أطفال مزارع الكاكاو.. كيف تُصنع الشوكولاتة وسط معاناة وألم؟ / صورة: AFP (Sia Kambou/AFP)
تابعنا

يعد موسم احتفالات أعياد الميلاد أحد فترات السنة التي تعرف الإقبال الأكثر على استهلاك الشوكولاتة، إذ أصبحت تشكل هذه المادة جزءاً من ثقافة هذا الموسم الذي يحتفل به مئات ملايين حول العالم. وهو ما تثبته الإحصاءات، التي تقول إن 90% من سكان الولايات المتحدة يستهلكون الشوكولاتة في أعياد الميلاد، بمعدل إنفاق يبلغ 145 دولاراً للفرد.

وبشكل أعم، تعدى استهلك العالم للشوكولاتة عام 2022 عتبة 7.5 مليون طن، وهو ما يسهم في نمو متزايد لصناع هذه المادة التي بلغت قيمتها 129 مليار دولار أمريكي، فيما تقدر معاملات السوق الأوروبية وحدها بـ45 مليار دولار.

بالمقابل، لا يعرف أغلب المقبلين على استهلاك الشوكولاتة مصدرها، وأن الكاكاو الذي تحتويه، باحتمال 60%، مرَّ على أيدي أطفال يعيشون ظروفاً صعبة من أجل راتب دولار واحد لليوم. وهي المعاناة التي تحاول الدول المصدرة، مثل غانا وساحل العاج أن تخفيها، إذ تتحدث الأرقام عن أن 45% من العمالة بتلك الزراعة لم تتعدَّ سن 17 سنة، كما دقت سنة 2020، وما عرفته من أزمة صحية، ناقوس خطر ازدياد تلك النسبة.

أطفال مزارع الكاكاو

تعتبر ساحل العاج وغانا أكبر مصدّرين لمادة الكاكاو في العالم، إذ تمثل صادراتهما تباعاً 45% و20% من مجموع الإنتاج العالمي من المادة. كما يعرف هذا القطاع في البلدين الإفريقيين باستغلاله الأطفال للعمالة في المزارع الاستوائية للكاكاو، في ظروف تصفها منظمة "مشروع تدعيم الغذاء" غير الحكومية الأمريكية بـ"العبودية" التي تتضمنها صناعة الشوكولاتة.

ويكشف تقرير المنظمة المذكورة أن زراعة الكاكاو بساحل العاج وغانا تشغل أكثر من 2.1 مليون طفل، تتراوح سنهم بين 5 و16 سنة، 40% منهم إناث. ويواجه هؤلاء الأطفال شتى المخاطر، وفي هذه السن الصغيرة يستعملون أسلحة حادة أدت في كثير من المرات إلى بتر أحد أطرافهم أو إصابتهم بعاهات دائمة، ويُرغمون على تسلق أشجار الكاكاو العالية إذ السقوط منها كفيل بالقضاء نهائياً على حياتهم. إضافة إلى تعرضهم اليومي، ولأكثر من 12 ساعة عمل، دون أي قفازات أو ملابس واقية، إلى المبيدات السامة التي يرشها المزارعون على المحصول، أغلبها مسرطنة كما تسبب أمراضاً تنفسية وبصرية وجلدية.

كل هذا براتب يومي ما بين 0.5 و1.25 دولار أمريكي. ومنهم قطاع كذلك يعمل بلا مقابل مالي، يتاجر بهم في شبكة رق من مزرعة إلى أخرى بين البلدين. تؤكد ذلك آبي ميلز، مديرة مشاريع بالمنتدى الدولي لحقوق العمال، بأن "كل الدراسات التي أجريت على زراعة الكاكاو بإفريقيا أثبتت أن شبكات اتجار بالبشر تنشط في توفير اليد العاملة من الأطفال، خاصة في ساحل العاج". بكل ما تحمله هذه الممارسة من عنف بدني، وتجويع واضطهاد دائم، وأخطار تزيد عن أقرانهم من العمال الآخرين. يقول إدريسا، وهو أحد العبيد المحررين من تلك المزارع بساحل العاج، بأنه "على الناس عندما يأكلون الشوكولاتة أن يتذكروا بأنهم يأكلون لحمي".

فيما لا يبدو لهذه الوضعية نهاية في آجال قريبة، بل تزيد اتساعاً تزامناً مع الأزمة الصحية التي تجتاح العالم. إذ يؤكد تقرير اليونيسيف للسنة الماضية أن "عدد الأطفال العاملين بمزارع الكاكاو زاد بـ21% خلال سنة 2020، وهذه النسبة مرجحة للاتساع مع استمرار إجراءات الإغلاق وانعدام الأمن الاقتصادي الذي صحب تفشي وباء كورونا".

هل من حل للمأساة؟

وبالتوازي مع الأرباح التي تجنيها صناعة الشوكولاتة الكبرى في العالم، يوجد جشع واسع من طرف هذه الحيتان التجارية الكبيرة، التي تسيطر على أغلب سوق هذه المادة، إذ ترفض دفع أسعار عادلة للمزارعين الأفارقة. والدليل على هذا أن ساحل العاج التي تنتج 45% من محصول الكاكاو في العالم، لا تحصل إلا 4% من نسبة التعاملات البالغة 129 مليار دولار.

وينعكس هذا أيضاً على المزارعين، وعلى سبيل المثال، يستغرق كيلوجرام واحد من شوكولاتة "ليونيداس" الأوروبية نحو 45 يوماً من العمل، حتى تتمكن الشركة الضخمة من شرائها بتكلفة نحو 32 دولاراً، أي بأقل من دولار واحد في اليوم. ومنذ منذ عام 2020، فشلت المحاولات العديدة التي أجرتها حكومة ساحل العاج لجعل مصنّعي الشوكولاتة العالميين يدفعون أسعاراً عادلة للمزارعين.

وفي 2021، وقعت حكومتا ساحل العاج وغانا على اتفاق إنشاء آلية تعاون بخصوص عملية تسعير إنتاج الكاكاو، ومكافحة عمالة الأطفال في هذه الزراعة. فيما وصفته الخارجية الغانية وقتها بأنه "خطوة رسمية نحو شراكة جديدة أكثر فاعلية".

هذه الجهود تتمحور أساساً في برامج أمنية، ترصد لها الدول المعنية قواتها لمطاردة شبكات تهريب الأطفال، وتتابع قضائياً المزارعين الذين يشغلونهم، وتجمع الأطفال في مراكز إعادة تأهيل حيث يعادون إلى المدارس من جديد، حيث أغلب الأطفال العاملين هناك أميّون، بالمقابل تجهد تلك الدول في بناء المدارس وتوظيف المعلمين. لكن تلقى هذه الجهود صعوبات في تحقيق أهدافها، وذلك لضعف الموارد المالية لتمويل تلك المشاريع، واستشراء الفساد في سلطات البلدين، وعوز الآباء ممَّا يعني أن مصادرة ابنهما انقطاع مصدر رزق لعائلة قد تتسع لعدة أفراد.

بالمقابل توصي منظمة اليونيسيف في تقريرها المذكور من أجل فك تلك المعضلة بتقديم مساعدات مالية للعائلات بالقدر الذي يغنيها عن الاعتماد على الأبناء في إطعامها، وربط تلك المساعدات بدراسة الأبناء ووقف توجههم إلى المزارع، وتحسين جودة النظام التعليمي والبنى التحتية الدراسية في المناطق المعروفة بزراعة الكاكاو بالبلدين.

TRT عربي
الأكثر تداولاً