عباس من باريس: لا بد من إنهاء كارثة غزة وإجراء انتخابات خلال عام.. وماكرون يحذر إسرائيل من الاستيطان
دعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس الثلاثاء، إلى إنهاء "الكارثة" التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فيما شدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لهجته حيال الاستيطان الإسرائيلي، مؤكداً أنه يشكل "خطاً أحمر" يجب ألا تتجاوزه تل أبيب.
وجاءت تصريحات الرئيسين خلال مؤتمر صحفي مشترك في قصر الإليزيه بالعاصمة باريس، عقب مباحثاتهما الثنائية، في إطار زيارة رسمية بدأها عباس مساء الاثنين، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا".
وقال عباس: "أمام ما تمر به منطقتنا من ظروف صعبة غير مسبوقة، لا بد من إنهاء الكارثة التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، بسبب جرائم الإبادة والتدمير والتجويع ومخاطر التهجير".
ودعا إلى وقف "الانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية وممارسات حكومة الاحتلال القائمة على الاضطهاد والفصل العنصري والتطهير العرقي، ومواصلة الاستيطان والضم وإرهاب المستوطنين والاعتداء على المقدسات الإسلامية والمسيحية، واحتجاز الأموال الفلسطينية".
وأعرب عباس عن تقديره للجهود التي يبذلها الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لوقف الحرب وتحقيق السلام الدائم، مشيراً إلى الدور الفاعل لكل من مصر وقطر وتركيا في تثبيت وقف إطلاق النار، والإفراج عن الأسرى والمحتجزين، وإدخال المساعدات الإنسانية.
وأكد الرئيس الفلسطيني تطلعه إلى "الانتقال إلى المرحلة التالية من الاتفاق في مجالات الحوكمة"، موضحاً أن "اللجنة الإدارية الفلسطينية ستتولى إدارة غزة، بالتزامن مع نشر قوات الأمن الفلسطينية بدعم من قوة استقرار دولية، وتسليم جميع أسلحة الفصائل المسلحة، بما فيها حماس، وانسحاب الجيش الإسرائيلي، وبدء عملية إعادة الإعمار".
وأضاف أن جميع المؤسسات الفلسطينية الانتقالية في غزة "ستكون تابعة للسلطة الفلسطينية ومؤسساتها الرسمية، بما في ذلك المعابر"، مشدداً على أن القطاع "جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية وسيادتها".
وأشار عباس إلى التزامه جميع الإصلاحات الواردة في "إعلان نيويورك" الصادر عن المؤتمر الدولي لدعم حل الدولتين، بما في ذلك "إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية خلال عام بعد انتهاء الحرب"، مؤكداً قرب الانتهاء من صياغة "دستور دولة فلسطين المؤقت وقانوني الانتخابات والأحزاب السياسية".
وأوضح أن القوانين الجديدة "تلزم المرشحين بالالتزام بالبرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ومبادئ الشرعية الدولية والدولة الواحدة والسلاح الشرعي الواحد"، مؤكداً المضي قدماً في تطوير المناهج التعليمية وفق معايير اليونسكو خلال عامين، وإنشاء نظام رعاية اجتماعية موحد بعد إلغاء العمل بقوانين مخصصات أسر الشهداء والأسرى والجرحى.
كما دعا عباس الدول التي لم تعترف بعد بدولة فلسطين إلى القيام بذلك، مشدداً على ضرورة احترام السيادة الفلسطينية ووحدة أراضيها.
وعلى مدار عامين، ارتكبت إسرائيل إبادة جماعية في قطاع غزة بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وخلفت أكثر من 69 ألف شهيد فلسطيني، وما يزيد على 170 ألف مصاب، ودماراً هائلاً طال 90% من البنى التحتية المدنية، وكارثة إنسانية جراء مجاعة وصعوبة الوصول لأساسيات الحياة.
كما تشهد الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس، منذ بدء الإبادة في غزة، تصعيداً من جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين، أسفر عن استشهاد ما لا يقل 1069 فلسطينياً، وإصابة نحو 10 آلاف و700 آخرين، وتهجير نحو 50 ألفاً، واعتقال أكثر من 20 ألفاً و500.
من جانبه، شدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على أن مشاريع الضمّ "الجزئية أو الكلية" أو "بحكم الأمر الواقع" عبر الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة تمثل "خطاً أحمر"، مؤكداً أن فرنسا وشركاءها الأوروبيين "سيردّون بقوة" إذا نُفذت.
وقال ماكرون إن "عنف المستوطنين وتسارع الاستيطان يبلغان مستويات قياسية جديدة تهدد استقرار الضفة الغربية وتشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي"، مشدداً على ضرورة "تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية حرة وشفافة وديمقراطية في جميع الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية".
وأعلن ماكرون وعباس عن تشكيل لجنة فرنسية–فلسطينية مشتركة لإعداد دستور للدولة الفلسطينية التي اعترفت بها فرنسا خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي، مؤكداً أن الانتخابات ستُجرى بعد عام من الانتقال إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة، التي تتضمن نزع سلاح حركة "حماس".
وفي الشأن المالي، دعا ماكرون إسرائيل إلى "تحويل عوائد الجمارك المستحقة للسلطة الفلسطينية وإعادة العلاقات المصرفية بين المؤسسات الإسرائيلية والفلسطينية"، مؤكداً أن "إضعاف السلطة الفلسطينية يهدد بانفجار للعنف يصعب احتواؤه".
بدوره، جدد عباس التزامه "إزالة الخطاب المُعادي لإسرائيل من المناهج الدراسية الفلسطينية، وبوضع حدّ لسياسة صرف المخصصات للأسرى المدانين بأعمال عنف في إسرائيل"، مؤكداً استعداده لتنفيذ جميع الإصلاحات المطلوبة في إطار الشراكة مع المجتمع الدولي.
وتعدّ هذه أول زيارة لعباس إلى باريس منذ اعتراف فرنسا بدولة فلسطين، حيث استُقبل بصفته "رئيس دولة فلسطين".
من جانبها، أعربت السفارة الإسرائيلية في فرنسا عن استيائها من الزيارة، معتبرة أن السلطة الفلسطينية "أهدرت فرصاً عديدة لتحقيق السلام ورفضت كل المبادرات الأمريكية والإسرائيلية لإنهاء الصراع".
وعلى الصعيد الثنائي، أعلن عباس عزمه تسليم الفلسطيني هشام حرب، الموقوف في الضفة الغربية المحتلة والمطلوب للسلطات الفرنسية للاشتباه بضلوعه في الهجوم على شارع روزييه بباريس عام 1982، مشيراً في حديث لصحيفة "لوفيغارو" إلى أن "الإجراءات القانونية وصلت مراحلها النهائية، ولم يتبق سوى بعض التفاصيل الفنية التي تعالجها الجهات المختصة في كلا البلدين".