ريمي داييه، العقل المدبر لـ"عمليَّة أزور" ( MAXPPP) (MAXPPP/Others)
تابعنا

تحت اسم "عمليَّة أزور"، خطَّطت جماعة إرهابية يمينية متطرفة لِقلب النظام الجمهوري بالبلاد، واحتلال قصر الإيليزيه والإطاحة بالرئيس وحكومته، وإعلان عودة الملكية بعد أزيد من قرنين ونصف من دحرها. هذا ما توصّلت إليه تحقيقات الشرطة الفرنسية مصادفة أثناء بحثها في حادثة اختطاف طفلة لأسباب بدت لهم تآمرية مريبة.

بحسب يومية "لوباريزيان" الفرنسية، فإنّ العقل المدبّر للشبكة هو النائب السابق في "حزب الحركة الديمقراطية" ريمي داييه، "كان يخطط للانقلاب على الإليزيه بمساعدة شبكة واسعة من ضباط شرطة ودرك وجيش بينهم مَن لا يزالون في الخدمة ومتقاعدون". انقلاب وصفته مصادر للجريدة أنّه "كان طموحاً وأحمق يتمثّل في السيطرة على الإليزيه وإنشاء سلطة جديدة من الشعب".

وكشفت التحقيقات كذلك شبكة تنتشر خلاياها على طول التراب الفرنسي، يجمع عناصرها تبنيهم أيديولوجية اليمين المتطرفة ويؤمنون بعلوية العرق الأبيض ونظريات المؤامرة، معارضون شرسون للّقاح وبعضهم يمجّد عودة النازية. يسهر على تنظيمهم ضباط من الشرطة والجيش الفرنسي لتنفيذ خطَّة الانقلاب التي تتمثل في "حشد أكبر عدد ممكن من المتظاهرين" لخلق حالة من الفوضى والتشويش على أجهزة الأمن، "ثمّ الإطاحة بالحكومة وهياكل الدولة" في مواجهات مسلحة يقوم بها "كوماندوس" من أجل الاستيلاء على المراكز الحساسة في الدولة.

وتُضيف "لوباريزيان" أنّ العملية كانت في مراحل متقدمة من التجهيز، حيث اكتشفت أثناء التحقيقات ترسانة أسلحة ومواد لتصنيع قنابل تقليدية، كانت مُعدّة لتنفيذ المخطط. وأفادت قناة "BFM" الفرنسية بأن عسكريين سابقين أمروا بتدريب المجندين لإنجاز خطة الهجوم على قصر الإليزيه، المقر الرسمي للرئيس ماكرون.

من ريمي داييه؟

ألقت السلطات الفرنسية القبض على النائب البرلماني السابق ريمي داييه في شهر يونيو/حزيران الماضي، بعد اتهامه بتدبير عملية خطف دولية لطفلة تبلغ من العمر 8 سنوات لصالح والدتها التي فقدت حق الحضانة. وزعم داييه وجماعته أن ميا، الطفلة المختطفة، كانت محتجزة لدى منظمة دولية بيدوفيلية.

قبل ذلك، كان داييه هارباً إلى ماليزيا، لكنه أُجبر في النهاية على العودة إلى فرنسا واعتقل فور عودته، وبرغم من ذلك تعهد بخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة في فرنسا. ووجّهت له يوم الجمعة تهماً بالإرهاب وتكون عصابة إجرامية من أجل تدبير "مؤامرة يمينية متطرفة لمهاجمة مراكز التطعيم" وأهداف أخرى.

بينما يُعدّ داييه وجهاً بارزاً للتطرّف اليميني وترويج نظريات المؤامرة "QAnon" التي عبرت مؤخراً إلى التراب الفرنسي بعد انتشارها في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. فيما بروزه كوجه عام يبدأ من مسيرته السياسية مع حزب "الحركة الديموقراطية" وانتخابه نائباً برلمانياً لها، لكن سرعان ما ستنتهي بعد طرده من الحزب لأفكاره التي وُصفت بالمتطرفة.

هذا لم يمنع الوجه اليميني المتطرّف من تحقيق أفكاره اختراقاً داخل الرأي العام الفرنسي الذي "أصبحت نظريات المؤامرة داخله وجهاً من أوج الثقافة المعارضة" بحسب تعبير "المديرية العامة للأمن الداخلي" الفرنسية. وبالتالي استطاع ريمي داييه أن يجمع حوله كلاً من النشطاء اليمينين المتطرفين، النازيين الجدد والمروجين لنظريات "QAnon"، العنصريين ومعادي الهجرة والإسلام، إضافة إلى مناهضي التلقيح وتكنولوجيا الجيل الخامس من الإنترنت.

تقول جريدة "لوباريزيان" أن "الظهور الدائم لريمي داييه على وسائل التواصل الاجتماعي مكّنه من أن يحظى بشعبية كبيرة". إضافة إلى الكاريزما التي يسوقها كشخصية "مسيحية كاثوليكية ملكية، واعٍ بفساد النظام السياسي ويستغلّ السّخط الجماعي عليه لتعبئة المتعاطفين مع الأفكار اليمينية المتطرفة وتغذية نظريات المؤامرة".

الجيش الفرنسي مخترق!

تتضمن الشبكة الإرهابية التي كشفتها التحقيقات الفرنسية في "عملية أزور" ضباطاً من الجيش والشرطة، متعاقدين ومنهم من لا يزال في الخدمة، مكلّفين بتنظيم وتدريب الإرهابيين المجنّدين لتنفيذ العملية والأنشطة الأخرى للشبكة. الأمر الذي يكشف بجلاء، بحسب مراقبين، الاختراق الكبير الحاصل داخل الجيش والشرطة الفرنسيّيْن من التيارات السياسية اليمينية المتطرفة، مع ما يفترضه الدستور الفرنسي من كون هذه الأجهزة "غير سياسية".

انكشاف هذا الاختراق ليس وليد التحقيقات الأخيرة، ففي يوليو/تموز الماضي نشرت وسائل إعلام فرنسية عريضتين نُسبتا لعناصر من الجيش، وقَّعهما أزيد من 205 آلاف عسكري، بينهم جنرالات وضباط سامون لا يزالون في الخدمة. وقتها وصفت وزيرة الجيوش الفرنسية، فلارنس بارلي، مضامين تلك العريضتين بأنها "تستخدم خطاباً ومعجماً ودلالات تنتمي لليمين المتطرف" وتهدف إلى "تقسيم الأمة في وقت هي في حاجة ماسة للتكاتف في ما بينها".

وتضمنت العريضتان خطابات عنصرية ومعادية للمسلمين، كمثال تعبير أولئك الجنود عن "استعدادهم" لحماية البلاد مما ادعوا أنه "خطر الإسلامية وجحافل الضواحي (المأهولة في أغلبها بجالية مسلمة) الذين يحتلون قطاعات واسعة من أراضينا، ويخضعونها إلى دوغمائية مناقضة لما جاء به دستورنا". كما أنهم لن يبقوا "مكتوفي الأيدي" أمام "انعدام جرأة الحكام التي تقلقنا وتقلق عامة الشعب الفرنسي". مشددين على "الثقة في استجابة المؤسسة العسكرية لتطلعاتنا".

من زيمور إلى "أزور"

ويأتي اكتشاف هذه العملية في مناخ من الاستقطاب السياسي اليميني المتطرف الذي تعرفه البلاد مع اقتراب انتخاباتها الرئاسية. حيث سطع نجم الصحفي المثير للجدل، إيريك زيمور، كمرشح محتمل لخوض استحقاقاتها. وحصده شعبية كبيرة حسب ما تبرزه استطلاعات الرأي، متفوقاً على غريمته وصنوته اليمينية المتطرفة مارين لوبان. ومهدداً بإسقاط ماكرون من على عرشه وحرمانه من ولاية ثانية.

زيمور الوجه اليميني المتطرف البارز في الساحة الإعلامية الفرنسية، العنصري بشهادة القضاء الذي أدانه في مرتين، والمعادي الأشرس للمسلمين حيث يقدم نفسه كسد منيع أمام "مؤامرة تحويل فرنسا إلى بلد إسلامي" بحسب ما يدعي. يُعدّ كذلك الكاتب الملهم لجماعات الإرهاب الأبيض كما كشفت تحقيقات سابقة لموقع "ميديابارت".

وكشفت ذات التحقيقات كذلك أن جماعات الإرهاب الأبيض، مثل شبكة داييه، لم تعد وقائع معزولة بل ظاهرة واسعة تقودها عصابات منظمة ومنتشرة في كافة التراب الفرنسي. مضيفة على لسان رئيسة شُعبة مكافحة الإرهاب بمحكمة باريس، قولها: "كنا فيما مضى نتعامل مع إرهاب اليمين المتطرف باعتباره حالات فرديَّة، الآن نحن أمام مشروع إرهابي متطور جداً". وفي ذات السياق، أورد تقرير سابق لجريدة "Le Monde" أن إحدى الجماعات الإرهابية التي فُككت بفرنسا شهر مايو/أيار الماضي تتكون من 1000 عضو نشيط، وتبلغ دائرة تأثيرها إلى 2000 شخص.

هذا وتتهم بعض الفعاليات الحقوقية والسياسية الرئيس إيمانويل ماكون بتواطئه مع صعود اليمين المتطرف بالبلاد، بل ومساهمة سياساته في هذا الصعود. حيث إنها الآن "أمام يمين متطرف يُملي أجندته على الساحة السياسية الفرنسيَّة، بالتواطؤ الكليِّ لرأس السلطة وحكومته" يقول إيدوي بلينيل، الصحفي اليساري ومدير موقع "ميديابارت"، مضيفاً أنّ العنف الحاصل "ليس ارتداداً على استهتار السلطة مع هذا الخطر اليميني، بل ومنحه الشَّرعيَّة عبر شيطنة المعارضة اليساريَّة"، واستخدام وصف "الانعزالية" للتفرقة بين الفرنسيين على أساس الديانة، و"جعل المسلمين أكباش فداء للرهان السياسي".

TRT عربي
الأكثر تداولاً