تابعنا
موجات البرد والأوضاع المعيشية المتردية في الشمال السوري فاقمت معاناة النازحين، وأدّت إلى وفاة أطفال لم تحتمل أجسادهم الصغيرة تبعات النزوح وزمهرير الشتاء.

ينزح كلّ يوم آلاف ﺍلمدنيين ﺍلسوﺭيين جرﺍﺀ استمرار ﻫجوﻡ ﺍلنظاﻡ ﺍلسوﺭﻱ مدعوماً بالطيران الحربي الروسي على أرياف ﺇﺩلب وحلب بهدف السيطرة عليها، ويعاني ﻫؤلاﺀ ﺍلهاﺭبوﻥ قرﺏ ﺍلحدﻭﺩ ﺍلتركية من ﺍلقصف ﻭﺍلبرﺩ ﺍلقاﺭﺱ، إذ باتت مخيماﺕ ﺍلنزﻭﺡ ﺍلمؤقتة في الشمال السوري مكتظةً بالناﺯحين ﻭكذلك مراكز الإيواء وﺍلمساجد ﻭﺍلمدﺍﺭﺱ ﺍلتي فتحت ﺃبوﺍبها لتوفير ﺍلماﻭﻯ ﻵلاﻑ ﺍللاجئين، ﻭلم يعُد للفارين مكاﻥ يؤويهم من جحيم ﺍلقصف.

أطفال إدلب يموتون برداً

في صباح الثالث عشر من شهر فبراير/شباط من العام الحالي وصل والد الطفلة إيمان ليلى إلى مستشفى عفرين يحمل طفلته بين يديه، وبعد أن فحصها الأطباء تَبيَّن أنها جثة هامدة، إذ كانت الصغيرة متجمّدةً من شدة البرد.

إيمان ليلى التي تبلغ من العمر عاماً ونصفاً هي ﻭﺍحدةٌ من تسعِ حالات وفاة في المخيمات نتيجة البرد والحروق والاختناقات، في ظلّ استمرار موجات النزوح للمدنيين من أرياف إدلب وحلب، حيث يأتي برد الشتاء في ﺃسوﺃ ﻭقت ممكن، مترافقاً مع أكبر موجة نزوح تشهدها الحرب السورية منذ اندلاعها.

الطبيب حساﻡ عدنان العامل في مستشفى بالقرﺏ من ﺍلحدﻭﺩ ﺍلتركية، قال لـTRT عربي: "والد إيمان حمل طفلته لمدﺓ ساﻋتين ﻭﺃحضرها إلى المستشفى، قبل ﺃﻥ يكتشف ﺃنها فارقت الحياة".

ﻭﺃضاﻑ ﺍلطبيب: "لقد ﺃﺻيبت ﺍلطفلة بنزلة برﺩ، ﻭﻋندما ﺍستيقظت في ﺍلصباﺡ ﻭجد أهلها حرﺍﺭتها منخفضة، فأحضرﻫا والدها ﺇلى ﺍلمستشفى، لكنها توُفّيَت في ﺍلطريق، ﻭالتشخيص الواضح ﺃﻥ ﺍلسبب ﺍلرئيسي لوفاتها ﻫو ﺍلطقس ﺍلباﺭﺩ"، مؤكداً أن ﻭﺍلدﻫا حين وصل بها ﺇلى ﺍلمستشفى كاﻥ يعانقها بشدﺓ ﻭكاﻥ من ﺍلصعب أخذها منه.

كذلك قضى ﺍلطفل ﻋبد ﺍلوﻫاﺏ‏ (6 ﺃشهر‏) بسبب ﺍلبرﺩ، بعدما لجأ مع ﺫﻭيه ﺇلى مخيم أطمة في ﺭيف ﺇﺩلب ﺍلشمالي من مدينة خان شيخوﻥ ﺍلتي ﻫجّرتهم منها قوﺍﺕ ﺍلنظاﻡ منتصف ﺍلعاﻡ ﺍلماضي".

أكرم المصطفى، مدير تجمُّع مخيمات المعرة وسراقب، يتحدث لـTRT عربي عن معاناة النازحين بقوله: "تتفاقم معاناة النازحين في مخيمات إدلب، ﺇﺫ تفتقر ﺧيامهم ﺍلتي ﺃقيمت ﻋلى ﻋجل إلى مستلزماﺕ ﺍلتدفئة في ﻇلّ شحّ ﺍلمساﻋدﺍﺕ ﺍﻹنسانية، فضلاً ﻋن ﺍلتهديد ﺍلذﻱ باﺕ يشكّله ﺍقترﺍﺏ قوﺍﺕ ﺍلنظاﻡ من مخيماتهم، في حين لا يبدﻱ أحد أﻱ اهتمام بهم".

ويضيف: "أصبح ﺍلوضع ﺃكثر قسوﺓ في المخيمات في ﻇلّ البرد، إذ لم تصمد ﺍلخياﻡ ﺍلبدﺍئية ﺃماﻡ قوﺓ ﺍلرياﺡ، علماً بأن معاناة النازحين لا تتوقف على انعدام وسائل ومقومات الحياة الضرورية، إذ بات معظمهم لا يعلم إلى أين يتجه، فأينما اتجه وجد الطيران الروسي وصواريخ نظام الأسد تلاحقه، كأن الموت فُرض عليهم بعد وصول نظام الأسد إلى مناطق قريبة من الحدود التركية".

ويبيّن المصطفى أن الخيمة أصبحت حلماً لدى كثيرين، مما دفع البعض إلى السكن في المقابر والكهوف، وكذلك المعاناة من انعدام مقومات الحياة في بعض المخيمات من ماء وخبز.

وسائل التدفئة البديلة

لا يملك ﺍلنازحون في إدلب ﺃﻱ بدﺍئل من ﺍستخدﺍﻡ ﺍلوقوﺩ ﺍلمكرَّﺭ ووسائل التدفئة البديلة ﺭغم تكرﺍﺭ حوﺍﺩﺙ ﺍلحرﺍئق في ﺍلمخيماﺕ ﻭفي مناﺯﻝ ﺍلمدنيين، بسبب غلاﺀ ﺃسعاﺭ ﺍلوقوﺩ ﺍلنظامي ﺍلمستوﺭﺩ، ﻭﻋدﻡ قدﺭتهم ﻋلى تحمل ﺃﻋباﺀ تكاليفه، ﺇضافة إلى غلاﺀ ﺃسعاﺭ ﺍلحطب للتدفئة ﻭقلته، إذ يُضطرُّﻭﻥ إلى استخدﺍﻡ ﺍﻷنوﺍﻉ ﺍلرﺩيئة من ﺍلوقوﺩ ﻭتعريض حياتهم للخطر، كما شرﻉ ﺍلناﺱ بحرﻕ ﺍلملابس ﻭالإطارات ﻭﺍﻷكياﺱ ﺍلبلاستيكية بحثاً ﻋن ﺍلدﻑﺀ.

حالات احتراق عديدة للخيام والأهالي شهدتها مخيمات النزوح، منها مخيم الضياء في بلدة كللي بريف إدلب الشمالي الذي شهد فاجعة بتاريخ 11 شباط/فبراير، حين قضت ﻋائلة كاملة مؤلَّفة من ﺃﺏ ﻭﺃﻡ وطفلتين إثر اختناقهم ﺩﺍﺧل خيمتهم ﻭهم نياﻡ، بسبب سوﺀ ﺍلموﺍﺩ ﺍلمستخدمة في ﺍلتدفئة.

مخلص أبو حسن مدير المخيم يتحدث لـTRT عربي عن وفاة أفراد الأسرة قائلاً: "مصطفى حماﺩﻱ ﻭﺯﻭجته ﻭﺍبنتاه ﻫدﻯ وحور ﻭﺍفتهم ﺍلمنيَّة في المخيم إثر اختناقهم ﺩاخل ﺍلخيمة ﺍلبدﺍئية، بسبب استخدام مادة الفحم للتدفئة".

ويضيف أبو حسن: "يُمضِي مئاﺕ ﺍلناﺯحين لياليهم ﻭﺃيامهم في ﺍلعرﺍﺀ، بسبب ﻋدﻡ توافر ﺍلمأﻭﻯ ﺃﻭ حتى ﺧيمة ﺩﺍﺧل مخيم، مع تزﺍيد ﺃﻋدﺍﺩ ﺍلناﺯحين إثر ﺍلهجماﺕ ﺍلتي يشنّها ﺍلنظاﻡ ﻋلى ﺭيفَي حلب ﻭﺇﺩلب، كما يلجأ الأهالي في التدفئة إلى ﻭسائل بدﺍئية (مثل ﺃكياﺱ ﺍلنايلوﻥ - ﺍﻷحذية ﺍلقديمة - ﺍلبيرين - ﺍلفحم‏)، بهدف تأمين ﺍلدﻑﺀ لأولادهم وعائلاتهم".

ﻭﺃﻭضح ﺃﻥ "ﺍستخدﺍﻡ مثل تلك ﺍلوسائل ﺍنعكس سلباً ﻋلى صحتهم، بخاصة ﺍﻷﻃفاﻝ، بسبب ﺍلرﺍئحة ﺍلتي تنتج ﻋن ﺇشعالها، فزﺍﺩﺕ ﺍﻷمرﺍﺽ، منها الربو وﺍلتهاﺏ ﺍلقصباﺕ وغيرهما".

أبو خالد ناﺯﺡ من ريف سراقب يقيم في مخيماﺕ دير حسان شمالي ﺇﺩلب، ليست حاله ﺃفضل، ﺇﺫ يرسل ﺃﻃفاله يوميّاً لجمع إطارات السيارات القديمة وﺍلعيدﺍﻥ ﻭﺍلنايلوﻥ ﻭﺍلفلين لتشغيل ﺍلمدفاﺓ، ﻭيوضح لـTRT عربي ﺃﻥّ مخاطر ﺍستخدﺍﻡ ﺍلنايلوﻥ ﻭﺍلبلاستيك لا تقتصر ﻋلى ﺍلجانب ﺍلصحي، بل تتعدﺍﻩ إلى احتماﻝ ﺍشتعاﻝ حريق ﺩﺍﺧل خيمته في اﻱ لحظة، لكنه يعجز عن تأمين ثمن المحروقات لتدفئة أطفاله.

قطاع صحي واهن

موجاﺕ ﺍلنزﻭﺡ ﺍلمتلاحقة تترافق مع ضعف ﺍلمؤسساﺕ ﺍلطبية ﻭﺍنتشاﺭ ﺍﻷمرﺍﺽ ﺍلموسمية، ﻭﻋدﻡ توﺍفر ﺃماكن ياﻭﻱ ﺇليها ﺍلمهجّرﻭﻥ، إذ بات ﺍلقطاﻉ ﺍلصحي غير قاﺩﺭ ﻋلى ﺍستيعاﺏ ﺍﻷﻋدﺍﺩ ﺍلهائلة من ﺍلناﺯحين، باعتبار ﺍلمرﺍكز ﺍلصحية ﺍلموجوﺩﺓ في ﺍﻷساﺱ مرﺍكز مهياﺓ بموﺍﺭﺩ محدﻭﺩﺓ لسكاﻥ ﺍلمنطقة ﺍﻷﺻليين.

الطبيب أنس الدغيم رئيس دائرة الرعاية الأولية في مديرية صحة إدلب يتحدث لـTRT عربي عن أسباب تدهور القطاع الصحي بقوله: "في ظل الحملة العسكرية الأخيرة لنظام الأسد على مناطق إدلب تضاعفت العوائق والتحديات في وجه هذا القطاع الخدمي رغم أهميته، فمعظم ﺍلمرﺍكز ﺍلطبية ﻭﺍلمستشفياﺕ ﺍلتي كانت في ﺍلمناﻃق ﺍلتي سيطر ﻋليها ﺍلنظاﻡ ﺃﺧيرﺍً جرﻯ ﺇغلاقها، كما نُقل بعضها ﺇلى ﺃماكن ﺃﺧرﻯ، مما ﺃضعف ﺍلخدماﺕ ﺍلتي تقدّمها".

ويبين الدغيم ان المنشآت الطبية بشكل عامّ تعاني قلة الكوادر الطبية وتَقلُّص الدعم، والاستهداف الممنهج من نظام الاسد وحلفائه، وزيادة الضغط على المراكز الطبية بريف إدلب الشمالي التي باتت بدورها غير قادرة على ﺍستيعاﺏ ﺍﻷعداد ﺍلهائلة من المرضى ومصابي الحرب".

ويتابع الدغيم: "ﺍلظرﻭﻑ ﺍلصحية ﺍلسيئة تنعكس حتماً بشكل سلبي ﻋلى حياﺓ ﺍلناﺱ ﻭﺻحتهم، إذ تنتشر الامراض التنفسية والجلدية على نطاق واسع، خصوصاً بين النازحين".

في ظل ظروف إنسانية صعبة يعيش آلاف النازحين من إدلب، حيث يفقد ﺍلناﺱ بيوتهم ﻭيتعرﺽ ﺃﻃفالهم للقتل بسبب ﺍلقصف ﺃﻭ ﺍلموﺕ ﺃماﻡ أعينهم بسبب ﺍلبرﺩ ﺭغم محاﻭلاتهم ﺍليائسة لتوفير ﺍلدﻑﺀ بوسائل التدفئة البديلة التي لا تخلو من المخاطر والأمراض.

انخفاض درجات الحرارة يزيد من معاناة النازحين (TRT Arabi)
الدخان المنتشر في أحد أزقة مدينة حارم التابعة لإدلب يمكن أن يؤدي إلى اختناق الأطفال (TRT Arabi)
تدهور القطاع الصحي بسبب استهداف المنشآت الطبية (الصورة لمستشفى الشامي في أريحا) (TRT Arabi)
الثياب المستعملة وسيلة للتدفئة رغم المرض (TRT Arabi)
كل شيء قابل للاحتراق من أجل تدفئة الأطفال حتى لا يموتوا بردا (TRT Arabi)
TRT عربي