وثيقة مسرّبة تكشف الخطوط العريضة لـ"صفقة الحرب" في أوكرانيا

كشفت مسودة خطة سلام يجري تداولها بين واشنطن وموسكو، وتحظى بدعم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، عن جملة من التنازلات الكبرى التي يُطلب من كييف تقديمها لإنهاء الحرب، من بينها التخلي عن أجزاء واسعة من الشرق وتقليص جيشها إلى النصف.

By
شددت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت على أن خطة السلام التي تعمل عليها واشنطن مع موسكو وكييف “جيدة لروسيا وأوكرانيا على السواء”

وفق وثيقة اطّلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية تتألف الخطة من 28 بنداً، وتنص على “الاعتراف” بمنطقتي لوغانسك ودونيتسك، إضافة إلى شبه جزيرة القرم التي ضمّتها روسيا عام 2014، باعتبارها “أراضي روسية”، بما في ذلك من جانب الولايات المتحدة.

وتشير الوثيقة أيضاً إلى اقتراح بتقاسم السيطرة على منطقتي خيرسون وزابوريجيا في جنوب أوكرانيا بين موسكو وكييف.

ووفق الصيغة المطروحة، يتعيّن على أوكرانيا التخلّي رسمياً عن سعيها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وإدراج ذلك في دستورها، كما يُفرض عليها خفض عدد قواتها إلى نحو 600 ألف جندي.

وفي المقابل، يلتزم “الناتو” بعدم نشر قوات داخل الأراضي الأوكرانية، فيما يتمركز أسطول من الطائرات المقاتلة الأوروبية في بولندا لتوفير الغطاء الجوي لكييف.

وتشمل الخطة كذلك بنداً لإعادة دمج روسيا في الاقتصاد العالمي، والسماح بعودتها إلى مجموعة الثماني التي أُبعدت عنها عام 2014 عقب ضمّ القرم. وفي المقابل، لا تفرض المسودة قيوداً عسكرية كبيرة على موسكو، باستثناء اشتراط “عدم غزو دول مجاورة”.

وأكد البيت الأبيض أن المشاورات لا تزال جارية بشأن المقترح، من دون تقديم تفاصيل إضافية حول فرص اعتماده أو مواقف الأطراف المعنية منه.

البيت الأبيض: الخطة “جيدة للطرفين” 

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، عقب لقائه في كييف وفداً من وزارة الدفاع الأميركية برئاسة وزير الجيش دانيال دريسكول، إن أي خطة لإنهاء الحرب يجب أن تضمن "سلاماً مشرّفاً" يقوم على "احترام استقلالنا وسيادتنا".

وأفادت الرئاسة الأوكرانية بأن زيلينسكي تسلّم رسمياً من واشنطن مشروع الخطة الأميركية التي ترى الإدارة الأمريكية أنها قد تفتح الباب أمام “إحياء المسار الدبلوماسي”.

وأضافت الرئاسة أن الرئيس الأوكراني يعتزم مناقشة “الخيارات الدبلوماسية المتاحة وأبرز المتطلبات الضرورية للسلام” مع نظيره الأميركي خلال الأيام المقبلة.

وكان زيلينسكي قد أكد في منشور عبر تطبيق تليغرام أنّ “السلام أمر ضروري، ونحن نقدّر جهود الرئيس ترمب وفريقه لإعادة الأمن إلى أوروبا”.

من جانبها، شددت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت على أن خطة السلام التي تعمل عليها واشنطن مع موسكو وكييف “جيدة لروسيا وأوكرانيا على السواء”، رافضة المخاوف من أنها قد تستجيب لمطالب روسية مفرطة.

وقالت في إحاطة صحفية إن “العمل جارٍ على الخطة وهي قابلة للتعديل، لكن الرئيس يدعمها بالكامل، ونعتقد أنها ستكون مقبولة للطرفين”.

وأضافت ليفيت أن المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف ووزير الخارجية ماركو روبيو “عملا بسرية خلال الشهر الماضي لصياغة مشروع يحدد ما يمكن أن يقدمه الطرفان من أجل التوصل إلى سلام دائم”.

وفي سياق متصل، قال مسؤول أمريكي رفيع لوكالة الصحافة الفرنسية إن كييف طلبت تعديلات على بند يتعلق بآلية “تدقيق” المساعدات والعقوبات في حال ثبوت مخالفات، في ظل تفاقم قضية فساد كبيرة داخل أوكرانيا. لكن النسخة التي اطّلعت عليها الوكالة تُظهر أن بند التدقيق اختفى، واستُبدل بتعهد يمنح “عفواً عاماً لجميع الأطراف المشاركة في النزاع عن أفعالها خلال الحرب”.

وتأتي هذه التطورات فيما تستمر الاتصالات بين العواصم الثلاث لمحاولة بلورة صيغة نهائية لخطة السلام المقترحة.

“اتفاق عدم اعتداء”

تتضمّن مسودة خطة السلام المدعومة من واشنطن، والتي لا تزال قيد التفاوض بين الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا، سلسلة بنود جوهرية أبرزها الدعوة إلى توقيع “اتفاقية عدم اعتداء” بين موسكو وكييف والاتحاد الأوروبي.

ووفقاً للمسودة، فإن أي هجوم روسي جديد على أوكرانيا سيستدعي “رداً عسكرياً منسقاً” ويعيد فرض العقوبات الدولية على موسكو.

وتحدد الخطة مجموعة “ضمانات أمنية” لأوكرانيا – لم تُكشف تفاصيلها بعد – إضافة إلى برنامج لإعادة الإعمار وإجراء انتخابات خلال 100 يوم من بدء تنفيذ الاتفاق. كما تقترح تمويلاً يصل إلى 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة حالياً لتغطية المرحلة الأولى من إعادة الإعمار.

وتلحظ المسودة إعادة تشغيل محطة زابوريجيا للطاقة النووية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مع توزيع إنتاجها الكهربائي مناصفة بين أوكرانيا وروسيا، كجزء من ترتيبات “خفض التصعيد” في الجنوب.

ولم تلقَ الخطة ترحيباً أولياً في بروكسل. وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس، خلال اجتماع وزراء الخارجية، إن “أي خطة لا يمكن أن تنجح ما لم تشمل الأوروبيين والأوكرانيين”، مؤكدة أن المسار الحالي “غير كافٍ” لتحقيق سلام مستدام.

كما تشير المسودة إلى إنشاء “مجلس سلام” يشرف على تنفيذ الاتفاق في حال إقراره، على أن يتولى الرئيس الأميركي دونالد ترمب رئاسة هذا المجلس.

ويرى كوستيانتين ييليسيف، المستشار السابق للسياسة الخارجية في الرئاسة الأوكرانية وأحد شخصيات المعارضة، أن “الوضع الأوكراني بات ضعيفاً، والجميع يلاحظ ذلك، داخل البلاد وخارجها، بما في ذلك الولايات المتحدة، وبالطبع روسيا”. ونقلت نيويورك تايمز عنه أن هذه المعطيات تدفع واشنطن لتكثيف جهودها الدبلوماسية.

وتأتي التحركات الأمريكية الجديدة بعد سلسلة اجتماعات عقدت خلال الصيف بين مسؤولين روس وأوكرانيين، إضافة إلى لقاءات مباشرة بين ترمب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، من دون تحقيق اختراق.

 وفي محاولة لتحريك الملف، طلبت واشنطن من موسكو وكييف تقديم صياغات مكتوبة لشروط التسوية التي يمكن أن تؤسس لجولة مفاوضات جديدة.