واشنطن تُحيي "مبدأ مونرو".. ترمب يطرق أبواب أمريكا اللاتينية بالبارجات والعقوبات
في خطاب ألقاه في الرياض في مايو/أيار، انتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تاريخاً من التدخّل الأمريكي في شؤون الآخرين، قائلاً إنّ تدخلات الأمريكيين في الشرق الأوسط زادت الأمور سوءاً عندما يأتون "ليعطوا محاضرات عن أسلوب العيش وإدارة الشؤون الداخلية".
لكنّ هذا الخطاب يبدو أنه لا ينطبق على أمريكا اللاتينية، إذ يتدخّل ترمب هناك بوضوح وبأساليب تُذكّر بعهود سابقة من التاريخ الأمريكي، بعد أن تدخّلت واشنطن صراحة لإضعاف قادة يساريين منتخبين في كولومبيا والبرازيل، وفي المقابل دعم زعماء يمينيين في الأرجنتين.
كما وضع الولايات المتحدة في حالة تحفّز عسكري في منطقة الكاريبي، ما أثار التكهنات حول احتمال سعيه لإزاحة الزعيم الفنزويلي اليساري نيكولاس مادورو بالقوة.
وترمب، الذي جعل من ترحيل المهاجرين غير النظاميين -وغالبيتهم من أمريكا اللاتينية- أولوية داخلية، يبرّر سياساته باعتبار أن الولايات المتحدة في صراع مسلح مع مهربي المخدرات، ويقارنهم بـ«الإرهابيين».
وقد شنّ ضربات قاتلة متكررة ضد قوارب صغيرة، مع معلومات عامة ضئيلة عن تلك العمليات، وأعلن أنه أذِن بعمليات لوكالة الاستخبارات المركزية في فنزويلا.
كما لاحظ السيناتور الديمقراطي مارك كيلي في مقابلة مع قناة ABC أنه "لا تُحرّك مجموعة قتالية كاملة من موقعها إلى الكاريبي إلا إذا كنت تخطّط إما للترهيب، وهو أمر مرعب بحد ذاته، وإما للشروع في عمليات قتالية داخل فنزويلا".
إحياء مبدأ مونرو
تُعامِل الولايات المتحدة أمريكا اللاتينية بوصفها ميدان نفوذٍ تقليديّ منذ إعلان الرئيس جيمس مونرو عام 1823 بأن نصف الكرة الغربي مُغلق أمام القوى الأوروبية، في ما عُرف بـ"مبدأ مونرو".
على مدى قرنين، تدخّلت واشنطن مراراً وبشدة، وكانت النتائج أحياناً كارثية، كما في "غزو خليج الخنازير" الفاشل عام 1961 ضد الزعيم الكوبي فيدل كاسترو.
منذ بداية ولايته الثانية، ركّز دونالد ترمب على "إحياء مبدأ مونرو"، ملوّحاً بـ"استعادة السيطرة" على قناة بنما بسبب النفوذ الصيني المتنامي في ذلك الممرّ المائي الاستراتيجي.
وإذا لم يكن التدخل مباشرة عسكرياً، فقد اتخذ شكل ضغوط اقتصادية ففي يناير/كانون الثاني، ففرض ترمب رسوماً جمركية على كولومبيا لمعاقبة الرئيس اليساري غوستافو بيترو، لموقفه في ملف الهجرة. ثم فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات شخصية على بيترو، ووصفه وزير الخارجية ماركو روبيو بأنه "مجنون".
كما استهدف ترمب قاضياً بارزاً في البرازيل في أثناء محاكمة الرئيس اليميني السابق جايير بولسونارو، المتورّط بمحاولة انقلاب تُشبِه اقتحام مبنى الكابيتول الأمريكي في 6 يناير/كانون الثاني 2021.
في المقابل، وعد ترمب الأرجنتين بحزمة إنقاذ تبلغ 20 مليار دولار لدعم الرئيس اليميني خافيير ميليي، وسعى لمكافأة الرئيسين دانييل نوبوا في الإكوادور ونجيب أبو كيلة في السلفادور، اللذين عرضا المساعدة في حملة ترمب لترحيل المهاجرين من خلال استضافة السجناء المرحّلين في سجون مشدّدة الحراسة.
أمريكا اللاتينية على أجندة "ماغا"
ريناتا سيغورا، رئيسة برنامج أمريكا اللاتينية والكاريبي في مجموعة الأزمات الدولية (ICG)، ترى أن "هدف إدارة ترمب واضح: إعادة تشكيل السياسة في أمريكا اللاتينية وفق أجندة ماغا (لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً)".
ومع ذلك، فإن حركة ماغا نفسها مترددة حيال المخاطرة بحياة الأمريكيين أو الانخراط في حروب خارجية، وهو ما يضع حدوداً لطموحاتها التدخلية.
يُعَدّ السناتور ماركو روبيو أحد أبرز المهندسين لانحياز السياسة الأمريكية المتشدّد تجاه فنزويلا، إذ يراهن على أن سقوط نيكولاس مادورو قد يطلق تأثيرات دومينو تُضعف حتى النظام الشيوعي في كوبا، القائم منذ أكثر من ستة عقود.
وتقول سيغورا إن نشر القوات الأمريكية لا يوجّه رسالة إلى فنزويلا فحسب، بل إلى المنطقة كلها: "إنهم يبعثون إشارة مفادها أنهم سيتصرفون أحادياً متى اعتبروا ذلك مناسباً".
مع ذلك، سبق لترمب أن حاول خلال ولايته الأولى (2017–2021) الإطاحة بمادورو عبر تحالف دولي من دول أمريكا اللاتينية وأوروبا، لكن مادورو بقي في السلطة مستنداً إلى قاعدة داخلية ودعم من كوبا والصين وروسيا.
ورغم ذلك، تحذّر روكسانا فيغيل، الباحثة في مجلس العلاقات الخارجية، من تكرار سيناريو فشل سابق: "إذا كان الهدف هو استخدام الضغط العسكري لإحداث انقسام داخلي يؤدي إلى رحيل مادورو، فقلقي أن هذا المسار قد جُرّب خلال ولاية ترمب الأولى ولم يصل إلى نتيجة".