تركيا توسّع قدراتها في الحوسبة الفائقة مع صعود ARF في التصنيفات الدولية

في وقت تتزايد فيه أهمية البيانات ويتسارع فيه الاعتماد على الذكاء الصناعي والبحث العلمي، أصبحت الحواسيب الفائقة من الأدوات غير المرئية التي تلعب دوراً محورياً في إعادة تشكيل موازين التنافس بين الدول.

By
تبرز تجربة تركيا مع الحاسوب الفائق ARF بوصفها خطوة استراتيجية تهدف إلى بناء بنية تحتية رقمية قادرة على دعم طموحات علمية وتكنولوجية طويلة الأمد / وسائل التواصل

فلم تعد هذه المنظومات حكراً على المختبرات المتقدمة، بل تحولت إلى عنصر أساسي في قدرة الدول على إنتاج المعرفة، وتسريع الابتكار، وتحويل الأبحاث النظرية إلى تطبيقات عملية تمس مجالات حيوية، من الدفاع والطاقة إلى الصحة والمناخ.

ضمن هذا المشهد، تبرز تجربة تركيا مع الحاسوب الفائق ARF بوصفها خطوة استراتيجية تهدف إلى بناء بنية تحتية رقمية قادرة على دعم طموحات علمية وتكنولوجية طويلة الأمد. ومع القفزات التي حققها نظام ARF-ACC في التصنيفات العالمية للحوسبة الفائقة، إلى جانب التوسع المستمر في قدراته عبر استثمارات متلاحقة في وحدات المعالجة المتقدمة، تتضح ملامح مسار تركي يسعى إلى ترسيخ موقعه في اقتصاد المعرفة العالمي، إذ لم تعد السرعة الحسابية وكفاءة استهلاك الطاقة تفاصيل تقنية، بل أدوات سيادة وتنافس مستقبلي.

وفي هذا السياق، يشرح الخبير التقني فردي أوزوآغ أهمية ARF ووظيفة الحواسيب الفائقة، قائلًا: "الحواسيب الفائقة هي في الأساس نسخ مجمّعة من عدد كبير من الحواسيب التي نستخدمها في حياتنا اليومية. تُدمَج معاً لتشكّل نظاماً حاسوبياً ضخماً قادراً على إجراء ملايين العمليات الحسابية في الثانية".

ويشير أوزوآغ، في حديثه مع TRT Haber، إلى أن هذه الحواسيب تتيح إنجاز أبحاث متقدمة بسرعة كبيرة في مجالات مثل الصناعات الدفاعية، وديناميكيات الهواء في الطيران، إضافة إلى الدراسات التي تستهدف إيجاد حلول لمشكلات صحية جديدة أو قائمة، كما يؤكد أن ملفات كبرى مثل تغيّر المناخ وأزمات الطاقة والمشاريع واسعة النطاق تتطلب قدرات حوسبية عالية جداً، وهو ما توفره الحواسيب الفائقة.

ويحمل الحاسوب الفائق ARF اسمه نسبة إلى عالم الرياضيات التركي المعروف عالمياً جاهد عارف، ويشير أوزوآغ إلى أن تركيا بدأت التحرك الجدي في هذا المجال منذ عام 2021، موضحاً أن "الحاسوب الفائق ليس نظاماً يُنشأ ثم يُترك على حاله، بل يمكن تطويره باستمرار عبر إضافة وحدات جديدة. واليوم، بدأت تركيا بفضل ARF الصعود إلى مراتب متقدمة عالمياً من حيث القدرة الحاسوبية والإمكانات التقنية".

قفزات متقدمة في التصنيفات العالمية

أظهرت البيانات المعلنة أن نظام ARF-ACC، العامل ضمن منظومة TRUBA، حقق تقدماً لافتاً على الساحة الدولية، بعدما ارتقى إلى المرتبة 145 عالمياً في قائمة TOP500 الصادرة في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2025. وجاء هذا التقدم بعد أن كان النظام في المرتبة 266 خلال تصنيف يونيو/حزيران من العام نفسه، أي بقفزة بلغت 121 مركزاً، مدفوعة باستثمارات جديدة في وحدات المعالجة الرسومية من طراز NVIDIA H200.

وفي ما يتعلق بكفاءة استهلاك الطاقة، حل ARF-ACC في المرتبة 45 ضمن قائمة Green500، التي تقيس أكثر الحواسيب الفائقة كفاءة من حيث الأداء مقابل استهلاك الكهرباء. 

كما سجّل النظام تحسناً واضحاً في اختبارات HPCG، التي تعكس الأداء الواقعي للحسابات العلمية، إذ صعد من المرتبة 118 في يونيو/حزيران 2025 إلى المرتبة 70 في نوفمبر/تشرين الثاني 2025، متقدماً 48 مركزاً. وتعكس هذه النتائج قدرة النظام على تشغيل التطبيقات العلمية كثيفة الحساب بكفاءة عالية.

وتزامن هذا الأداء مع توسّع إضافي في قدرات النظام، إذ جرى تعزيز ARF في عام 2024 بمكونات H100، قبل أن تُضاف خلال عام 2025 نحو 192 وحدة H200، ما أسهم في زيادة السعة المخصصة لتطبيقات الذكاء الصناعي ومعالجة البيانات الضخمة.

دور استراتيجي في البحث العلمي

وباتت منظومة TRUBA، التي تضم هذا العام نحو 80 ألف نواة معالجة، و312 وحدة GPU، وسعة تخزين تصل إلى 14 بيتابايت، واحدة من أكثر البنى التحتية البحثية شمولاً في تركيا. 

وتتيح هذه الإمكانات تنفيذ أبحاث حيوية في مجالات متعددة، من الذكاء الصناعي والفيزياء الحاسوبية إلى نمذجة المناخ.

وبقدرة تعادل نحو 40 ألف حاسوب محمول، تُمكّن TRUBA الباحثين من إنجاز عمليات حسابية كانت تستغرق شهوراً على الحواسيب الشخصية خلال ساعات قليلة فقط، ما يسرّع وتيرة البحث العلمي بشكل ملحوظ.

وحتى يوليو/تموز الماضي، استفاد من النظام أكثر من 7400 باحث، فيما بلغ متوسط عدد المستخدمين النشطين أسبوعياً نحو 450 مستخدماً ينفذون عمليات حسابية فعلياً. وبحجم تشغيل يصل إلى 46 مليون ساعة نواة شهرياً، تسهم TRUBA في تعزيز القدرة التنافسية لتركيا ضمن المشاريع البحثية الوطنية والدولية.

ويشير الخبير التقني فردي أوزوآغ إلى أن الحاسوب الفائق متاح للاستخدام مجاناً عبر مركز الشبكة الأكاديمية والمعلومات الوطني التابع لـTÜBİTAK ULAKBİM، موضحاً أن آلية الاستفادة تقوم على الاعتماد المسبق، ثم تحميل المشروع وتشغيله عند حلول الدور.

ويضيف: "يمكن الوصول إلى نتائج قد تستغرق شهوراً خلال فترة قصيرة جداً، وهي قدرات بالغة الأهمية لمستقبل البحث العلمي في تركيا، ونأمل أن تواصل هذه المنظومة صعودها إلى مراتب أعلى عالمياً".