تحقيقات إبستين.. ما الذي كشفته الوثائق الجديدة عن ترمب؟
سلّطت أحدث الوثائق الأمريكية المفرج عنها بشأن قضية جيفري إبستين، الضوء على طبيعة العلاقة التي ربطت الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، بالممول المدان بجرائم اعتداء جنسي، كاشفةً عن معطيات إضافية امتزجت فيها ادعاءات موثقة بأخرى وُصفت بأنها غير صحيحة.
أظهرت الملفات تفاصيل جديدة تتعلق برحلات جوية أجراها ترمب على متن طائرة إبستين الخاصة خلال تسعينيات القرن الماضي، إلى جانب إشارات إلى وجود صورة تجمع ترمب بغيسلين ماكسويل، المدانة بتهم الاتجار بالبشر واستغلال قاصرات.
في هذا السياق، نفى مسؤولون في وزارة العدل الأمريكية، يوم الأحد، تنقيحهم صوراً أو وثائق من ملف القضية بهدف حماية الرئيس ترمب، وذلك في ظل تصاعد الانتقادات بشأن الإفراج الجزئي عن الوثائق وخضوعها لعمليات حجب واسعة.
وقال نائب وزير العدل، تود بلانش، في تصريح لشبكة “إن بي سي”، إن الوزارة “لن تحجب أي معلومات تتعلق بالرئيس ترمب”، مؤكداً أن عملية النشر لم تتضمن تمييزاً لصالحه.
جاءت تصريحات بلانش، وهو المحامي الشخصي السابق لترمب، رداً على انتقادات صدرت عن مسؤولين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، إضافةً إلى ضحايا إبستين، بشأن طريقة التعامل مع الوثائق.
وتُظهر الوثائق المنشورة كيف تعامل المحققون الفيدراليون مع صلة ترمب بإبستين، من حيث ما جرى توثيقه، وما أُثيرت حوله تساؤلات، وما تقرر استبعاده في نهاية المطاف. وفي ما يلي خمس خلاصات رئيسية خلصت إليها الوثائق التي أصبحت متاحة للرأي العام.
طائرة إبستين الخاصة
أظهرت الوثائق الأمريكية التي أُفرج عنها مؤخراً رسالة بريد إلكتروني داخلية مؤرخة في 7 يناير/كانون الثاني 2020، أفاد فيها مدّعٍ عام في نيويورك بأن سجلات الطيران تُظهر إجراء الرئيس الأمريكي دونالد ترمب ثماني رحلات على متن الطائرة الخاصة لجيفري إبستين بين عامي 1993 و1996، وهو عدد يفوق ما كان معروفاً لدى المحققين في ذلك الوقت.
وتُعد هذه الرسالة حتى الآن الأكثر تفصيلاً بشأن سفر ترمب برفقة إبستين، إذ تشير إلى أن غيسلين ماكسويل كانت على متن أربع رحلات على الأقل من تلك الرحلات. وتقضي ماكسويل حالياً عقوبة بالسجن لمدة 20 عاماً بعد إدانتها بتهم من بينها الاتجار الجنسي بقاصرات.
كما توضح الرسالة أن إحدى الرحلات اقتصرت على إبستين وترمب وشخص ثالث يبلغ من العمر 20 عاماً حُجب اسمه، إضافةً إلى رحلتين أخريين ضمّتا نساء وُصِفن بأنهن شاهدات محتملات في قضية ماكسويل.
في سياق متصل، كشفت رسالة بريد إلكتروني أخرى أُفرج عنها حديثاً عن أن شخصاً كان يراجع بيانات جرى الحصول عليها من هاتف ستيف بانون، الحليف المقرب من ترمب، عثر على “صورة تجمع ترمب وغيسلين ماكسويل”. وأشارت وزارة العدل إلى وجود الصورة، مع حجبها وعدم نشرها ضمن الوثائق المعلنة.
استدعاء قضائي
تُظهر الوثائق الأمريكية التي أُفرج عنها حديثاً أن الادعاء العام أصدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 مذكرة استدعاء إلى نادي الشاطئ “مار-إيه-لاغو” المملوك للرئيس الأمريكي دونالد ترمب في جنوب فلوريدا، في إطار التحقيقات المرتبطة بقضية غيسلين ماكسويل.
وطالبت المذكرة بالحصول على سجلات ذات صلة بالقضية، وكان مرفقاً بها خطاب مؤرخ في فبراير/شباط 2015، صادر على ورق يحمل شعار “مار-إيه-لاغو”، أفاد فيه مسؤولو النادي بعدم توفر سجلات التوظيف للفترة الممتدة بين عامي 1999 و2001، وهي السجلات التي كان المحققون الفيدراليون يسعون للحصول عليها.
ولا يعني توجيه مذكرة الاستدعاء وجود مخالفة من جانب الجهة المعنية، غير أنه يعكس سعي المحققين رسمياً للحصول على معلومات من ممتلكات ترمب خلال متابعتهم قضية ماكسويل.
في سياق متصل، حذرت وزارة العدل الأمريكية، في خطوة وُصفت بغير المعتادة، من أن بعض الادعاءات الواردة في وثائق قُدمت إلى مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) قبيل انتخابات عام 2020 ضد ترمب كانت “غير صحيحة ومثيرة”.
وتتضمن الدفعة الجديدة من الملفات ما وصفتها الوزارة بـ«بلاغات» جمعها “FBI” تتعلق بترمب وحفلات تعود إلى فترة ارتباطه بإبستين في أوائل العقد الأول من الألفية، من دون أن تشير الوثائق بوضوح إلى إجراء تحقيقات لاحقة أو التحقق من صحة تلك البلاغات.
ومن بين هذه البلاغات، ادعاء مؤرخ في أكتوبر/تشرين الأول 2020 يفيد بأن جيفري إبستين استضاف حفلة عام 2000، حضرتها امرأة تُدعى غيسلين فيلنوف بصفتها مُبلِّغة.
ووفق البلاغ، قال شخص حضر الحفلة إن ترمب “دعا الجميع إلى حفلة في مار-إيه-لاغو”، وأضافت المُبلِّغة أنها أبدت رغبتها في الذهاب، لكنها أُبلغت بأن “الحفلة ليست من هذا النوع -بل مخصصة للعاهرات”.
ولا تؤكد الوثائق ما إذا جرى التحقق من هذا الادعاء أو متابعته، ويبقى غير مثبت حتى الآن.
لاري نصّار
أفادت وزارة العدل الأمريكية بأن رسالة مكتوبة بخط اليد، وُصفت بأنها “مقلقة”، وردت ضمن الوثائق التي أُفرج عنها حديثاً في ملف جيفري إبستين، وتُزعَم نسبتها إليه وموجّهة إلى طبيب فريق الجمباز الأمريكي السابق لاري نصّار، تندرج ضمن الادعاءات الكاذبة والمواد المزوّرة.
وحسب الوزارة، يبدو أن الرسالة مؤرخة في أغسطس/آب 2019، وهو الشهر الذي توفي فيه إبستين داخل محبسه، غير أن مسؤولين في وزارة العدل أشاروا إلى أن ختم البريد، وعنوان المرسل، وغياب رقم السجين، تثير شكوكاً جدية حول صحة الرسالة. وأضافوا أن خط اليد الوارد فيها لا يتطابق مع خط إبستين المعروف.
وتتضمن الرسالة عبارة نُسبت إلى كاتبها تفيد بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب “شاطرنا حبنا للفتيات الصغيرات النضرات”، وهي جملة لم يُثبت سياقها أو مصدرها، لكنها استقطبت اهتماماً إعلامياً واسعاً بسبب لغتها الصادمة.
كما تبدأ الرسالة بعبارة: “كما تعلم الآن، لقد سلكتُ (الطريق القصير) إلى البيت”، وهي صيغة فسّرتها بعض وسائل الإعلام الأمريكية على أنها تلميح إلى انتحار إبستين، رغم عدم وجود تأكيد رسمي على صحة الرسالة أو نسبتها إليه.
رغم تعهده خلال حملته الانتخابية بنشر ملف جيفري إبستين كاملًا، تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب لاحقًا عن موقفه، واصفاً القضية بأنها “خدعة” دبّرها الديمقراطيون. غير أنّه رضخ في نهاية المطاف لضغوط الكونغرس وقاعدته الانتخابية، ووقّع قانون الشفافية الذي دخل حيّز التنفيذ في نوفمبر/تشرين الثاني.
وأظهرت الصور والوثائق أسماء شخصيات أخرى من عوالم السياسة والأعمال والسينما والموسيقى، من بينهم مايكل جاكسون وديانا روس وميك جاغر، إضافةً إلى الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون.
كما تورّط عدد من المسؤولين الأجانب في القضية، بينهم الأمير أندرو شقيق الملك تشارلز الثالث، الذي اتهمته إحدى الضحايا، في حين يواصل تأكيد براءته.
ورغم أن وفاة إبستين عام 2019 سُجّلت رسمياً على أنها انتحار، فإنها لا تزال تغذّي عديداً من نظريات المؤامرة التي تروّج لفكرة أنه قُتل لمنع كشف تورّط شخصيات نافذة.