تابعنا
تسلمَتْ الجهات المعنية في الحكومة الفلسطينية، أخيراً، نسخةً من الأرشيف العثماني الذي يوثّق الحقبة التاريخية التي تقلدت فيها الدولة العثمانية حكم فلسطين، وذلك بعد مطالبات بالحصول على نسخة منه منذ مدة طويلة.

أحد المسؤولين الذين وقفوا على تسليم نسخة الأرشيف الإلكتروني، حنا عيسى، أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية، وكان طالب بالحصول عليها سريعاً، لأن هذا الأرشيف يمثّل أهمية بالغة للفلسطينيين، "إذ يمكنهم استخدامه في تعريف الأراضي الفلسطينية، وتأكيد ملكيتهم لممتلكاتهم من أراضٍ وغيرها، لتكون أدلة دامغةً في المحاكم الدولية على ملكيتهم لها، وحتى لا تتمكن الحكومة الإسرائيلية من التحجُّج بعكس ذلك، تحت ستار ومزاعم أنّ هذه الأراضي ملك دولة مثلاً، وأن لا تعتمد في سنداتها على القانون العثماني سنة 1858 الذي قسّم الأراضي الفلسطينية إلى مملوكة ومتروكة ووقفية وموات وأميرية، أي إنها أراضي دولة، فتتمكن من الاستيلاء عليها".

هذه الخطوة كانت منتظَرة منذ فترة طويلة، وتقع ضمن الخطوات الأساسية المهمة التي تسعى لها الجهات المعنية لإثبات حق الفلسطينيين بأراضيهم.

مخاوف من ردّ فعل إسرائيلي عنيف على الأرشيف

إنّ قيمة الأرشيف العثماني تتمثل في كونه صكّاً قانونيّاً شرعيّاً، وسند تسجيل للأراضي الفلسطينية، "فكل قطعة أرض لها طابو عثماني هي أرض لا يمكن مصادرتها أبداً، فما يُمكن مصادرته من الأراضي هو فقط الأراضي غير المسددة وغير المُفتلحَة" وهذا الأمر يعني أنّه إذا طُبّق القانون العثماني على الأراضي الفلسطينية المُستولَى عليها من الاحتلال الإسرائيلي فإنّه سيثبت أحقية مالكيها الفلسطينيين فيها وضرورة إعادتها إليهم.

مخاوف شديدة تظهر في الأفق يلمّح إليها المسؤولون عن الأرشيف، ومنهم عائد مرار، مدير عامّ الدائرة القانونية في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، من ردّ فعل إسرائيلي لا يُحمد عقباه لمهاجمة الأرشيف العثماني، مشيراً إلى محاولة المعنيين من مركز إحياء التراث وسلطة الأراضي والهيئة النأي بهذا الموضوع عن الإعلام، لأهميته ولمخاوف من محاولة الاحتلال منع نشر أو استخدام الأرشيف، أو حتى مصادرته.

هل يمكن أن تعيد هذه الوثائق حُجَج وحقوق للفلسطينيين؟

إنّ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ثابت وفق منظومة القانون الدولي كلها، وكل ما هو متعارف عليه من المجتمع الدولي على مدار السنوات الماضية وفقاً لقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن وكل وكالات الأمم المتحدة، ووفقاً لاعتراف كل دول العالم، وفتوى أهم جهة دولية وهي محكمة العدل الدولية، فكلها تعترف باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية، تحديداً ما يتعلق بالأراضي التي احتُلت عام 1967. "الفائدة من الأرشيف والوثائق العثمانية تمثّل أهمية بالغة، ليس من ناحية إثبات الاحتلال، وإنما من ناحية إثبات الملكيات الفردية للفلسطينيين في ما يتعلّق بالأراضي والأوقاف، سواء في الأراضي التي احتلّت عام 67 أو أراضي 48".

وقف كثير من الحقوقيين عند أهمية هذه الوثائق من الجانب القانوني، لا سيما في المحافل الدولية والمحاكم الدولية التي تتعامل مع هذه الوثائق. إحسان عادل المستشار في القانون الدولي والتنمية الدولية رحّب بهذه الخطوة التي مثّلت خطوة تركيةً مهمّة جدّاً للحالة الفلسطينية بشكل عامّ. "لأننا نتحدث عن أرشيف يوثّق فترة هامة جدّاً (1516-1917م)، وهي الحقبة السابقة مباشرة للانتداب البريطاني على فلسطين الذي بدأ كاحتلال ثم تحول إلى انتداب حلّ مكانه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أي نتحدث عن فترة على تماسّ مباشر لما قبل قيام (إسرائيل)".

خطوة في مواجهة الاستيطان

يمكن الاستناد إلى هذه الوثائق "في فكرة إثبات استيلاء إسرائيل على أراضٍ لها مالكون، ما يُعد سرقة، وكذلك في تأكيد فكرة الاستيطان الممنهج الذي يتبعه الاحتلال، وأيضاً استخدامها لإثبات محاولة إسرائيل تغيير الديموغرافيا والتركيبة السكانية في فلسطين منذ فترة الانتداب البريطاني، بما يُوقِع بريطانيا في مساءلة هي أيضاً كالاحتلال الإسرائيلي".

كثيرٌ من الأراضي تملّكته إسرائيل عَنْوةً تحت مزاعم شرعية، ووضعت يدها عليها مدعيةً أنها أراضي دولة لأنه ليس لها مالكون بعد تهجير الفلسطينيين وتفريغها منهم، ومن هذا الباب تستند إلى ملكيتها كثيراً من هذه الأراضي المحتلة. والأرشيف يوثق عملية تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ثم الاستيلاء عليها وتغيير ملامح هذه الأراضي وتركيبها كاملاً بعد ذلك.

هذا الأرشيف لدولة، بمعنى أنّه يشمل ليس فقط مسائل العلاقات الخارجية والأوامر العسكرية والسياسية والمراسلات الدبلوماسية، بل وكل ما يتعلق بأمور الناس وشؤونهم من التعليم والصحة والإحصاءات السكانية والضرائب وأسماء العائلات، أي إنّه يمثّل المشهد الديمغرافي في فلسطين على العموم، أي إنها كنوز حقيقية للتاريخ الفلسطيني قبل عام 1917. وهذه خطوة مهمة جدّاً في المحافظة عليها ويجب أن ينبني عليها كثير فلسطينيّاً.

والوثائق تشمل كثيراً من المستندات، وما يسمى "الحجج الشرعية" الخاصة سواء بالأوقاف الإسلامية مثل المساجد والحمامات والأراضي الوقفية، وأراضي الطابو، أي الأملاك العمومية في فلسطين، بما سيثبت الأحقية الخاصة للفلسطينيين في كثير من الأماكن والأراضي الفلسطينية على عكس ما تدّعي إسرائيل.

من هذا الباب على السلطة أو الجهات المسؤولة في الدولة الفلسطينية تجاه هذا الأرشيف التاريخي خطوات أبرزها إتاحته للعموم، وبشكل أساسي للباحثين، وتشكيل فريق لترجمة هذا الأرشيف المهمّ، وتفعيل دور الجامعات لإجراء أبحاث على هذا الأرشيف، وتوفير منح لحَثّ الباحثين على العمل عليه، وكذلك تشجيع دراسة اللغة التركية التي دُوّن بها الأرشيف، ودراسة تاريخ الدولة العثمانية في فلسطين، لتسهيل عملية التعامل مع الأرشيف بشكل أكبر، ومن هنا يتيسَّر توثيق هذه الحقبة بشكل كبير من خلال الاستناد إلى كتب أكاديمية واضحة توثّق تلك الحقبة، إلى جانب ما يحتوي عليه الأرشيف من معلومات وبيانات وحقائق.

وبالنسبة إلى المجال القضائي فإنه أيضاً يجب توفيرها للمحامين والقضاة والحقوقيين، لقراءتها والاطلاع عليها، ومعرفة ما يمكن الاستفادة منه في وقته للحفاظ على الحقوق الفلسطينية المُستلَبة.

وقف كثير من الحقوقيين عند أهمية هذه الوثائق من الجانب القانوني، لا سيمافي المحافل الدولية والمحاكم الدولية التي تتعامل مع هذه الوثائق (TRT Arabi)
الأرشيف يوثق عملية تهجير الفلسطينيين من أراضيهم ثم الاستيلاء عليها (TRT Arabi)
إذا طُبّق القانون العثماني على الأراضي الفلسطينية المُستولَى عليها من الاحتلال الإسرائيلي فإنّه سيثبت أحقية مالكيها الفلسطينيين (TRT Arabi)
يمكن استخدام هذه الوثائق لإثبات محاولة إسرائيل تغيير الديموغرافيا والتركيبة السكانية في فلسطين منذ فترة الانتداب البريطاني (Getty Images)
إنّ قيمة الأرشيف العثماني تتمثل في كونه صكّاً قانونيّاً شرعيّاً، وسند تسجيل للأراضي الفلسطينية (Getty Images)
TRT عربي