تسجيل المنظمات الدولية.. سلاح الاحتلال الإسرائيلي لتجويع الفلسطينيين وخنق العمل الإغاثي
إسرائيل تفرض نظام تسجيل جديداً يعرقل دخول المساعدات إلى غزة والضفة، ما جمّد عشرات ملايين الدولارات من الإمدادات، وأثار اتهامات من أكثر من 100 منظمة إنسانية بتسييس المساعدات واستخدامها كسلاح.
أكدت منظمات إغاثية دولية أن سلطات الاحتلال الإسرائيلية تواصل إبطاء دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة عبر نظام تسجيل جديد مفروض على المنظمات غير الحكومية، ما أدى إلى تجميد عشرات ملايين الدولارات من الإمدادات خارج القطاع، حسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز.
وفي مارس/آذار الماضي، أصدرت إسرائيل لوائح جديدة قالت إنها تهدف إلى مواجهة ما تسميه "نزع الشرعية" عن الدولة، وألزمت بموجبها المنظمات العاملة في غزة والضفة الغربية بإعادة التسجيل لدى سلطات الاحتلال قبل نهاية العام، وإلا فسيُلغى ترخيصها.
وانتقدت منظمات الإغاثة هذه الخطوة، معتبرة أنها تتجاوز البيروقراطية لتتحول إلى أداة سياسية لتقييد العمل الإنساني. وتشمل القواعد الجديدة اشتراط تقديم قوائم تفصيلية بأسماء الموظفين الفلسطينيين، وهو ما اعتبرته جهات إغاثية محاولة لدفع المنظمات الدولية إلى مغادرة غزة.
كما أشار تقرير فايننشال تايمز إلى أن إسرائيل تُستخدم عملية إعادة التسجيل كوسيلة لتقييد تدفق المساعدات، في وقت يحاول فيه المجتمع الدولي تسريع إيصال الإمدادات الإنسانية بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وحماس.
وقال يان إيغلاند، رئيس المجلس النرويجي للاجئين (NRC)، في تصريح نقلته فايننشال تايمز: "نحن الآن في حالة جمود"، موضحاً أن السلطات الإسرائيلية ترد على طلبات منظمته بإدخال المساعدات بعبارة: "تسجيلكم قيد المراجعة، لا يمكنكم إدخال الإمدادات".
وذكرت الصحيفة أن 40 منظمة دولية، من بينها "أطباء بلا حدود" و"أوكسفام" و"الناس المحتاجون" و"NRC"، قالت الأسبوع الماضي إن إسرائيل رفضت 99 طلباً لتسليم المساعدات إلى غزة خلال الأيام الاثني عشر الأولى من الهدنة، فيما أكد المجلس النرويجي للاجئين أن جميع طلباته رُفضت.
وأضافت فايننشال تايمز أن المنظمات أوضحت أن ثلاثة أرباع حالات الرفض استندت إلى أن هذه الهيئات التي يعمل بعضها في غزة منذ عقود "غير مخوّلة" بتسليم المساعدات، وأن بضائع أساسية بقيمة تقارب 50 مليون دولار تشمل مواد غذائية وأدوية ومستلزمات نظافة وإيواء ما زالت عالقة في المعابر والمخازن.
وإلى جانب المخاوف المتعلقة بحماية البيانات، نقل التقرير عن منظمات إنسانية قلقها من الطريقة التي قد تستخدم بها إسرائيل بيانات الموظفين الفلسطينيين، إذ قالت بشرى الخليدي، مسؤولة السياسات في "أوكسفام": "لن أقدّم أسماء زملائنا إلى طرفٍ في النزاع قتل أكثر من 500 عامل إنساني".
وأضافت الخليدي، حسب فايننشال تايمز، أن اشتراط تسليم قوائم العاملين "يستبدل التنسيق الإنساني القائم على المبادئ بعملية فرز سياسية"، مؤكدة أن "النظام الجديد يهدف بطبيعته إلى السيطرة وإقصاء المنظمات الدولية والمنظمات الفلسطينية على حدّ سواء".
تهديد بإلغاء التسجيل
واعتمدت سلطات الاحتلال الإسرائيلية في مارس/آذار 2025 لوائح جديدة لتنظيم عمل المنظمات الدولية العاملة مع الفلسطينيين، في خطوة وُصفت بأنها قد تعمّق القيود على النشاط الإنساني في الأراضي المحتلة، حسب تقرير نشره موقع The New Humanitarian.
وأوضح التقرير أن العاملين في المجال الإنساني حذروا مبكراً من تداعيات هذه القواعد، التي تُلزم المنظمات الدولية بإعادة التسجيل وفق معايير وُصفت بأنها فضفاضة وسياسية.
ورغم محاولات بعض المنظمات إيجاد استثناءات لتجنب البنود الأكثر تشدداً، فإن كثيراً منها يواجه عراقيل متزايدة في إدخال المساعدات إلى غزة والضفة الغربية.
وحسب التقرير، تتضمن القواعد الجديدة حظر توظيف أي شخص دعا إلى مقاطعة إسرائيل خلال السنوات السبع الماضية، أو أي شخص تعتبره الحكومة "مروجًا لحملات نزع الشرعية" أو مؤيداً لمقاضاة جنود إسرائيليين دولياً.
كما تمنح اللوائح السلطات صلاحيات واسعة تشمل حظر المنظمات غير الملتزمة ومنعها من إدخال المساعدات.
وأشار التقرير إلى أن المنظمات التي لم تُجدّد تسجيلها وفق النظام الجديد مُنعت منذ يوليو/تموز من إرسال الإمدادات الإنسانية إلى غزة، فيما تواجه المنظمات التي حاولت الالتزام جزئيًا عراقيل قانونية تتعلق بتقديم بيانات الموظفين الفلسطينيين، إذ تمنع قوانين الخصوصية الدولية الكشف عن مثل هذه المعلومات.
وأضاف الموقع أن المنظمات المحلية باتت مهددة بفقدان تمويلها في حال طُرد شركاؤها الدوليون، فيما سيُحرم العاملون الطبيون التابعون للمنظمات التي يُلغى تسجيلها من دخول غزة أو العمل في الضفة الغربية.
ووفق التقرير حتى المنظمات التي جرى قبول تسجيلها ليست في مأمن لأن تفسير اللوائح يخضع للجنة إسرائيلية تضم ممثلين عن وزارة شؤون الشتات ومكافحة معاداة السامية، ما يجعل التطبيق مرنًا وقابلًا للاستخدام السياسي.
ويؤكد التقرير أن الغموض المتعمد في صياغة القواعد يثير مخاوف من "تأثير تكميمي" يمنع المنظمات من التحدث عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، كما يهدد بتوسيع القيود المفروضة في غزة لتشمل الضفة الغربية أيضًا.
المنظمات تحذر
اتهمت أكثر من مئة منظمة إغاثة دولية الاحتلال الإسرائيلي باستخدام القواعد الجديدة الخاصة بتسجيل المنظمات العاملة في غزة والضفة الغربية "سلاحاً سياسياً"، ما أدى إلى تعطيل دخول المساعدات المنقذة للحياة إلى مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين يواجهون خطر الجوع.
وفي بيان صدر في أغسطس/آب الماضي، قالت المنظمات إن إسرائيل "تُسَيّس المساعدات" من خلال فرض نظام تسجيل جديد يُلزم الجهات الإنسانية بتقديم قوائم تفصيلية بجهات تمويلها وبأسماء موظفيها الفلسطينيين بحجة "التدقيق الأمني"، وهو ما وصفته بأنها إجراءات مصممة "للتحكم في المنظمات المستقلة وإسكات الأصوات الحقوقية وفرض رقابة على التقارير الإنسانية".
وشاركت في توقيع البيان منظمات بارزة بينها أوكسفام وأطباء بلا حدود وكير (CARE)، مؤكدة أن القيود الجديدة أدت إلى احتجاز ملايين الدولارات من المواد الغذائية والأدوية ومستلزمات الإيواء والمياه في مستودعات بالأردن ومصر، بينما يعاني سكان غزة من مجاعة متصاعدة.
وطالبت المنظمات الموقعة بـ"الضغط على إسرائيل لإنهاء استخدام المساعدات كسلاح"، مشددة على ضرورة وقف العرقلة البيروقراطية التي تمنع وصول الإمدادات الإنسانية، وعلى ألا تُجبر المنظمات الدولية على تسليم بيانات شخصية حساسة أو المساس بسلامة موظفيها كشرط للسماح بعملها.
كما دعت المنظمات إلى الفتح الفوري وغير المشروط لجميع المعابر البرية، وتوفير الظروف التي تُمكّن من إيصال المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة إلى سكان القطاع دون قيود سياسية أو أمنية.