خط أنابيب الغاز المغاربي-الأوروبي الذي يربط الحقول الجزائرية بالقارة الأوروبية مروراً بالمملكة (MoroccoWorldNews)
تابعنا

بعد شهور من الشكوك والتلميحات، أعلنت الجزائر رسمياً عدم رغبتها في تجديد عقد تصدير غازها نحو إسبانيا عبر أنبوب غاز "الأورو-مغاربي" عبر الأراضي المغربية، الذي ينتهي بحلول الأول من نوفمبر/تشرين الثاني. كان ذلك عبر أمر مباشر من رئيس البلاد عبد المجيد تبون، الذي علَّل ذلك بالخلافات بين بلاده والمغرب.

في المقابل يضع القرار الرباط أمام ضرورة البحث عن بدائل لسد النقص في وارداتها من الغاز التي كان الأنبوب يغطي 65% منها، حسب خبراء.

كما يأتي في خضمّ قلق إسباني من قدرة الجزائر على تلبية الطلب الإيبيري عبر أنبوبها الجديد "ميد غاز"، مع تزايد السباق الدولي على المادة الحيوية ودراسة إعادة توجيه أجزاء منه نحو المغرب عبر "الضخ العكسي" في الأنبوب الأول.

الجزائر تحسم قرارها!

وفق بيان الرئاسة الجزائرية، تَسلَّم الرئيس عبد المجيد تبون "تقريراً حول العقد الذي يربط الشركة الوطنية (سوناطراك) بالديوان المغربي للكهرباء والماء، منذ 2011 وينتهي في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2021، منتصف الليل". و"بالنظر إلى الممارسات ذات الطابع العدواني من المملكة المغربية تجاه الجزائر، التي تمسّ الوحدة الوطنية"، أمر رئيس الجمهورية مجموعة سوناطراك بـ"وقف العلاقة التجارية مع الشركة المغربية، وعدم تجديد العقد".

بهذا القرار حسمت الجزائر جدل استمرار أنبوب الغاز، المطروح منذ أشهر على طاولة النقاش العامّ في البلدين المغاربيين، بعدم التجديد نظراً إلى خيارات سياسية. فيما كانت المملكة تمسَّكت في وقت سابق عن رغبتها في "تجاوز الخلافات الثنائية، وبناء علاقات ثنائية مبنية على الثقة وحسن الجوار".

وكان وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب، لمَّح في أغسطس/آب الماضي، إلى نية بلاده عدم تجديد اتفاقية أنبوب الغاز مع المغرب، وذلك في لقاء له مع السفير الإسباني بالجزائر، أكد يه الوزير التزام بلاده التامّ تغطية جميع إمدادات الغاز الطبيعي نحو إسبانيا عبر أنبوب "ميدغاز" الذي يربطها مباشرة بإسبانيا عبر المتوسط.

وفي أول ردّ للمملكة على القرار الرئاسي الجزائري، أوردت القناة الثانية المغربي "2M" الأحد نقلاً عن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أنّه "لن يكون له حالياً سوى (تأثير ضئيل) على أداء نظام الكهرباء الوطني"، مؤكدة أن "المغرب اتخذ الترتيبات اللازمة لضمان استمرارية إمداد البلاد بالكهرباء، وأنّه تُدرَس حالياً خيارات أخرى لبدائل مستدامة على المديين المتوسط والطويل".

وسبق أن أوضح المغرب رغبته في تجديد عقد العمل بالأنبوب، كما أكّدت المديرة العامة "للمكتب الوطني للمحروقات" المغربي أمينة بنخضرة، قائلة إن "إرادة المغرب للحفاظ على هذا الخطّ لتصدير الغاز، جرى دائماً تأكيدها بوضوح وعلى جميع المستويات منذ أكثر من ثلاث سنوات"، كما دخلت الحكومة الإسبانية على خط الوساطة بين البلدين، ولم تستجب الجزائر لأي من تلك المطالبات.

ضخ عكسي وأسواق جديدة

نقلاً عن مصادر مغربية، أوردت وكالة "سبوتنيك" الروسية للأنباء تأكيدهم أن "المملكة استعدت لمثل هذا القرار في حال قررت الجزائر وقف تدفق الغاز من خلال الخطّ المارّ عبر أراضيها"، من بينها "التدفق العكسي" لواردات عبر نفس الأنبوب من إسبانيا نحو المغرب.

وأضافت الوكالة على لسان خبير الطاقة مهما بوزيان، أن "العقود بين الجزائر وإسبانيا والبرتغال ضمن عقود منفصلة وطويلة الأجل، وأن ملكية الغاز بعد التسلم تصبح لإسبانيا، بما يعني أنها حرة التصرف في الغاز"، مما يحول دون تدخل الجزائر في أي صفقة قد تجمع المغرب بالأطراف الأوروبية. في المقابل أكد موقع "Le 360" المغربي أن البلاد أجرت "مفاوضات سرية مع إسبانيا لإيجاد بدائل" تشارك فيها كل من وزارة الطاقة المغربية والمكتب الوطني للهيدروكربونات، والحكومة الإسبانية وشركتا "إيناغاز" و"نتورجي" الإسبانيتان للطاقة.

من ناحية أخرى، أضافت الوكالة أن المملكة استعدت لبدء استيراد الغاز عبر البواخر، إذ سيُنقَل ويُخزَّن، بإنشاء شركة مساهمة لهذا الغرض، سيتركز نشاطها الرئيسي في نقل الغاز إلى المغرب وتطوير شبكات نقل وصيانة وإصلاح البنية التحتية المتعلقة بنقل الغاز. وتتوجه أنظار المغرب، بالإضافة إلى جيرانها الإيبيريين، نحو أسواق غاز جديدة، مثل قطر والولايات المتحدة ونيجيريا.

البحث عن البدائل

على المدى المتوسط، يعوّل المغرب على مشاريعه الواعدة في مجال الطاقات البديلة من أجل توليد الكهرباء، مع الاستغناء التدريجي عن المحروقات في ذلك. فمنذ منتصف العقد الأول من سنوات 2000، أطلق المغرب برنامجاً ضخماً للتحوُّل في الطاقة جعله في ظرف عشر سنوات ينتقل من بلد يعاني عجزاً في الطاقة إلى بلد لديه فائض منها قُدر بنسبة 20% سنة 2020.

وحسب إحصاءات سنة 2020، أصبحت هذه الطاقات تلبي 42% من حاجات المغاربة من الكهرباء، ورُصد لها أن تصل إلى 52% بحلول 2030 باعتبار ارتفاع الطلب عليها ما بين 6% و7% سنوياً. ويتوفّر المغرب على محطات من هذا النوع يبلغ عددها 21، منها 8 لطاقة الريح، و11 للطاقة الهدروليكية، ومحطتان لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية، إحداهما محطة نور بمدينة ورزازات (جنوبيّ البلاد) هي الكبرى على مستوى العالم.

كما يعوّل على أنبوب "إفريقيا-الأطلسي" الذي يربط نيجيريا بأوروبا مروراً بـ11 دولة إفريقية، ومرَّ إلى المرحلة الثانية من الدراسية حسب تقرير أخير لوزارة الاقتصاد والمالية المغربية. وقالت الوزارة في تقرير إنه يجري حالياً إحداث شركة تابعة للمكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن ستعمل على تدبير وتطوير البنيات التحتية الوطنية للغاز عموماً، بخاصة خط أنابيب الغاز "المغرب-أوروبا"، على رأسها الأنبوب النيجيري.

في ذات السياق أكّد وزير الطاقة النيجيري تميبري سيلفا، عزم بلاده على إنجاز مشروع خط "إفريقيا الأطلسي"، المُعَدّ للتصدير نحو أوروبا. كما أعلن المدير العامّ لمؤسسة البترول الوطنية النيجيرية يوسف عثمان، أن حكومة بلاده "استكملت خطط تجسيد هذا المشروع الكبير الذي سيمر عبر مسار خط أنابيب الغاز لغرب إفريقيا القائم، وستستفيد منه عدة دول في القارة".

قلق إسباني

يأتي القرار الجزائري بوقف العمل بأنبوب "الأورو-مغاربي" في وقت يسود فيه القلق الأوساط الإسبانية من عدم قدرة البدائل الجزائرية على الإيفاء بحجم صادراتها المتعاقد عليه مع ازدياد الطلب العالمي على الغاز وتزايد مخاوف شتاء بارد ستعرفه أوروبا. هذا ما كشفت عنه جريدة "أوكي دياريو" الإسبانية في تقرير لها، بأن "تزايد الطلب الإسباني على الغاز لا يزال يطرح مخاوف من انقطاعات محتملة".

وقالت الجريدة المذكورة، نقلاً عن أرقام شركة "إنغاز" الموزع الأول للمادة بالمملكة الإيبيرية، قولها إن "الطلب على الغاز شتاء هذه السنة من المحتمَل أن يزيد بنسبة 22-25.5% على سابقه السنة الماضية"، يُضاف هذا إلى انحسار صادرات الغاز الجزائري بـ35% نظراً إلى وقف أنبوب "المغرب العربي-إفريقيا" الذي كان يورد نحو 13.5 مليار متر مكعب في السنة مقابل 8 مليارات متر مكعب بالنسبة إلى أنبوب "ميدغاز".

وزار وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، الجزائر نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي. وصرّح عقبها بأن "بلاده تلقّت تطمينات من السلطات الجزائرية بشأن استمرار إمداد مدريد بموارد الطاقة الجزائرية".

وسعت الحكومة الإسبانية طوال الفترة الماضية للتوسط بين المغرب والجزائر لاستمرار العمل بأنبوب "الأورو-مغاربي"، آخره محاولة وزيرة الانتقال الإيكولوجي والتحدي الديموغرافي ريبيرا تيريزا، التي "فشلت" في إقناع الجزائر بتغيير خططها، حسبما أوردت جريدة "ABC" الإسبانية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً