مخاوف من تصعيد أكبر قد يصل إلى حد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين (Odd Andersen/AFP)
تابعنا

أزمة جديدة لا تظهر لها نهاية على المدى القريب، هي تلك التي انفجرت بين المغرب والجزائر مؤخراً، إثرَ تحركات سفير الرباط الدائم لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، من أجل حشد الدعم لـ"تقرير مصير شعب القبائل". الأمر الذي أثار حفيظة الجزائر، كي تعمد بعدها إلى تشديد اللهجة مع الرباط، بل إلى استدعاء سفيرها هناك للتشاور، رداً على ما بدر من البلد الجار.

فيما الرباط ترى في ذلك معاملة بالمثل، نظير دعم الجزائر المستمر لحركة بوليساريو بإقليم الصحراء. ينبئ التوتر الجديد بتصعيد في العلاقات بين الدولتين الجارتين، التي هي في الأساس متوترة، حيث يبقى السؤال مطروحاً حول ما ستنتهي إليه الأمور تبعاً لهذا المسار؟

تراشق بالاتهامات واستدعاء للسفير..

استدعت الجزائر يوم الأحد، 18 يوليو/تموز، سفيرها بالرباط للتشاور، رداً على ما أسمته الخارجية الجزائرية "عدم التجاوب الإيجابي من طرف المغرب". هذا ما أعلنت عنه في بلاغ عمَّمته على صفحاتها الرسمية بوسائل التواصل الاجتماعي، قائلة: "لقد أشار البيان الصادر عن وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، يوم 16 يوليو 2021، إلى ضرورة توضيح المملكة المغربية لموقفها النهائي من الوضع بالغ الخطورة الناجم عن التصريحات المرفوضة لسفيرها بنيويورك". مضيفة: أنه "نظراً لغياب أي صدى إيجابي ومناسب من قبل الجانب المغربي، فقد تقرر اليوم استدعاء سفير الجزائر بالرباط، فوراً، للتشاور، كما لا يستبعد اتخاذ إجراءات أخرى، حسب التطور الذي تشهده هذه القضية".

ويأتي البلاغ المذكور رداً على تحركات الممثل الدائم المغربي لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، الذي دعا خلال اجتماع دول عدم الانحياز يومي 13 و14 يوليو/تموز الجاري، إلى “تقرير مصير شعب القبائل” بالجزائر ووزع مذكرة تضم خريطة الجزائر من دون منطقة القبائل. ولم يكن ردها الأول، بل كانت قد نشرت الخارجية الجزائرية بذات الشكل، سابقاً في 16 تموز/ يوليو، بلاغاً شديد اللهجة اعتبرت فيه أن "تصريح الدبلوماسي المغربي مجازف وغير مسؤول ومناور".

كما أبلغت عبره إدانة الجزائر ما أسمته "الانحراف الخطير، بما في ذلك على المملكة المغربية نفسها داخل حدودها المعترف بها دولياً". وما اعتبرته "يتعارض بصفة مباشرة مع المبادئ والاتفاقيات التي تهيكل وتلهم العلاقات الجزائرية المغربية، فضلاً عن كونه يتعارض بصفة صارخة مع القانون الدولي والقانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي". داعية "في ظل هذه الوضعية الناشئة عن عمل دبلوماسي مريب صادر عن سفير، يحق للجزائر، الجمهورية ذات السيادة وغير القابلة للتجزئة، أن تنتظر توضيحاً للموقف الرسمي والنهائي للمملكة المغربية بشأن هذا الحادث بالغ الخطورة".

البلاغ الذي ردَّ عليه هلال قائلاً إن الذي “يقف كمدافع قوي عن حق تقرير المصير ينكر هذا الحق نفسه لشعب القبائل، أحد أقدم الشعوب في إفريقيا، والذي يعاني من أطول احتلال أجنبي”، مضيفاً أن تقرير المصير “ليس مبدأً مزاجياً، ولهذا السبب يستحق شعب القبائل الشجاع، أكثر من أي شعب آخر، التمتع الكامل بحق تقرير المصير”. في إشارة إلى دعم الجزائر حركة البوليساريو الانفصالية بإقليم الصحراء (جنوب المغرب)، والذي تبرره بنفس مبدأ "حق تقرير المصير".

هل تصل الأزمة بين المغرب والجزائر إلى القطيعة؟

ليست هذه الأزمة الأولى ولا الوحيدة التي تنشأ بين البلدين العربيين الجارين. فالخلاف بين الجزائر العاصمة والرباط قديم، قدم وجود الجمهورية الشعبية الجزائرية، بعد استقلالها عن الاستعمار الفرنسي سنة 1962. قبلها، لم تكن سوى طموحات الوحدة المغاربية التي كانت تحمل البلدين في نضالهما الموحد ضد المحتل، وحدة ترجمت في الدعم المغربي للثورة الجزائرية سياسياً ومادياً، كما مشاركة المغاربة آنذاك في الثورة التحررية الجزائرية. إضافة إلى ما مثَّلته الأراضي المغربية، خاصة مدينة وجدة (شرق البلاد)، من حاضنة لنواة جبهة التحرير الجزائرية، ما كلفها قصفاً جوياً عنيفاً تعرَّضت له في 18 فبراير/شباط 1962.

فيما سنين الألفة بين الجارين لم تدم، بعد أن تفتقت الحرية من الاستعمار عن نظامين معارضين لبعضهما، من جانب، نظام ملكي مغربي، ذو ميول نحو الغرب، ويربط أحلافه الوثيقة بكل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. وعلى الجانب الآخر، نظام جمهوري عسكري جزائري، أحادي الحزب، ذو تموقع داخل المعسكر الشرقي، وحليف للاتحاد السوفياتي والقوى الاشتراكية القومية في العالم العربي المعادية للملكيات. حيث هذا التناقض في طبيعة النظامين سيتفجر منذ أول خلاف يحصل بينهما، حول ترسيم الحدود البرية.

هذا الخلاف الأول الذي سرعان ما تحول في أكتوبر/تشرين الأول 1963 إلى نزاع مسلح، أو ما سمي مغربياً بـ"حرب الرمال". حيث اندلعت حرب مفتوحة بين جيشي البلدين في ضواحي منطقة تندوف وحاسي البيضاء، ثم انتشرت إلى فكيك المغربية واستمرت لأيام معدودة، قبل أن تتدخل جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية بوساطة أوقفت إطلاق النار.

لكن الخلاف الأبرز بين البلدين كان حول منطقة الصحراء، حيث تدعم الجزائر حركة بوليساريو الانفصالية فيها، فيما يتمسك المغرب بالإقليم كجزء لا يتجزَّأ من أراضيه التاريخية. اندلعت فيه الحرب أواخر السبعينيات، حينما دخلت مليشيات البوليساريو، في اشتباك مفتوح مع القوات المغربية والموريتانية فيه. انتهى ذلك النزاع المسلح بتوقيع اتفاقية سلام بين موريتانيا والحركة سنة 1979، فيما استمر الجيش المغربي في الحرب إلى حدود توقيع وقف إطلاق النار سنة 1991، لتطلق بعدها جولات مفاوضات ماراثونية بين الرباط وممثلي الجبهة، تحت رعاية الأمم المتحدة.

وإلى حدود 1975 كان إقليم الصحراء واقعاً تحت الاحتلال الإسباني، تم إجلاء المستعمر عنه عبر مفاوضات طويلة بين الرباط ومدريد ونواكشوط، ثمنت بعودته إلى السيادة المغربية عبرَ مسيرة شعبية أعلن عنها في السنة ذاتها العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، مطلقاً عليها اسم "المسيرة الخضراء". الأمر الذي أغضب سلطات قصر المُراديَّة وقتها، وقرروا طرد أزيد من 350 ألف مغربي خارج الجزائر.

كل هذه الخلافات لا تنفي وجود لحظات انفراج في العلاقات بين المغرب والجزائر، كتلك التي أدت إلى فتح الحدود البرية بينهما سنة 1992. انفراج لم يدم طويلاً، حتى وقع ما يعكر صفوه، هذه المرة كانت تفجيرات فندق "أطلس آسني" سنة 1994، التي اتهمت بها الرباط الجزائر التي كانت ترزح وقتها تحت وطأة حرب أهلية، ففرضت التأشيرة على الجزائريين لدخول أراضيها، وهو ما ردت عليه الجزائر بإغلاق المعبر البري منذ ذلك الحين إلى اليوم. حيث ترفض الجزائر فتحه دون شروط.

بالمقابل، يبقى نزاع الصحراء الشوكة العالقة في حلق أي إرادة من الجانبين في إنشاء علاقة طبيعية بينهما، حيث يدفع المغرب بحل لها تمتيع تلك الأقاليم بحكم ذاتي تحت سيادته، ترفض هذا المقترح جبهة البوليساريو ومعها الجزائر التي تصر في خطابها الدبلوماسي والإعلامي على تعريف القضية كـ"قضية تصفية استعمار". فيما يأتي التحرك الأخير لسفير المملكة لدى الأمم المتحدة، دافعاً بتلك العلاقات المتوترة أساساً نحو منحدر جديد من التوترات الأكثر شدة، والمفتوحة على كل الاحتمالات، وحدها الأيام القادمة ما ستكشف لنا إلى أي مدى يمكنها الوصول.

TRT عربي
الأكثر تداولاً