يلعب  الاتفاق الجديد على الوتر الأكثر حساسية للساكنة الأوروبية (Jean-Francois Monier/AFP)
تابعنا

أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لين، عن الاتفاق الأخضر الأوروبي الجديد، أسوة بما يدفع به نظراؤها التقدميون في الولايات المتحدة الأمريكية. اتفاق في الحالة الأوروبية يتضمن إجراءات، أهمها توسيع سوق انبعاثات الكربون لتشمل قطاعات جديدة؛ كالنقل وتسخين البنايات. ويهدف الاتفاق إلى تخفيض انبعاثات الاتحاد من غاز ثنائي أكسير الكربون إلى 55% بحلول سنة 2030، وإلى 100% سنة 2050.

خطوة يصفق لها البعض، لما تتضمنه من جهود للحد من انبعاثات الكربون والغازات الحبيسة الأخرى، وحل للأزمة المناخية الحصالة. ويرى البعض الآخر فيها خطر إشعالها شرارة انفجار اجتماعي، كذاك الذي خرج معتمراً سترة صفراء خريف 2018، تكون علَّته تحميل المواطنين البسطاء ثقل الفاتورة البيئية، الناتجة عن إخضاع حتى جود إنقاذها إلى اقتصاد السوق.

ما طبيعة سوق انبعاثات الكربون؟

"سوق انبعاثات الكربون" هو إجراء اتفق عليه الموقعون على اتفاقية باريس للمناخ سنة 2015، بهدف استيفاء الشرط الذي رصده العلماء من أجل تخفيض حرارة الأرض بـ 1.5درجة، ألا وهو تنزيل نسبة انبعاث غاز الكربون إلى النصف بحلول سنة 2030.

بالمقابل يقوم مبدأ هذه السوق على بيع وشراء حصص انبعاثات الكربون المسموح بها لكل دولة، بمعنى؛ إذا ما دولة موقعة على الاتفاق المذكور، انبعثت منها نسبة من غاز الكربون أقل من تلك المسموح بها، يمكنها أن تبيع الفائض من تلك الحصة لدولة أخرى تجاوزت ذلك المسموح. بالتالي يصبح لانبعاثات الكربون سعر يتطور على المستوى العالمي مع تطبيق "ضريبة الكربون" وأنظمة مبادلة حصص الانبعاثات.

فيما يختلف سعر طن ثاني أكسيد الكربون من نظام إلى آخر، حيث يبلغ 32 دولاراً في نظام تبادل الحصص الأوروبية، و17 دولاراً في كاليفورنيا. كما سعر ضرائب الكربون، التي حددت على سبيل المثال في بولونيا بـ 0.08 بالمقابل بلغت في السويد عتبة الـ121 دولاراً.

أما بالنسبة لضريبة الكربون، وحسب معهد الاقتصاد للمناخ، فإن 75% من الانبعاثات المنظمة بتلك الضريبة تجري تغطيتها بسعر يقل عن 10 دولارات. عكس ما يوصي به خبراء بتحديد سعر الطن العام المقبل ما بين 40 إلى 80 دولاراً و50 إلى 100 دولار لعام 2030 في كل أنحاء العالم، من أجل تحديد درجة ارتفاع حرارة الأرض بدرجتين مئويتين.

شرارة ثانية لانتفاضة اجتماعية؟

رغم أن إعلان أرسولا فون دير لين تضمَّن احتفاء بما أسمته "المنجز العظيم" في مجال مكافحة الأخطار المناخية، كما تضمَّن كذلك أن هذا الاتفاق سيراعي الرهانات الاجتماعية "بخلق فرص شغل كبيرة ومداخيل أكبر لعموم الأوروبيين". وكذا تطمينات نائبها المكلف بهذا الملف، فرانز تيميرمانس، الذي تعهَّد سابقاً بأن "هذا الاتفاق سيضمن انتقالاً أخضر عادلاً اجتماعياً". إلا أن المشروع ما زال يمس العصب الحيوي للمعيشة اليومية لهذه الشريحة التي تمثل أغلبية سكان الاتحاد.

حيث إن ما أتى به الاتفاق من "إصلاح" لسوق انبعاثات الكربون، بما حمل من تشديد القيود على حصص انبعاث الكربون، وإعادة النظر في الحصص المجانية الممنوحة لبعض الصناعات، كما فيما يخص شمول تلك السوق قطاعي النقل والتدفئة المنزلية، يزيد العبء الضريبي على شرائح واسعة من الأوروبيين، وهم يمثلون دافعي فاتورتها في آخر المطاف؛ سواء على شكل ضرائب كربون، أو على شكل زيادات في أسعار المنتجات التي سيطال الإصلاح قطاعات تصنيعها.

أيضاً هنالك نية المفوضية الأوروبية في إنهاء العمل بأسطول السيارات التي تشتغل بالمحروقات، ما يعني عبئاً آخر يضاف إلى كاهل تلك الشرائح، حيث سيجدون أنفسهم مجبرين على تغيير سياراتهم لأخرى كهربائية، هم الذين أغلبهم لا يغير سيارته وإن تعطَّلت إلا بعد الدخول في دوامة قروض بنكية جديدة.

بالتالي يلعب هذا الاتفاق الجديد على الوتر الأكثر حساسية للساكنة الأوروبية، هكذا يمكن له أن يصبح "اتفاقاً انتحارياً" حسب ما حذَّر منه النائب الأوروبي، باسكال كافين، منبهاً سياسيي بروكسل في وقت سبق الإعلان الأخير: "لا توسعوا نطاق سوق الكربون، لقد حاولنا فعل ذلك في فرنسا وما حصلنا عليه كان انفجار السترات الصفراء!" فيما الأمر مرجح لانفجار اجتماعي آخر ستعرفه أوروبا مع بداية تنزيل بنود الاتفاق.

TRT عربي
الأكثر تداولاً