ما تفاصيل قضية الفساد بالحكومة الأوكرانية؟ / صورة: AA (AA)
تابعنا

هزّت قضية فساد كبيرة أركان الحكومة الأوكرانية، مطيحة بعدد من المسؤولين العسكريين والحكوميين الأوكرانيين، من بينهم نائب وزير الدفاع وأفراد من المكتب الرئاسي. ذلك بعد أن كشفت وسائل إعلام محلية عن صفقات إمدادات سلاح وغذاء مبالغ في أسعارها، ما يرجح تلقي المسؤولين عنها عمولات بغير وجه حق.

ولسنوات تسجل أوكرانيا معدلات عالية لانتشار الفساد الإداري، حسب مراقبين، بيد أن هذه الفضيحة الأخيرة تأتي في وقت ترزح فيه البلاد تحت وطأة حرب مستمرة لقرابة العام.

ويشترط عدد من الداعمين الغربيين لكييف في حربها، على رأسهم الاتحاد الأوروبي، اتخاذها خطوات جدية لمحاربة الفساد. ما يدفع إلى طرح أسئلة من قبيل: أي تغيير قد يطال تلك المساعدات بعد انكشاف القضية؟ وكيف سيؤثر على المجهود الحربي الأوكراني؟

تفاصيل الفضيحة

تعود تفاصيل القضية إلى يوم السبت، حين أعلنت سلطات مكافحة الفساد الأوكرانية عن فتح تحقيق في قضية تربح غير مشروع من الحرب داخل وزارة تنمية البلديات والأقاليم والبنية التحتية.

وأورد المكتب الوطني لمكافحة الفساد الأوكراني، في بيانه السبت، أن فاسيل لوزينكيتش الذي يشغل منصب نائب وزير تنمية البلديات منذ مايو/أيار 2020، "تلقى 400 ألف دولار لتسهيل إبرام عقود شراء معدات ومولدات بأسعار مبالغ فيها"، بينما تواجه أوكرانيا نقصاً في الكهرباء بعد الضربات الروسية على منشآت الطاقة.

وفي السياق ذاته، كشف الصحفي الاستقصائي ومؤسس مرصد "أموالنا" الأوكراني لمحاربة الفساد، يوري نيكولوف، يوم الاثنين، عن قضية فساد ثانية تهم هذه المرة وزارة الدفاع الأوكرانية، وتتعلق بإبرام عقود إمدادات السلاح والغذاء للجنود بأسعار مضخَّمة بشكل كبير عن ما هي عليه في الحقيقة.

ويشير تحقيق نيكولوف بأصابع الاتهام إلى وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف، بخصوص صفقة أبرمتها وزارته تبلغ قيمتها 13.16 مليار غريفنا (حوالي 356.5 مليون دولار)، والتي جرى فيها تضخيم أسعار الأغذية بمرتين وثلاث عن سعرها في السوق، "بل وأعلى بكثير من أسعار الجملة".

وعلى سبيل المثال، يورد التحقيق أن أسعار شراء البيض المخصص للجنود بلغ 17 غريفنا فيما سعره الأصلي هو 7 غريفنات فقط. كما جرى طلب بطاطس بسعر 22 غريفنا للكيلوغرام، في حين أن سعر التجزئة في المتجر ما بين8 و9 غريفنات. وبلغ سعر الدجاج في بيان الوزارة 120 غريفنا، بينما لا يتعدى 80 غريفنا في السوق.

ويكشف تحليل بيانات الصفقة عن وجود مبلغ 30 مليون غريفنا (حوالي 813 ألف دولار)، لم يجرِ تضمينه في بنودها، ما يرجح من خلاله الصحفي الاستقصائي بأنه ضمن مجموعة عمولات أخذها موظفو الوزارة لقاء تمريرهم الصفقة.

استقالات بالجملة

رداً على هذه المستجدات، اختارت الحكومة التحرك بسرعة من أجل إبداء حزمها في التعامل مع المسؤولين الفاسدين. وهو ما أعلنه الرئيس فلودومير زيلينسكي، يوم الأحد، بتعهده أنه لن يجري التغاضي عن الفساد و"سيكون هذا الأسبوع الوقت المناسب لاتخاذ قرارات مناسبة (في هذا الشأن)، وجرى إعداد القرارات بالفعل، لا أريد نشرها في الوقت الحالي لكن كل ذلك سيكون عادلاً".

تزامناً مع ذلك، أعلن رئيس الوزراء الأوكراني دينيس شميهال، عبر تليغرام، قائلاً: "يأمر مجلس وزراء أوكرانيا بإقالة ف. إم. لوزينكيتش من منصب نائب وزير تنمية البلديات والأقاليم والبنية التحتية في أوكرانيا".

وقدمت مجموعة من كبار المسؤولين الأوكرانيين، الثلاثاء، استقالاتهم كإجراء يأتي في أعقاب الفضيحة، من أبرزهم فياتشيسلاف شابوفالوف نائب وزير الدفاع الذي كان مسؤولاً عن الدعم اللوجستي للقوات المسلحة، وكيريل تيموشينكو نائب رئيس مكتب الرئيس الأوكراني، وأوليكسي سيمونينكو نائب المدعي العام.

كما نفى وزير الدفاع أوليكسي ريزنيكوف تهم الفساد التي طالته، معتبراً إياها "حملة تشهير" تهدف إلى تقويض الثقة في وزارة الدفاع وسمعتها بين الشركاء الدوليين، واتهم الصحفي يوري نيكولوف بالكذب والتلاعب في المعطيات خلال صياغة تحقيقه.

ما أثرها على الحرب؟

تأتي هذه الفضائح في وقت تعيش فيه أوكرانيا حرباً مستعرة لقرابة العام، ما قد ينال من الثقة الدولية التي تسعى إلى حشدها، لمساعدتها على الانتصار. حسب مراقبين.

بالإضافة إلى هذا، تسعى البلاد إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، كخطوة استراتيجية للدفاع عن نفسها على المدى البعيد، بينما يشترط نظراؤها الأوروبيون مكافحة الفساد شرطاً رئيسياً للمرور إلى المرحلة القادمة من الإدماج في التكتل القاري.

ويؤكد تقرير لصحيفة "بوليتيكو" الأمريكي أن "المسؤولين في كييف عانوا كثيراً في محاولة إظهار تكاتف الأمة في وجه الحرب، ويشمل ذلك أمر مكافحة الفساد في محاولة لرسم مسار نحو الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فإن ما كشفته التحقيقات كان ضربة شديدة لهذه المساعي".

وعدا هذا، يعتمد المجهود العسكري والمدني الأوكراني، منذ اندلاع الحرب، على المساعدات المالية الغربية والأوروبية بالأساس. وفي وقت سابق، شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت المفوضية الأوروبية عن دعم مالي كبير لفائدة أوكرانيا، لكنها اشترطت في اتفاقها على كييف إبداء نيتها السليمة واتخاذ إجراءات لمكافحة الفساد.

وبالتالي، فإن الرئيس زيلينسكي وحكومته يقفون اليوم أمام محك بشأن إعادة الثقة إلى شركائهم وداعميهم في الغرب. وهو ما يؤكده نيكولوف في هذا الصدد، خلال تصريحه لـ"بوليتيكو"، قائلاً: "إذا أراد شخص ما سرقة ملايين اليوروهات منا خلال الحرب، في وقت يعتمد اقتصادنا بنسبة 60% على مساعدات الاتحاد الأوروبي، فعلينا أن نوقفه".

وتُعرف أوكرانيا، حسب مراقبين، بتفشي الفساد الإداري والمالي داخل هياكلها الحكومية، وهو ما تبرزه مراتبها المتأخرة في التصنيفات الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد، إذ احتلت في عام 2021 المرتبة 122 في ترتيب تضمن 180 بلداً، كما كشفت منظمة "ترانسبارنسي إنترناشونال" عن أن 23% من الأوكرانيين فُرض عليهم دفع رشاوى مقابل حصولهم على خدمات عمومية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً