تابعنا
هي آلة موسيقية خاصّة بالنساء. صوتٌ لهموم الشعب الموريتاني، وذاكرة للحرب والسلام. تحمل مشاعر السعادة والحزن والانتصار والانكسار. تعرّف على آلة آردين الموسيقية.

نواكشوط ــــ الموسيقى الموريتانية ليست مجرَّد عزف وغناء، بل ذاكرة لأيام الحرب والسلام، وتاريخ مليء بالفرح والطرب والدم والحب والخيبة والنصر والانكسار، ولم تعرف هذه الموسيقى الكتابة العملية قديماً، وما زالت غير مكتوبة إلى اليوم، وكل المتوافر عنها حكايات شفوية متوارَثة وبعضها متواتر.

كما أن هذه الموسيقى تُعَدّ مزيجاً من الموسيقى الإفريقية والعربية والأندلسية والصنهاجية والإسلامية، تداخل بعضها مع بعض على مرّ التاريخ في هذه البلاد لتشكِّل هُويّتها الخاصة.

آردين.. للنساء فقط

للموسيقى الموريتانية خصوصيتها في الغناء والعزف، فهي تتقاطع بشكل محدود فقط في لحنها وعزفها مع الموسيقى المغاربية والإفريقية، هذا في نفس الوقت الذي يستخدم فيه الفنان الموريتاني آلات موسيقية تقليدية يستخدمها الفنانون الأفارقة في بلدان مجاورة كآلة "التيدنيت" التي يعزفها الرجال، بينما تعزف النساء آلة موسيقية تسمى "آردين"، وهي حصرية لهن.

وتُعتبر آردين الآلة الموسيقية الأغنى وتريّاً، ويشكّل عزفها تحدّياً كبيراً، فهي بحاجة إلى الخبرة الكافية لاستخدامها واستنطاق جميع أوتارها الطربية العذبة، وتتكون هذه الآلة من قدح كبير يُصنع من الخشب، وتركَّب به عصاً طويلة أفقية، ويُقسَم القدح إلى نصفين، ثم تُشَدّ الأوتار بين العود والقدح عن طريق مفاتيح تُرَكَّب بالعمود لضبط الصوت والتنقل بين المقامات، ويغطَّى القدح الدائري بالجلد ليُستخدم كطبل، فتغني الفنانة وتعزف الأوتار وتضرب الدف في نفس الوقت.

وتُصنَع آردين محلِّيّاً على يد الصناع التقليديين، وكانت أوتارها قديماً تؤخذ من ذيل الخيل قبل اكتشاف ووصول الأوتار الموسيقية المعروفة اليوم.

وتقول الفنانة الموريتانية كرمي بنت آبه لـTRT عربي، وهي الفنانة الأكثر جمهوراً اليوم في موريتانيا، إن آلة آردين تتميز من غيرها من الآلات الموسيقية الأخرى بأنها جامعة لكل الأوتار والمقامات.

وتعتبر بنت آبه أن من بين ما يميز آردين أنها آلة موسيقية نسائية، لا تعزفها إلا النساء الفنانات، وأنها آلة إفريقية في أصلها، لكنها اندثرت في الأماكن الأخرى ولم تبقَ إلا في موريتانيا.

وتضيف بنت آبه أن الفنانة الموريتانية لا يكتمل فنها إلا إذا كانت تتقن عزف آردين، كما لا يمكن للفنانة أن تتسلطن إلا إذا عزفتها، فعزف آردين، كما تضيف بنت آبه، ملهم ويجعل العازفة المطربة تغني أجمل ما عندها.

آردين تراث موريتاني

وتعتبر الفنانة الموريتانية نورة بنت سيمالي، وهي ابنة أسرة من أعرق الأسر الموريتانية الفنية، وتَربَّت في المدرسة السيمالية المعروفة في موريتانيا، أن آردين آلة موسيقية لا توجد إلا في التراث الموريتاني، وتكفي هذه الآلة وحدها لإقامة حفل موسيقي نظراً إلى غناها الوتري وإمكانية استخدامها كطبل في نفس الوقت.

وتؤكّد بنت سيمالي أنها كفنانة موريتانية لا يمكن أن تتخلى عن آردين، كما لا يمكن أن تتخيل أن فنانة موريتانية يمكنها أن تجود بما لديها من دونها، فهي بالنسبة إليها جزء من هُويّتها وانتمائها وتاريخ أجدادها الفني والموسيقي.

الغناء والفنّ خاص بفئة "إيكاون"

رغم أن التقاليد الموريتانية خصّصَت آلة آردين من بين الآلات الموسيقية للمرأة حصراً، فإن الغناء والعزف كذلك حصري لفئة "إيكاون"، أي فئة الفنانين، وهم وحدهم من يمتهنه، وتتوارثه أجيالهم جيلاً بعد جيل، ولا يحقّ لأي فرد أو جماعة من فئة أخرى غير فئة إيكاون أن تعزف أو تغني، وإلا فقدت خصوصيتها التاريخية في المجتمع.

ويُعتبر إيكاون سَدَنة هذا الفن وخُدَّامه وحَفَظته، ورغم ظهور بعض المغنِّين مؤخَّراً في البلاد من غير هذه الفئة، فإنهم ما زالوا نشازاً، ويواجهون رفض المجتمع لمزاولتهم هذا الفن، وإن كان ذلك بشكل متفاوت عند سكان المدن الكبرى.

آردين.. ذاكرة أيام الحرب والسلام

خلّدَت الموسيقى الموريتانية أيام الحرب والسلام في التاريخ الموريتاني المليء بالحروب القبلية، وأيام السلام الهش الذي عرفته المنطقة قبل قيام الدولة المركزية، كما خلدت هذه الموسيقى قصص الحب والانتصارات والانكسارات وقوة وسلطة شخصيات تاريخية لها رمزيتها في الموروث الموريتاني.

فهذه الموسيقى مخصَّصة في كل مقام منها لحالة معيَّنة، ففي حالة الحرب يغنِّي الفنان على إيقاع آلته تجشيعاً وحماساً للمحاربين، ويتغنى ببطولاتهم وشجاعتهم، بينما هناك مقامات أخرى بعضها للنسيب والأطلال والحب والوله والهيام والتصوف والمديح.

وفي التقاليد الموريتانية تُعتبر معرفة هذا الفن والاطّلاع على تفاصيله من شيم الفتوّة، كما يُعتبر الفنان شخصية يجب احترامها وتقديرها والبذل لها، وتُعتبر حمايته وتوفير مطالبه جزءاً من القيم النبيلة ومسألة شرف.

آردين بين الأصل الإفريقي والفرعوني

يعتبر بعض الباحثين في التراث الموريتاني أن الآلات الموسيقية التقليدية الموريتانية جُلبت من مصر، وقد عرفته الأسرة الفرعونية الأولى، وهو شبيه في رأيهم بآلة الصنج أو الهارْب القديمة، وهو رأي لا يعضّده كثير من الأدلة البحثية.

ويعتبر موسيقيون وباحثون آخرون في المجال أن آردين آلة موسيقية إفريقية الأصل، وقد تَطوَّرَت مع الزمن في هذه المنطقة حتى استقرت على شكلها الحالي، ويضيف آخرون أن في الدول الإفريقية المجاورة لموريتانيا آلالات موسيقية شبيهة بهذه الآلة.

تقديراً لهذه الآلة الموسيقية الضاربة في عمق التاريخ والأصالة الموريتانية، أطلق بعض الفنانات والنشطاء مهرجاناً سنويّاً خاصّاً بهذه الآلة، يستمرّ عدة أيام وسط عزفها والإبداع في استخدامها.

ويقول القائمون على هذا المهرجان السنوي الموسيقي إنهم يسعون للتعريف بآردين ونفض الغبار عنها، وإعطائها المكانة اللائقة بها، باعتبارها آلة لها تاريخها في الثقافة الموسيقية الموريتانية.

خلّدَت الموسيقى الموريتانية أيام الحرب والسلام في التاريخ الموريتانيالمليء بالحروب القبلية، وأيام السلام الهش الذي عرفته المنطقة قبل قيام الدولة المركزية (Getty Images)
تُصنَع آردين محلِّيّاً على يد الصناع التقليديين، وكانت أوتارها قديماً تؤخذ من ذيل الخيل قبل اكتشاف ووصول الأوتار الموسيقية المعروفة اليوم (Getty Images)
ترى الفنانة الموريتانية نورة منت سيمالي أن آردين آلة موسيقية تكفي وحدها لإقامة حفلٍ موسيقي نظراً لغناها الوتري (Getty Images)
تُعتبر آردين الآلة الموسيقية الخاصة بالنساء والأغنى وتريّاً، ويشكّل عزفها تحدّياًكبيراً، فهي بحاجة إلى الخبرة الكافية لاستخدامها واستنطاق جميع أوتارها (Getty Images)
TRT عربي