحدته ودوره الوطني، وتحدّ من التدخلات الخارجية التي تمس السيادة ووحدة الأراضي السورية. 

وتضيف أن الخطة الحكومية لإعادة بناء الجيش السوري تتحدث عن "عقيدة وطنية جديدة" تسعى إلى تجاوز الانقسامات والولاءات التي طفت خلال الحرب.

وتطمح الوزارة إلى تشكيل مؤسسة عسكرية حديثة، أكثر مهنية، تستفيد من التجارب الإقليمية والدولية، وتواكب معايير الجيوش الحديثة في التنظيم والقيادة والتخطيط العملياتي.

هل ينجح المشروع في ظل الظروف الراهنة؟

رغم أن خطة إعادة البناء تبدو طموحة، فإن نجاحها مرهون بعوامل عدة، أهمها الاستقرار السياسي، وتحسن الوضع الاقتصادي في البلاد لتأمين التمويل اللازم لإعادة التسليح والتدريب.

وترى وزارة الدفاع السورية أن المشروع قابل للنجاح "لأنه يستند إلى أساس وطني وتجربة ميدانية طويلة" ، كما قال العبد الله، مشيراً إلى أن تطوير الجيش يعزّز توازن القوى في المنطقة، ويعيد إلى الجيش السوري دوره المركزي. 

وفي سياق متصل، يضيف الباحث رقيب أوغلو أن تركيا باعتبارها ثاني أقوى جيش في الناتو وبما تملكه من علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة وأوروبا في المجال الأمني، تمتلك قدرة كبيرة على تقديم دعم يتماشى مع المعايير العسكرية الغربية. 

ويرى رقيب أوغلو أن تركيا والسعودية تتقاطعان في رغبة مشتركة تتمثل في استقرار سوريا وتشكيل جيش وطني محترف يُعيد التوازن الأمني في المنطقة.

لكنه يلفت في الوقت نفسه إلى أن هذا المسار سيظل معقداً وصعباً "في ظل وجود الكيان الإسرائيلي جنوب سوريا، وما يفرضه من معادلات أمنية وسياسية لا يمكن تجاهلها".

ويختم الباحث التركي بتأكيد أن إعادة بناء الجيش السوري على أسس جديدة "فرصة مهمة لدمشق وللمنطقة"، إذا ما توفرت الإرادة السياسية واستمر الدعم الإقليمي بما يخدم استقرار البلاد ويمنع عودة الفوضى.