التحدي الأصعب.. مَن يزوّد خوادم الذكاء الصناعي بالكهرباء في الولايات المتحدة؟
في سباق السيطرة على الذكاء الصناعي، تمتلك شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة المال والرقاقات المتطورة، لكنها تواجه عقبة جديدة وغير متوقعة تتمثل في نقص الطاقة الكهربائية.
وقال الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، في حديث عبر بودكاست مع رئيس شركة أوبن أيه آي سام ألتمان، إن المشكلة الأكبر التي تواجه القطاع حالياً ليست في وفرة الحوسبة، بل في القدرة على تأمين الطاقة وتنفيذ المشاريع بسرعة كافية بالقرب من مصادرها.
وأضاف: "إذا لم نتمكن من ذلك، فقد نجد أنفسنا مع مخزون ضخم من الرقاقات التي لا يمكننا حتى تشغيلها".
ويشبّه خبراء هذا الوضع بحمى الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي، حين تسابقت الشركات لبناء البنية التحتية الرقمية، إذ تنفق اليوم شركات مثل غوغل ومايكروسوفت وأمازون ويب سيرفيسز (AWS) وميتا (فيسبوك سابقاً) ما يقرب من 400 مليار دولار خلال عام 2025 لتطوير البنية التكنولوجية اللازمة لدعم توسع الذكاء الصناعي، مع توقعات بزيادة حجم الاستثمارات خلال العام المقبل.
هذه الأموال أسهمت في تجاوز العقبة الأولى المتمثلة في تأمين ملايين الرقاقات المطلوبة لسباق القوة الحاسوبية، بينما تسعى الشركات الآن إلى تسريع إنتاجها الداخلي من المعالجات لمنافسة الشركة الرائدة عالمياً إنفيديا.
وستُستخدم هذه الرقاقات في تشغيل الخوادم الضخمة داخل مراكز البيانات العملاقة، التي تستهلك أيضاً كميات هائلة من المياه لأغراض التبريد.
ويستغرق بناء هذه المراكز في الولايات المتحدة نحو عامين في المتوسط، في حين يستغرق إنشاء خطوط الطاقة عالية الجهد الجديدة بين خمس إلى عشر سنوات، ما يجعل الطاقة الكهربائية التحدي الأبرز أمام توسع صناعة الذكاء الصناعي في المرحلة المقبلة.
جدار الطاقة
كانت شركات التكنولوجيا الكبرى، المعروفة في وادي السيليكون باسم "الهايبرسكيلرز" (Hyperscalers)، تتوقع منذ فترة أزمة الطاقة التي تلوح في الأفق مع التوسع المتسارع في مشاريع الذكاء الصناعي.
ففي ولاية فيرجينيا، كشفت شركة "دومينيون إنرجي"، المزود الرئيسي للطاقة، أنها تلقت خلال العام الماضي طلبات لبناء مراكز بيانات بقدرة إجمالية تبلغ 40 غيغاواط، أي ما يعادل إنتاج 40 مفاعلاً نووياً.
وأوضحت الشركة مؤخراً أن الطلب ارتفع إلى 47 غيغاواط، ما يعكس الزيادة المتسارعة في إنشاء مراكز الحوسبة السحابية في الولاية التي تُعد حالياً أكبر مركز حوسبة في العالم.
وتشير دراسات متعددة إلى أن مراكز البيانات في الولايات المتحدة قد تستهلك ما بين 7% و12% من إجمالي الكهرباء على مستوى البلاد بحلول عام 2030، مقارنةً بنحو 4% فقط في الوقت الراهن.
غير أن خبراء في مجال الطاقة حذروا من أن هذه التقديرات قد تكون مبالغاً فيها. وقال الخبير في جامعة كاليفورنيا ببيركلي جوناثان كومي، إن شركات الطاقة وشركات التكنولوجيا على حد سواء لديها مصلحة في تضخيم توقعات النمو في استهلاك الكهرباء.
وأضاف: "كما حدث خلال فقاعة الإنترنت في أواخر التسعينيات، فإن عديداً من مراكز البيانات التي يُتحدث عنها اليوم أو تُعلن مشاريعها، قد لا ترى النور أبداً".
الفحم
وتشير تقديرات بنك "مورغان ستانلي" إلى أن الولايات المتحدة قد تواجه عجزاً في الطاقة يبلغ نحو 45 غيغاواط بحلول عام 2028، أي ما يعادل استهلاك 33 مليون منزل أمريكي، إذا استمر نمو الطلب على الكهرباء بالوتيرة الحالية.
ومع تصاعد هذا الضغط، أجّلت عدة شركات كهرباء أمريكية خططها لإغلاق محطات الفحم، رغم كونها أكثر مصادر الطاقة تلويثاً للمناخ.
وفي الوقت نفسه، يشهد الغاز الطبيعي -يغذي نحو 40% من مراكز البيانات في العالم وفقاً لوكالة الطاقة الدولية- انتعاشاً متجدداً بفضل إمكانية نشره بسرعة لتلبية الطلب المتزايد.
وفي ولاية جورجيا، التي تشهد طفرة في بناء مراكز البيانات، تقدمت إحدى الشركات بطلب لتركيب مولدات غازية بقدرة 10 غيغاواط لدعم الشبكة.
كما سارعت شركات ومزودون، من بينهم شركة XAI التابعة لرجل الأعمال إيلون ماسك، إلى شراء توربينات مستخدمة من الخارج بهدف توسيع قدراتهم التشغيلية، فيما عادت إعادة تدوير توربينات الطائرات -وهي تقنية قديمة كانت تستخدم في أوقات الطوارئ- إلى الواجهة مجدداً بوصفها حلاً سريعاً.
وفي هذا السياق، قال وزير الداخلية الأمريكي دوغ بورغوم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي: "التهديد الوجودي الحقيقي الآن ليس التغير المناخي، بل احتمال أن نخسر سباق الذكاء الصناعي إذا لم نملك ما يكفي من الطاقة".
النووي والطاقة الشمسية
وبدأت شركات التكنولوجيا الكبرى في الآونة الأخيرة تخفيف خطابها المتعلق بالتغير المناخي، إذ أزالت شركة "غوغل" في يونيو الماضي تعهدها السابق بالوصول إلى "صفر انبعاثات كربونية" بحلول عام 2030 من موقعها الرسمي، بعد أن كانت قد روّجته لسنوات باعتباره جزءاً من التزاماتها البيئية.
وبدلًا من التركيز على الأهداف المناخية، تتجه هذه الشركات إلى مشروعات طويلة الأمد في مجالات الطاقة البديلة.
فشركة أمازون تدعم إحياء الطاقة النووية من خلال تطوير المفاعلات الصغيرة المعيارية (SMRs)، وهي تكنولوجيا ما زالت في مراحلها التجريبية لكنها أسهل وأسرع في البناء من المفاعلات النووية التقليدية.
أما غوغل فتخطط لإعادة تشغيل مفاعل نووي في ولاية آيوا عام 2029، في حين أعلنت إدارة ترمب في أواخر أكتوبر عن استثمار بقيمة 80 مليار دولار لبناء عشرة مفاعلات نووية جديدة بحلول عام 2030.
وفي موازاة ذلك، تواصل الشركات العملاقة استثماراتها في الطاقة الشمسية وأنظمة تخزين البطاريات، خصوصاً في ولايتي كاليفورنيا وتكساس، حيث تخطط هيئة تشغيل شبكة الكهرباء في تكساس لإضافة نحو 100 غيغاواط من القدرة الإنتاجية بحلول عام 2030 من هذه التقنيات فقط.
وفي خطوة أكثر طموحاً، يقترح كل من إيلون ماسك، عبر مشروع "ستارلينك" (Starlink)، وشركة غوغل، إطلاق رقاقات حوسبة إلى الفضاء وتشغيلها بالطاقة الشمسية، إذ تعتزم غوغل تنفيذ أولى التجارب على المشروع في عام 2027.