عام على اتفاق وقف النار.. الاحتلال الإسرائيلي يكثّف خروقاته والجنوب اللبناني تحت النار
على مدى عام كامل، وبوتيرة شبه يومية، نفّذت إسرائيل مئات الضربات في عمق الأراضي اللبنانية، معلنةً استهداف مواقع تابعة لـ"حزب الله" وعناصره وقياداته.
جاءت هذه الهجمات في ظل اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، الذي كان يُفترض أن يضع حدّاً لجولة الحرب الأخيرة على لبنان.
بدأت المواجهة في أكتوبر/تشرين الأول 2023 على هيئة تصعيد محدود، قبل أن تتحول في سبتمبر/أيلول 2024 إلى حرب شاملة خلّفت أكثر من أربعة آلاف قتيل ونحو 17 ألف جريح. ونصّ الاتفاق حينها على انسحاب "حزب الله" إلى شمال نهر الليطاني، وانتشار وحدات الجيش اللبناني مكانه، بالتزامن مع انسحاب الاحتلال الإسرائيلي من خمس تلال لبنانية لا تزال تحتلها.
وحسب مراقبين، التزم "حزب الله" بنود الاتفاق، ما أتاح للجيش اللبناني نشر ما يزيد على تسعة آلاف جندي في الجنوب، وتسلم عشرات المستودعات التي كانت تضم أسلحة ومعدات.
في المقابل، سجّلت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) أكثر من 7500 خرق جوي و2500 خرق بري ارتكبتها إسرائيل منذ دخول الاتفاق حيّز التنفيذ.
وأعلنت وزارة الصحة اللبنانية مقتل 331 شخصاً وإصابة 945 آخرين جرّاء الهجمات الإسرائيلية المتواصلة. ومع اتساع دائرة التصعيد، أعلن الرئيس اللبناني جوزيف عون استعداد بيروت للدخول في مفاوضات مع الجانب الإسرائيلي لتثبيت الاتفاق ووقف الانتهاكات، غير أن تل أبيب لم تُبدِ أي تجاوب.
يستخدم الاحتلال الإسرائيلي الطائرات المسيّرة في معظم عملياته داخل لبنان، مستهدفا سيارات ودراجات نارية، فيما تنفّذ الطائرات الحربية غارات على مناطق سكنية وبنى تحتية.
وتركزت الاعتداءات في بلدات الجنوب والشرق، وصولاً إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث اغتالت قبل أيام القيادي البارز في "حزب الله" هيثم الطبطبائي، وأربعة من مسؤولي الحزب.
وفي الأسابيع الأخيرة، كثّفت إسرائيل هجماتها على بلدات محافظتي صور والنبطية جنوباً، إضافةً إلى منطقة بعلبك شرقاً.
وعقب اغتيال الطبطبائي، رفعت تل أبيب جاهزية منظومات دفاعها الجوي تحسباً لرد محتمل من الحزب.
كما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه يتعامل في الساحة اللبنانية بالطريقة ذاتها التي يعتمدها في الضفة الغربية المحتلة، مؤكداً تنفيذ 1200 توغّل بري داخل الأراضي اللبنانية منذ بدء وقف النار، و175 عملية اغتيال، إضافةً إلى غارات جوية في الجنوب والبقاع والهرمل.
وألمح مسؤولون في تل أبيب إلى احتمال استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت على نطاق واسع، على غرار ما حدث في قطاع غزة، الذي تعرض، لحرب إبادة إسرائيلية استمرت لنحو عامين.
التلال المحتلة
بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، كان يفترض أن ينسحب جيش الاحتلال الإسرائيلي من النقاط التي سيطر عليها خلال الحرب الأخيرة خلال مهلة ستين يوماً من بدء سريان الاتفاق. غير أن تل أبيب مدّدت بقاءها في خمس تلال لبنانية، مبرّرةً ذلك بأن الجيش اللبناني لم يفرض سيطرته الكاملة على جنوب البلاد. وتشمل هذه التلال:
-اللبّونة عند بلدات الضهيرة واللبّونة وعلما الشعب.
-العزية قرب بلدتي يارين ومروحين.
-جبل بلاط المحاذي لرميش وعين إبل.
-البلاط في عيترون والمشرفة على كامل القطاع الأوسط.
-العويضة بين قرى العديسة والطيبة ورب ثلاثين.
وتطالب الحكومة اللبنانية، بشكل متكرر، بانسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي اللبنانية، لا سيما من المناطق التي بقيت محتلة منذ عقود.
كما أعلنت قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري أن جيش الاحتلال الإسرائيلي شيّد جدارين إسمنتيين داخل الأراضي اللبنانية خلال أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2025.
من جهته، بدأ الجيش اللبناني فور سريان الاتفاق، نشر وحداته جنوب نهر الليطاني، بالتنسيق مع يونيفيل، ضمن المنطقة الواقعة بين “الخط الأزرق” والليطاني.
وأكد الرئيس اللبناني جوزيف عون في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أن بلاده تخطط لرفع عديد قواتها المنتشرة في الجنوب إلى عشرة آلاف عنصر قبل نهاية 2025، لكنَّ الهجمات الإسرائيلية تعوق استكمال عملية الانتشار.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلنت الحكومة اللبنانية إرسال خمسة آلاف جندي إضافي إلى جنوب الليطاني، لينضموا إلى نحو 4500 جندي منتشر أصلاً في المنطقة.
وفي 11 من الشهر نفسه، قال عون إن لبنان “ينتظر ردّ إسرائيل عبر الجانب الأمريكي حول خيار التفاوض لتحرير الأرض”، مشيراً إلى أن “حزب الله لا ينشط جنوب الليطاني، وأن الجيش يؤدي عملاً جبّاراً في الجنوب وسائر المناطق”.
لكن بعد تسعة أيام، صرّح رئيس الحكومة نواف سلام بأن إسرائيل رفضت التفاوض والتسوية، وأن بيروت ستطلب دعماً أمريكياً لفتح مسار تفاوضي.
وأضاف أن “إسرائيل لا تلتزم اتفاق وقف إطلاق النار، وتستمر في البقاء في خمس نقاط حدودية بلا قيمة أمنية أو عسكرية”. وأكد أن “خطة نزع السلاح جنوب لبنان (الخاصة بحزب الله) تتقدم على المسار الصحيح، والجيش يوسّع انتشاره قرب الحدود”.
اعتداءات ونزوح
مع تواصل الاعتداءات الإسرائيلية واستمرار الاحتلال في عدد من النقاط الحدودية، تعيش القرى الجنوبية في لبنان عاماً ثقيلاً من الألم والانتظار منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار.
فبين منازل مدمَّرة ومساعٍ متعثرة للعودة، تتجسد معاناة عشرات آلاف النازحين الذين ما زالوا عاجزين عن الرجوع إلى قراهم، فيما يواجه المزارعون صعوبات كبيرة في الوصول إلى أراضيهم بسبب التهديدات والاستهدافات المتكررة.
وبموجب الاتفاق، شُكّلت لجنة لمراقبة وقف إطلاق النار تضم: قوات يونيفيل، ولبنان، وإسرائيل، وفرنسا، والولايات المتحدة.
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، دعا رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، اللجنة والدول الراعية، إلى إلزام إسرائيل بوقف عدوانها والانسحاب من الأراضي اللبنانية المحتلة.
وتجري مفاوضات غير مباشرة بين بيروت وتل أبيب بقيادة المبعوث الأمريكي إلى سوريا توماس براك، ونائبة المبعوث إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس.
وقد كثّف براك زياراته لبيروت، وقدم للحكومة اللبنانية في 19 يونيو/حزيران الماضي خطة تنص على وضع جميع الأسلحة تحت إشراف الدولة اللبنانية.
لم تقتصر الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين اللبنانيين، إذ شهد 16 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري حادثة خطيرة حين أطلقت دبابة إسرائيلية النار داخل الأراضي اللبنانية على جنود من قوات يونيفيل، ما أسفر عن إصابة عدد منهم. وقبل ذلك، في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، اقتربت طائرة مسيّرة إسرائيلية من دورية أممية قرب بلدة كفر كيلا بمحافظة النبطية، وألقت قنبلة باتجاه عناصرها، قبل أن تستهدفهم دبابة إسرائيلية بالنيران.
وتُكرِّر بيروت مطالبتها إسرائيل بالالتزام بقرار مجلس الأمن رقم 1701 الصادر في 11 أغسطس/آب 2006، الذي وضع حدّاً لحرب يوليو/تموز من العام نفسه، ودعا إلى انسحاب القوات الإسرائيلية خلف “الخط الأزرق”.
كما نصّ القرار على نزع السلاح في المنطقة الواقعة بين الخط ونهر الليطاني، وحصر السلاح والآليات العسكرية في الجيش اللبناني وقوات يونيفيل فقط.
كانت الأمم المتحدة قد حدّدت “الخط الأزرق” بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000، بطول 120 كيلومتراً، لتأكيد اكتمال الانسحاب.
ورغم أنه ليس حدوداً دولية، فإن 13 نقطة تقع على هذا الخط لا تزال تحت السيطرة الإسرائيلية، فيما تؤكد بيروت أنها أراضٍ لبنانية محتلة.