ليلة الهروب الكبير.. شهادات تكشف الانسحاب الإيراني من سوريا قبل سقوط الأسد

سحبت إيران بعثتها الدبلوماسية ووحداتها العسكرية من سوريا قبل يومين فقط من سقوط نظام البعث في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، وفق ما أفادت به ثلاثة مصادر متطابقة للوكالة الفرنسية للصحافة.

By
السفارة الإيرانية في دمشق بعد أن أخليت من الموظفين والبعثة الدبلوماسية عشية سقوط الأسد / Reuters

ووفق الشهادات التي أوردتها الوكالة قال ضابط سوري سابق خدم داخل أحد المقار الأمنية التابعة لـ"الحرس الثوري الإيراني" في دمشق، طالباً عدم كشف هويته لدواعٍ أمنية، إنه تلقّى في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2024 اتصالاً من قيادته الإيرانية يطلب منه الحضور إلى مقرّ العمليات في حيّ المزة فيلات شرقية صباح اليوم التالي، الجمعة 6 ديسمبر/كانون الأول، بسبب "أمر هام".

وحسب روايته، دخل الضباط والجنود السوريون -كان عددهم يقارب عشرين عنصراً- إلى القاعة، ليعلن القائد الإيراني المسؤول عن المجموعة، المعروف باسم الحاج أبو إبراهيم، فور وصولهم: "الوجود العسكري للحرس الثوري في سوريا انتهى… نحن مغادرون". العبارة وقعت كالصاعقة على الحاضرين.

ويتابع الضابط: إن القائد الإيراني طلب منهم "إحراق الوثائق الحساسة وإتلافها أمامه، وسحب جميع الأقراص الصلبة من الحواسيب"، قبل أن يُبلَّغوا بأن "كل شيء انتهى، ولن نكون مسؤولين عنكم بعد اليوم، وستصل إليكم هوياتكم المدنية بعد أيام".

ويضيف: “بدا الأمر وكأنه مُعدّ مسبقاً، لكنه كان مفاجئاً لنا. كنا ندرك أن الوضع ينهار، لكن ليس بهذا المستوى"، بينما كانت قوات النظام المنهار تتراجع ميدانياً سريعاً من حلب حتى حماة.

وحسب الضابط، تلقّى هو ورفاقه راتب شهر مسبقاً قبل أن يُطلب منهم مغادرة الموقع والعودة إلى منازلهم في حالة من الذهول. وبعد يومين فقط، فجر الثامن من ديسمبر/كانون الأول، انهار النظام وفرّ الأسد.

الانهيار الشامل

في رواية متقاطعة، أفاد موظفان سوريان سابقان في القسم القنصلي بالسفارة الإيرانية في دمشق بأن القنصلية أُخليت بالكامل مساء الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2024.

وحسب شهادتهما، غادرت البعثة الدبلوماسية إلى بيروت، فيما طُلب من العاملين السوريين "ملازمة منازلهم" وصُرفت لهم رواتب ثلاثة أشهر مسبقاً.

أحد الموظفين، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، قال إن عدداً من زملائه السوريين الذين يحملون الجنسية الإيرانية غادروا ليلاً مع البعثة، برفقة ضباط كبار من الحرس الثوري الإيراني.

وفي صباح اليوم التالي، كانت مكاتب السفارة والقسم القنصلي وجميع المراكز الأمنية الإيرانية في دمشق خالية تماماً.

وتتقاطع هذه الرواية مع ما قاله سائقون وموظفون عملوا على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان في تلك الفترة، إذ سجّل معبر جديدة يابوس - المصنع، يومي الخميس والجمعة، ازدحاماً غير مسبوق، وامتدّ انتظار العبور إلى نحو ثماني ساعات.

البداية من حلب 

داخل قاعدة شكّلت سابقاً غرفة عمليات رئيسية للقوات الإيرانية جنوب مدينة حلب، يروي العقيد محمد ديبو من وزارة الدفاع السورية لوكالة الصحافة الفرنسية أن "إيران لم تقاتل بعد سقوط حلب في أي جبهة أخرى"، مضيفاً أن الانسحاب جاء "مفاجئاً" بعد الانهيار السريع للنظام السابق. 

ويشرح ديبو أن الهجوم على حلب استُهلّ بعملية نفّذها ثلاثة انغماسيين من مقاتلي المعارضة السورية وأسفرت عن قتلى إيرانيين. وكانت مناطق نفوذ طهران في حلب تشمل القسم الغربي من المدينة، وريفها الجنوبي، وبلدتي نبل والزهراء، إضافة إلى مطار النيرب العسكري شرقاً.

وقد وثّقت وسائل إعلام إيرانية أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024 مقتل عدد من عناصرها في حلب، بينهم المستشار العسكري البارز سردار بور هاشمي، الذي دُفن في طهران بحضور مسؤولين كبار من الحرس الثوري.

ويضيف ديبو أنه عند دخول القوات السورية المعارِضة إلى مقارّ الفصائل الإيرانية، عُثر على جوازات سفر وهوية شخصية لضباط إيرانيين تُركت خلفهم "لعدم امتلاكهم الوقت لسحبها".

ويشير ديبو، الذي رافق الفصائل المعارضة من إدلب وصولاً إلى دمشق، إلى أنه بعد السيطرة على حلب "أُجلي قرابة أربعة آلاف مقاتل إيراني عبر قاعدة حميميم الروسية"، بينما فرّ آخرون باتجاه لبنان والعراق.

وتتقاطع هذه المعطيات مع رواية الضابط السوري الذي تحدث سابقاً للوكالة الفرنسية للصحافة، مؤكّداً أن قائداً إيرانياً معروفاً باسم الحاج جواد "أُجلي في الخامس من ديسمبر/كانون الأول 2024، مع عدد من المقاتلين والضباط الإيرانيين عبر قاعدة حميميم" إلى طهران.

كما نقل مصدر ميداني في حزب الله للوكالة، فجر الثامن من ديسمبر/كانون الأول، أن "الحزب أوعز لمقاتليه بالانسحاب من مواقعهم" في محيط حمص ومحيط دمشق.

وكانت المجموعات الموالية لطهران متمركزة في مواقع ذات حساسية، خصوصاً داخل دمشق وريفها، وتحديداً في المزة، ومحيط مقام السيدة زينب، ومطار دمشق، إضافة إلى نقاط على الحدود مع لبنان والعراق، حيث أشرفت على عمليات عسكرية وتدريب وتنسيق مباشر مع القوات التابعة للنظام المنهار.