"العين الخفية".. كيف يغيّر نظام "تويغون" التركي قواعد الاشتباك لدى المُسيّرات؟

تواصل تركيا تعزيز حضورها في مجالي صناعات الطيران والدفاع بخطوات ثابتة تُسهم في تغيير موازين القوى على المستوى العالمي.

By فرقان بنلي
"العين الخفية".. كيف يغيّر نظام "تويغون" التركي قواعد الاشتباك لدى المُسيّرات؟

وفي هذا الإطار، نجحت المسيّرة المقاتلة "بيرقدار قزل ألما" في اختبار نظام جديد يؤهلها إلى الانتقال إلى فئة الطائرات المتقدمة.

ويُعزى هذا التطور إلى دمج نظام "تويغون" (TOYGUN)، الذي طوّرته شركة "أسيلسان" بإمكانات محلية، وهو نظام استهداف كهرو-بصري منخفض البصمة (Low Observable Electro-Optical Targeting System) يهدف إلى رفع كفاءة المنصة في مهام الرصد والاستهداف مع الحفاظ على قدرة التخفي.

ماذا نعرف عن نظام “تويغون”؟

يمنح نظامُ “تويغون” المنصات الجوية قدرات متقدمة بفضل نطاق مسح عملي يصل إلى 360 درجة، مع إمكانية رصد الأهداف الاستراتيجية على مسافات بعيدة جداً باستخدام تقنية التصوير الحراري عالية الدقة، بما يشمل الأهداف البرية والبحرية المتحركة.

وتزيد خوارزميات تتبّع الأهداف المدعومة بالذكاء الصناعي وتقنيات التصنيف التلقائي من القوة العملياتية للمسيّرة، ما يعزز قدرتها على تنفيذ مهام معقدة بكفاءة أعلى.

ويتيح دمج نظام “تويغون” لـ"قزل ألما" الاستفادة القصوى من ميزتها الأساسية المتمثلة في التسلل العميق خلف خطوط العدو مع الحفاظ على بصمة رادارية منخفضة للغاية، كما يمكّنها من تحديد الأهداف بدقة وبأقل قدر من مخاطر الكشف، وإضاءتها بالليزر وتدميرها باستخدام الذخائر التركية الموجهة.

وتحمل هذه الاختبارات أهمية على مستوى صناعة الطيران العالمية، إذ يُعدّ نظام الاستهداف الكهرو-بصري المدمج (EOTS) الخاص بـ”تويغون” أول تطبيق من نوعه على طائرة مقاتلة مُسيّرة في العالم.

فبينما تضطر مقاتلات الجيل الرابع المأهولة مثل F-16 إلى حمل حواضن استهداف خارجية أسفل الجناحين أو البدن، تتميز "قزل ألما" بإخفاء النظام بالكامل داخل هيكل الطائرة، وهو عنصر حاسم يمنحها قدرة شبه كاملة على التخفي عن الرادار، دون التضحية بقدرات الاستهداف المتقدمة.

ولا يتوافر هذا النوع من الأنظمة الكهرو-بصرية المدمجة داخل الهيكل إلا في أحدث مقاتلات الجيل الخامس مثل F-35 الأمريكية.

ومع نجاح دمج هذه التكنولوجيا في مسيّرة بيرقدار "قزل ألما"، تضع تركيا نفسها ضمن ثلاث دول فقط في العالم تمتلك هذه القدرة الاستراتيجية، ما يعزز مكانتها ضمن القوى الصاعدة في مجال الطيران القتالي المتقدم.

كيف يعمل النظام؟

يشرح الباحث في الصناعات الدفاعية محمد فاتح كوتشوك: لـTRT عربي، أن النظام المدمج أسفل مقدّمة "قزل ألما" يمنح المنصّة القدرة على اكتشاف الأهداف وتحديد هويتها بشكل سلبي دون الحاجة لتشغيل الرادار، إضافةً إلى إتاحة التوجيه الليزري للذخائر الموجهة. 

وأوضح أن هذه الميزة تتيح للطائرة تنفيذ مهام الاستطلاع والاستهداف مع الحفاظ على بصمتها المنخفضة.

وأشار كوتشوك إلى أن الاختبارات الأخيرة أظهرت أن نظام “تويغون” استوفى المعايير التقنية اللازمة للانتقال إلى مرحلة الدمج التسلسلي، بعد نجاحه في الاختبار التشغيلي على المنصة، مؤكداً أن خطوط إنتاج “قزل ألما” ستبدأ بإخراج النسخ المزودة بالنظام خلال الفترة المقبلة.

وعن قدرة النظام على العمل بشكل متخفٍّ، أوضح كوتشوك أن "تويغون يمكنه العمل في وضع غير مرئي حتى في أثناء التشغيل"، إذ يكتفي بتشغيل مستشعراته الحرارية المبردة من دون بث أي طاقة كهرومغناطيسية، بخلاف الأنظمة التقليدية التي تجري إزالتها أو تعطيلها التام للحفاظ على معايير التحكم في الانبعاثات EMCON. 

ويعني ذلك أن الطائرة تستطيع التحليق من دون تشغيل الرادار أو الاتصالات أو نظام "تحديد العدو والصديق" (IFF) مع الاستمرار في فهم محيطها العملياتي بفضل النظام الجديد.

وأضاف كوتشوك أن النظام، رغم أنه لا يقدم مدى كشف يعادل الرادار، فإنه يتيح تنفيذ مهام المراقبة وجمع المعلومات الاستخبارية من مسافات آمنة، مستفيداً من قدراته المتقدمة في التعقب والتصوير الحراري.

وعن أهمية دمج هذه التكنولوجيا في طائرة قتالية مسيّرة للمرة الأولى، قال كوتشوك إن إدخال منظومة مشابهة لتلك المستخدمة في مقاتلات F-35 إلى طائرة غير مأهولة يجعل تركيا واحدة من ثلاث دول فقط تمتلك هذه القدرة، إلى جانب الولايات المتحدة والصين.

ورأى أن ذلك يوفّر عدة مزايا استراتيجية، أبرزها إثبات قدرة تركيا على تطوير النظام كاملاً، بما يشمل المنصة وأجهزة الاستشعار الحيوية، وتعزيز موقع “قزل ألما” في سوق التصدير بوصفها نظام سيادة جوية متكاملاً لا مجرد طائرة.

بالإضافة إلى إمكانية إرسالها إلى مجالات جوية عالية الخطورة، لا يمكن المجازفة بإرسال مقاتلات مأهولة إليها، وذلك بفضل امتلاكها قدرات استشعار تقارب تلك الموجودة في مقاتلات الجيل الخامس.

خطوة غير مسبوقة 

في حديثه إلى TRT عربي، أكد الباحث في الصناعات الدفاعية يوسف أكبابا أن تركيا حققت خطوة غير مسبوقة بدمج نظام “تويغون” في طائرتها المقاتلة المسيّرة “بيرقدار قزل ألما”.

 وقال: "هناك دول أعلنت سابقاً أنها اختبرت أنظمة مشابهة، لكن لا توجد دولة قدّمت دليلاً واضحاً على اختبار طائرة تجمع في آن واحد بين رادار AESA وصاروخ جو-جو ونظام EOTS، وبهذه الدرجة من الشفافية”.

وأوضح أكبابا أن تركيا أثبتت عملياً امتلاكها هذه القدرة، وأنها باتت مستعدة لتنفيذ عمليات متقدمة تعتمد على هذا المستوى من التكنولوجيا خلال السنوات المقبلة، مضيفاً أن هذا التطور وضع تركيا على رادار عديد من الدول المهتمة بالتوريد.

وقال: "إذا كان عدد العملاء المحتملين لـ(قزل ألما) قبل دمج (تويغون) لا يتجاوز اثنين أو ثلاثة، فمن المرجح أن يرتفع إلى أكثر من عشرة بعد دمج النظام".

سلسلة القتل

وشهد المشروع تطوراً لافتاً آخر تمثّل في تنفيذ أول تحليق لـ”قزل ألما” وهي مزوّدة برادار MURAD AESA ونظام TOYGUN 100 EOTS ومحمّلة بصواريخ جو-جو GÖKDOĞAN. 

في هذا السياق، قال أكبابا إن تركيا تسعى إلى تسجيل سابقة جديدة عبر تشغيل رادار MURAD ونظام “تويغون” بشكل متزامن، مع القدرة على إطلاق صاروخ GÖKDOĞAN في الوقت نفسه، مضيفاً: "إذا نجحنا في تحقيق ذلك فسنكون روّاداً في هذا المجال”.

ويوضح المحلّل محمد فاتح كوتشوك أن الاستفادة المشتركة من رادار MURAD AESA ونظام TOYGUN وصاروخ GÖKDOĞAN ستتيح تحقيق ما تُعرف بدورة "سلسلة القتل" Kill Chain -المتمثلة في الكشف والتتبع والاشتباك- بالاعتماد على أنظمة تركية محلية بالكامل.

ويمكن لهذه العملية أن تتحقق من خلال رادار MURAD AESA الذي يكتشف التهديدات من مسافات بعيدة ويوفر مقاومة فعّالة للتشويش.

أما نظام TOYGUN EOTS فيوفّر تعريفاً بصرياً سلبياً للهدف، بما يشمل التمييز بين الصديق والعدو. بالإضافة إلى صاروخ GÖKDOĞAN الذي يستكمل عملية الاشتباك ويعمل على تدمير الهدف بدقة.

ويشير خبراء الصناعات الدفاعية إلى أن اكتمال هذه الدورة على منصة مسيّرة يمثّل نقلة نوعية تضع تركيا ضمن الدول القليلة القادرة على تشغيل منظومات سيادة جوية متكاملة على طائرات غير مأهولة.