محطة نور للطاقة الشمسية بورزازات، المغرب. (Others)
تابعنا

في تصريح لها لمجلة "فوربس"، قالت وزيرة الطاقة المغربية ليلى بن علي، بأن بلادها تسعى لأن تصبح وجهة رائدة في العالم في مجال الطاقات المتجددة. وهو ما يبدو ليس طموح مسؤولة حكومية فحسب، بل مخططاً وطنياً أطلقه المغرب منذ سنوات، وشرع في قطف ثماره مؤخراً.

ليس لدى المغرب احتياطيات مهمة من الغاز والبترول، ويستورد معظم حاجياته منها من الخارج، ما يجعل أمنه الطاقي مرتهناً بتقلبات السوق الدولية. في المقابل، تتوفر المملكة التي تمتد لما يقارب 711 ألف كيلومتر مربع، على موارد طاقة متجددة كبيرة، يمنحها إياها تنوع التضاريس والمناخ.

هكذا يضع المغرب تركيزه على هذه الطاقات، بداية من توليد الكهرباء عبر السدود، ووصولاً إلى إنشاء عدد من محطات الريحية، مروراً بامتلاكه محطتين للطاقة الشمسية، إحداهما هي الأكبر في العالم. وإضافة إلى هذا تعتزم المملكة خوض غمار صناعة الهيدروجين الأخضر، المرجح لأن يكون وقود المستقبل.

فيما تتعدى عين الرباط، من خلال استثمارها في الطاقات المتجددة، أفق توفير حاجياتها الذاتية من الطاقة إلى تصديرها نحو الخارج. والحديث هنا عن سوق القارة العجوز، المتوثبة لتخفيض انبعاثات الكربون إلى النصف بحلول 2030 ثم لتحقيق انتقالها الطاقي التام بحلول 2050، كما أنها ترزح اليوم تحت وقع أزمة طاقة كبيرة نتيجة اعتمادها على الغاز الروسي.

برنامج المغرب الواعد للتحول الطاقي

منذ منتصف العقد الأول من سنوات 2000، أطلق المغرب برنامجاً ضخماً للتحوُّل الطاقي جعله في خلال عشر سنوات ينتقل من بلد يعاني عجزاً في الطاقة إلى بلد لديه فائض منها قُدر بنسبة 20% سنة 2020. محور ذلك كان الاستثمار في إنشاء محطات توليد الكهرباء من الطاقات المتجددة، والذي رُصِد له غلاف مالي تعدى 5.3 دولار.

محطات، حسب إحصاءات سنة 2020، أصبحت تلبي 42% من حاجات المغاربة من الكهرباء، ورُصد لها أن تصل إلى 52% بحلول 2030 باعتبار ارتفاع الطلب عليها ما بين 6% إلى 7% سنوياً. محطات يبلغ عددها 21، منها 8 للطاقة الريحية، و11 للطاقة الهيدروليكية، ومحطتان لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، إحداها محطة نور بمدينة ورزازات (جنوب البلاد) الكبرى على مستوى العالم.

وتمتد محطة نور، التي جرى افتتاحها سنة 2016، على ما يزيد على 1.4 مليون متر مربع، مكونة من أربعة حقول لتوليد الكهرباء، في جنة شمسية وسط الصحراء لها 320 يوماً في السنة من الموارد الكهروضوئية المتاحة. فيما يبلغ إنتاجها الآن، حسب ما كان مرصوداً من برامج، 2000 ميغاوات في الساعة من الكهرباء النظيفة.

وإجمالاً، حسب "فوربس"، تبلغ الطاقة التوليدية الإجمالية للمغرب من الطاقات المتجددة حالياً حوالي 4030 ميجاوات، وهناك 4516 ميجاوات إضافية منها قيد الإنشاء أو مخطط لها.

بالمقابل، يعمل المغرب على تشجيع القطاعات الصناعية والفلاحية على استعمال الطاقات المتجددة لتقليص الارتهان إلى الطاقات الأحفورية. وفي سنة 2020 كشف عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن المغربي، أن 40 ألف ضيعة فلاحية بالمغرب باتت تستعمل الطاقات المتجددة، إضافة إلى أكثر من 2000 مدرسة و1500 مسجد.

وفي تصريحاتها لـ"فوربس"، عبَّرت وزيرة الانتقال الطاقي المغربية ليلى بن علي، عن فخرها بـ"المشاريع الضخمة (التي أنجزها المغرب) بالإضافة إلى المشاريع المحلية، بما في ذلك الطاقة الشمسية على الأسطح"، مؤكدة التزام الإدارة المغربية بـ"توصيل الكهرباء إلى 100% من السكان" .

وحسب الكاتب العامّ لقطاع البيئة بوزارة الطاقة والمعادن المغربية محمد بنيحيى، فإن المغرب يسعى إلى تلبية 80% من احتياجاته الطاقية بالكهرباء الخضراء بحلول 2050. هذا ووفق مؤشر "المستقبل الأخضر" لمعهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا" حل المغرب سنة 2021 خامساً في الترتيب العالمي في فئة "الابتكار النظيف".

ثورة الهيدروجين الأخضر

يضع تقرير نشرته الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" في يناير/كانون الثاني الماضي، المغرب في المركز الرابع ضمن تصنيف للبلدان الأكثر قابلية لتصبح منتجة رئيسية للهيدروجين الأخضر بحلول عام 2050. بالتالي يرجَّح أن تصبح المملكة ضمن "مراكز النفوذ الاستراتيجية الجديدة التي قد يمهّد النموّ السريع في سباق الهيدروجين العالمي، والتحولات الجغرافية والاقتصادية الناتجة عنه إلى ظهورها".

في سنة 2020 أنشأ المغرب "اللجنة الوطنية للهيدروجين" التي، حسب بلاغ وزارة الطاقة والمعادن المغربية وقتها، تأتي في سياق "تسريع خطوات بلادنا لتعزيز قدراتها والعمل على التطوير التكنولوجي لقطاع الطاقات المتجددة، بهدف جعل المغرب أحد البلدان الرائدة في مجال إنتاج الجزيئات الخضراء والمضي قدماً نحو إقامة شراكات طاقية جديدة ذات قيمة مضافة عالية".

كما وقَّعَت المملكة، في يونيو/حزيران من السنة ذاتها اتفاق شراكة مع وزارة الطاقة الألمانية، بموجبه "يُطوَّر قطاع إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتُوضَع مشاريع للأبحاث والاستثمارات في استعمال هذه المادة التي تُعَدّ مصدراً للطاقة الإيكولوجية".

وتهدف هذه الإجراءات إلى جعل "خارطة الطريق" التي خطّها المغرب لتحقيق أهدافه الإنتاجية للهيدروجين الأخضر واقعية، إذ تسعى المملكة إلى إمداد سوقها المحلية بـ4 تيراوات/ساعة والسوق الدولية بـ10 تيراواط/ساعة بحلول 2030. ولتحقيق هذا يُعمَل على زيادة الاستثمار في البنية التحتية للطاقة المتجددة ورفع قدراتها الإنتاجية بـ6 غيغاوات، بما يخلق أكثر من 15 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة.

ويُنتَج الهيدروجين الأخضر عبر عملية التحليل الكهربائي للماء، فيما يشترط للكهرباء أن تكون كاملة من الطاقة المتجددة، الأمر الذي خطا المغرب فيه خطوة كبيرة نحو الأمام، بتعزيز قدرته في هذا المجال.

تصدير نحو الخارج

ولا يسعى المغرب، باستثماره في إنتاج الطاقات المتجددة، فقط إلى تحقيق اكتفائه الذاتي وضمان أمنه الطاقي من خلالها، بل إلى أن يصبح كذلك مصدراً كبيراً لهذه الطاقة. ويأتي هذا في وقت تزداد الحاجة الأوروبية إلى بدائل طاقية، حيث تعيش أزمة طاقة واسعة نتيجة الحرب في أوكرانيا، كما تسعى إلى تحقيق انتقال طاقي تام بحلول 2050.

وأطلق المغرب وبريطانيا، شهر سبتمبر/أيلول الماضي، مشروع تصدير الكهرباء النظيفة إلى المملكة المتحدة، بكلفة 1.1 مليار دولار، والذي يتضمن مد أطول كابل بحري لنقل الكهرباء. وبموجبه ستدخل صادرات المغرب من الطاقة 7 ملايين منزل بريطاني.

وحسب تصريحات بن علي لـ"فوربس"، يمكن للمغرب تصدير المزيد من طاقته المتجددة إلى إسبانيا والبرتغال وحتى المملكة المتحدة. ويوجد حالياً نوعان من الربط الكهربائي للمغرب مع أوروبا، تتدفق الطاقة منهما من كلا الجانبين وتبلغ قدرة توصيلهما 1400 ميغاوات. فيما من المقرر إنشاء الثالث ضمن مشروع الربط مع بريطانيا.

TRT عربي
الأكثر تداولاً