العيون الخمس على غزة.. ما سرُّ الطلعات الغربية فوق القطاع؟

يكشف التقرير عن حجم الانخراط الأمريكي والغربي في حرب غزة عبر دعم استخباري متطور، شمل طائرات مسيّرة وأنظمة تجسّس ورصد إلكتروني، ما منح إسرائيل تفوقاً معلوماتياً حاسماً في العمليات. العسكرية.

By عماد ناصر
استخدمت لندن طائرات استطلاع إلكتروني من طراز Shadow R1 في طلعاتها الجوية فوق غزة. / وسائل التواصل

في 18 مارس/آذار من العام الماضي، أعلن مستشار الأمن القومي في الإدارة الأمريكية السابقة، جيك سوليفان، خلال مؤتمر صحفي استثنائي، عن نجاح الجيش الإسرائيلي في اغتيال مروان عيسى، نائب قائد الجناح العسكري لكتائب القسام، عبر غارة جوية في قطاع غزة.

 ورغم امتناع تل أبيب عن إصدار تأكيد رسمي للعملية، قال سوليفان صراحة: "رقم ثلاثة في حماس، مروان عيسى، قُتل في عملية إسرائيلية الأسبوع الماضي".

كان هذا التصريح الأول من نوعه الذي يقرّ بالدور الأمريكي المباشر في العمليات العسكرية داخل غزة، سواء على مستوى الدعم الاستخباري أم الأمني. 

وفي وقت لاحق، كشفت تقارير أن الاستخبارات الأمريكية لعبت دوراً حاسماً عبر تزويد إسرائيل بمعلومات دقيقة مكّنتها من تحديد موقع عيسى. وإلى جانب ما جمعته القوات الإسرائيلية من وثائق وحواسيب وخرائط خلال عملياتها البرية، شكّلت عمليات الاعتراض الإشاري والإلكتروني الأمريكية للاتصالات التابعة لحماس العامل الأبرز في إنجاح العملية.

لم تعد ساحات المعارك الحديثة تقتصر على جمع المعلومات عبر المصادر البشرية أو الغنائم الميدانية فحسب؛ إذ باتت التكنولوجيا قادرة على كشف الكثير مما يجري في "الفضاء غير المرئي".

فكل اتصال لاسلكي، وكل بث عبر الأقمار الصناعية، وحتى الاتصالات السلكية التي تولّد مجالاً كهرومغناطيسياً، يمكن اعتراضها وتحليلها. وهنا يبرز دور الاستخبارات الإشارية والإلكترونية كأداة رئيسية في حروب اليوم.

ومع استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتواتر الأنباء عن طلعات استخبارية غربية قبالة سواحل القطاع وفي عمق أجوائه، يظل السؤال مطروحاً: إلى أي مدى وصل حجم الانخراط الأمريكي والغربي في هذه الحرب؟ وما طبيعة الأدوار التي تؤديها تلك الأطراف خلف الكواليس؟

الدور الأمريكي في الحرب على غزة

كشفت تقارير متعددة عن الدور البارز الذي لعبته الولايات المتحدة في دعم الاحتلال الإسرائيلي استخبارياً خلال الحرب الدائرة على قطاع غزة، من خلال الطائرات المسيرة المتطورة وأنظمة الحرب الإلكترونية، إضافة إلى منشآت التجسس العالمية.

منذ الأسابيع الأولى للحرب، بدأت ست طائرات أمريكية من دون طيار من طراز MQ-9 "ريبر" بالتحليق في أجواء القطاع للمرة الأولى، في مهام مرتبطة بعمليات الاستطلاع والبحث عن الأسرى الإسرائيليين، وخصوصاً في المناطق الجنوبية، بحسب ما ذكرته وكالة رويترز.
وتتميز هذه الطائرات بقدرتها على التحليق لأكثر من 27 ساعة متواصلة، مزودة بكاميرات نهارية وليلية حرارية، ومستشعرات متقدمة وأنظمة تهديف ليزري، قادرة على رصد الأفراد والأنشطة في مختلف الظروف. كما يمكنها حمل ذخائر موجهة مثل GBU-12 وصواريخ هيلفاير.

إلى جانب ذلك، استخدمت الولايات المتحدة طائرات RQ-4 جلوبال هوك للاستطلاع من ارتفاعات عالية. وكلا الطرازين قادر على حمل أنظمة رادارية عبر بودات رادار الفتحة التركيبية (SAR)، ما يسمح بإنتاج صور ثلاثية الأبعاد دقيقة للطوبوغرافيا والتضاريس، وتوفير صورة استخبارية حديثة للمنطقة المستهدفة.
كما يمكن لهذه الطائرات حمل أنظمة حرب إلكترونية واستخبارات إشارية (SIGINT) ومنظومات إنذار مبكر. ويُعتقد أن بعض هذه الأنظمة استُخدمت للتنصت على الموجات الكهرومغناطيسية المتولدة عن أسلاك الاتصالات الخاصة بمنظومة حماس للقيادة والسيطرة.

الأنظمة الأمريكية تمكنت من التقاط الإشارات، ثم تضخيمها وإرسالها إلى طائرات الحرب الإلكترونية، إذ تُعالج وتُحوّل إلى معلومات استخبارية دقيقة، نُقلت لاحقاً إلى إسرائيل، وأسهمت في تنفيذ عمليات اغتيال نوعية بحق قادة المقاومة.

لم يقتصر الجهد الاستخباري على الطائرات، إذ شاركت قاعدة "باين غاب" التابعة لاستخبارات الإشارة الأمريكية في أستراليا، باعتراض الاتصالات من الهواتف المحمولة والأقمار الصناعية. ووفق شهادة ديفيد روزنبرغ، الضابط السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية، فإن المنشأة تركز مواردها لمراقبة غزة ومحيطها وجمع معلومات استخباراتية "مفيدة لإسرائيل".

بحسب واشنطن بوست، أسهم هذا الدعم الأمريكي في إنجاح غارة النصيرات الدامية التي خلصت خلالها إسرائيل أربعة من أسراها. وهو ما ينعكس في تصريحات متكررة لمسؤولين أمريكيين يؤكدون على "التنسيق الوثيق مع إسرائيل لهزم حماس استخبارياً".

الدعم الاستخباري من المملكة المتحدة والدول الغربية 

إلى جانب الولايات المتحدة، برزت مشاركة دول غربية أخرى في تقديم دعم استخباري مباشر لإسرائيل خلال حربها على غزة، من خلال تسيير طلعات جوية مأهولة ومسيرة فوق القطاع ومياهه الساحلية، كان أبرزها الطائرات البريطانية.

منذ ديسمبر/كانون الأول 2023، سخّرت بريطانيا قدرات سلاح جوِّها لمساندة إسرائيل في مهام البحث عن الأسرى وجمع المعلومات الاستخبارية. وانطلقت هذه العمليات من قاعدة "أكروتيري" البريطانية في إدارة جنوب قبرص اليونانية.

استخدمت لندن طائرات استطلاع إلكتروني من طراز Shadow R1، وهي نسخة معدلة من طائرة "بيتشكرافت كينغ أير"، مجهزة بمنظومات استخبارات إشارية (SIGINT) لجمع وتحليل الاتصالات. وأكد متحدث باسم وزارة الدفاع البريطانية هذه المهام، مشيراً إلى تنفيذ مئات الطلعات، بينها واحدة فوق مخيم النصيرات قبل عملية تخليص الأسرى الإسرائيليين الأربعة.

رغم عودة طائرات Shadow R1 مؤقتاً إلى المملكة المتحدة، لم تتوقف مهام الاستطلاع البريطانية. فقد كشفت تحقيقات صحفية أن بريطانيا استعاضت عنها بطائرات استطلاع تشغلها شركة أمريكية خاصة هي Sierra Nevada Corporation، وتدار من القاعدة ذاتها في قبرص.

إحدى هذه الطلعات كُشف عنها في يوليو/تموز 2025، حين نسي الطيار إيقاف جهاز الإرسال التعريفي (ADS-B Transponder) لطائرته، ما أدى إلى توثيق مسارها خلال تحليق استمر ساعة ونصف الساعة فوق جنوب غزة، وتحديداً منطقة خان يونس، في مهمة تجسّس ليلية.

مع تواصل التحقيقات الصحفية التي كشفت خيوط الدعم الغربي لإسرائيل، عادت القوات الجوية الملكية البريطانية تدريجياً لتسيير طلعاتها الجوية بشكل مباشر من دون وسطاء. وأظهرت أحدث بيانات تتبع الطائرات في أواخر سبتمبر/أيلول الجاري، انطلاق طائرات Shadow R1 من قاعدة أكروتيري في إدارة جنوب قبرص اليونانية باتجاه سواحل قطاع غزة، حيث أُطفئت أنظمة التعريف (ADS-B) قبل دخولها الأجواء القريبة من القطاع.

تؤكد هذه الطلعات الجوية الاستخبارية الجديدة استمرار الجهود الغربية في مساندة جيش الاحتلال الإسرائيلي، حتى بعد توقف العمليات الإسرائيلية في جنوب لبنان وانتهاء المرحلة الرئيسية من الحرب في غزة. وهو ما يثير تساؤلات حول حاجة إسرائيل إلى هذا الدعم المتواصل في جمع المعلومات الاستخبارية.

إلى جانب الطلعات الأمريكية والبريطانية المباشرة، أشارت تقارير إلى استخدام طائرات استطلاع متطورة مثل RC-135 Rivet Joint القادرة على اعتراض الاتصالات اللاسلكية من مسافات بعيدة، فضلاً عن الطائرات البحرية P-8 بوسيدون، التي تحمل رادارات عالية الدقة لمسح مناطق واسعة شرق سواحل غزة.

 تُستخدم هذه المنظومات أيضاً لتعزيز قدرات الحرب الإلكترونية، عبر اعتراض الاتصالات وتحليلها بوساطة حزم تجسّسية متقدمة، قبل نقلها إلى الاحتلال الإسرائيلي ضمن آليات تبادل المعلومات الاستخبارية. ويُرجّح أن يجري ذلك عبر تحالف "العيون الخمس" (الولايات المتحدة، بريطانيا، أستراليا، كندا، ونيوزيلندا)، إذ تُشارك المعلومات مع إسرائيل بشكل شبه فوري بوساطة أمريكية.

خلال أشهر الحرب، رصد المراقبون مئات الطلعات الجوية الاستخبارية التي قادتها الولايات المتحدة وبريطانيا فوق أجواء غزة.

 فقد نشرت واشنطن طائرات مأهولة ومسيّرة وأنظمة تجسّس فضائية واستخبارات إشارية، بينما خصّصت لندن طائرات استطلاع مأهولة متقدمة في الحرب الإلكترونية وجمع الاتصالات.

هذه القدرات مجتمعة منحت إسرائيل تفوقاً معلوماتياً كبيراً ساعدها في إدارة عملياتها العسكرية. لكن وبرغم كل ذلك التقدم التقني لم يستطع الاحتلال الإسرائيلي حسم المعركة في غزة في مواجهة فصائل المقاومة الفلسطينية التي تواصل عملياتها النوعية وتباغت جيش الاحتلال في كل مرة.

SOURCE: TRT Arabi