تابعنا
ما أن انتهت أعياد الميلاد والاحتفالات بالسنة الميلادية 2020، حتى انطلقت احتفالات جديدة وفريدة يقيمها سكان شمال إفريقيا الذين يحتفلون بالسنة الأمازيغية الجديدة 2970.

يخلّد الأمازيغ فاتح السنة الأمازيغية يومي 12 و13 من شهر يناير/كانون الثاني من كل سنة، إذ يعد الاحتفال بـ"إيض ينّاير"، على الرغم من انحصاره جغرافيا بين مناطق شمال إفريقيا، تقليداً راسخاً ومتجذراً في ثقافة الشعوب الأمازيغية وهويتها.

ويحتفل المغاربيون بحلول العام الأمازيغي الجديد، بتنظيم أشكال ومظاهر احتفالية خاصة، تنتصر للتقاليد الأمازيغية وتُحييها، إذ يجري إعداد الأطباق الشهية والرقص على أنغام وأهازيج شعبية وحضور الأنشطة والفاعليات الثقافية والفنية التي تنظمها الهيئات الحكومية والفاعليات المدنية المدافعة عن القضية الأمازيغية، كذلك فإن هذه الاحتفالات لا تقتصر فقط على المتحدثين باللغة الأمازيغية بل على غير الناطقين بها أيضاً.

احتفاء بالأرض والحكم

يرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية بحدثين، من جهة، تنظيم المواسم الزراعية، إذ يُحتفَل بالأرض والفلاحة، وتذهب طقوسه للاحتفاء بخصوبة الأرض والامتنان لها، وتمني أن تتميز السنة الجديدة بالخصب والغلة الوفيرة.

"خلال رأس السنة يعمد الأمازيغ إلى إعداد وجبات بخيرات الأرض المتنوعة، للإشارة إلى الترابط العفوي الطبيعي بين الساكنة وأرضهم"، يقول الباحث في اللغة الأمازيغية عبد الله بوشطارت، مضيفاً أن "الأرض مقدسة لدى الأمازيغ والزراعة ثقافة وممارسة يومية، لكون الحضارات الأمازيغية التي عاشت بشمال إفريقيا زراعيّة أساساً".

من جهة ثانية، يعود التحقيب المتعلق بـ2970 سنة إلى التأريخ لحدث تربُّع الملك الأمازيغي (شيشونغ الأول Sheshonq) على هرم سلطة مصر القديمة (950 سنة قبل الميلاد)، إذ أسس الأسرة الثانية والعشرين من السلالة الفرعونية، ونظراً إلى ما يعكسه هذا الحدث من ثقل تاريخي ورمزي للحضور الأمازيغي بشمال القارة، وقع الاختيار عليه بين المؤرخين والأنثربولوجيين الأمازيغ ليكون بداية للتحقيب للتقويم الأمازيغي.

طقوس خاصة

العادات الاحتفالية بـ"إيض ينّاير" بين إيمازيغن (الأمازيغ)، تتنوع وتختلف من منطقة إلى أخرى بشمال إفريقيا، غير أنها تتقاطع جلّها في التعبير عن الانتماء إلى الأرض والتشبث به. وتشكل المناسبة عرساً شعبياً كبيراً في القرى والمدن ذات الغالبية الأمازيغية، خصوصاً بالمغرب والجزائر، إذ تجتمع العائلات، تتبادل الزيارات وتتحلق حول مائدة الطعام لتناول الأطباق التي تُعَد خصيصاً لليلة المنتظرة.

في الجزائر خلال رأس السنة، تحرص الأسر الأمازيغية على إعداد أطباق متنوعة كـ"الكسكس" و"الشرشرم" و"الشخشوخة" و"الرفيس"، تقدم عشية العام الجديد أو ليلته. النموذج بمنطقة القبائل (شمال شرق) جرت العادة خلال ينّاير، حسب الإعلامية الأمازيغية أمل مهندي، أن يعدَّ طبق خاص بالمناسبة، بالاعتماد على كل أنواع البقوليات، وبسبع خضر في طبق الكسكس، إذ تجتمع الأسرة لتناول الطعام والتبرك بسنة وفيرة في الحصاد، كما تُتناول المكسرات والحلويات والفواكه المجففة، ويكون الموعد بمثابة فرح وعرس جماعي".

من العادات الأخرى التي تُقام خلال الاحتفال، تضيف أمل مهندي في تصريح لموقع TRT عربي: "في كل عائلة يُوضع الطفل الصغير بالعائلة داخل إناء كبير ويرمون عليه أنواعاً من الحلويات، حتى تصير سنته الجديدة حلوة"، كما يعمد عدد من الأسر إلى تغيير أثاث الأكل.

أقرت الجزائر منذ سنة 2018، رأس السنة الأمازيغية عطلة رسمية بعد قرار رئاسي نهاية ديسمبر/كانون الأول، وذلك في سياق "جهود الدولة الرامية إلى ترقية التراث واللغة الأمازيغية" حسب بلاغ الرئاسة، هذا القرار ساهم حسب الإعلامية الجزائرية في إضافة زخم أكبر على هذا اليوم وأُحدثت احتفالات رسمية، إذ تشهد برنامجاً خاصاً في كل المؤسسات التربوية، وتقدم دروس وورشات تربوية خاصة للتعريف بهذه المناسبة، كما تقام تظاهرات رسمية ثقافية وأكاديمية.

في المغرب، تختلف الطقوس عن نظيرتها بالجزائر في جوانب شكلية بسيطة فقط، ذلك أنها تتقاطع إلى حد كبير في الأطباق المعدة والأجواء التي تطبع الاحتفال. ففي المغرب أيضاً يجري إعداد طبق الكسكس بسبع خضر والرفيسة ووجبة "تاكّلا" (العصيدة)، وهي مزيج من الدقيق والماء والملح والزبد والعسل، إلى جانب وجبات وأطباق أخرى من قبيل "أوركيمن"، وهي حساء من الخضر، و"إينودا"، وهي مزيج من الفواكه الجافة.

خلال إعداد هذه الوجبات، توضع "أغرمي" حبة تمر أو لوز وسط الطبق، مع الحرص على إخفائها، ومن يعثر عليها من أفراد العائلة يُتنبأ له بأن يكون أكثر حظاً وسعادة خلال العام الجديد.

في الوقت الذي يحافظ فيه أمازيغ المغرب والجزائر على هذه الطقوس التي تنتشر سنة بعد أخرى، كشفت الناشطة الأمازيغية التونسية الكاهنة الطالبي أن هذه العادات بدأت في الاندثار بين العائلات التونسية، إذ أصبح الاحتفال برأس السنة الأمازيغية حبيس أنشطة تنظمها الفاعليات المدنية المهتمة والمدافعة عن القضية الأمازيغية.

في السياق ذاته، أبرزت المتحدثة في تصريحها لموقعTRT عربي، أن مدينة جربة ستعرف هذه السنة تنظيم تظاهرة ثقافية كبيرة، لتخليد فاتح السنة الجديدة يشارك فيها متدخلون من مختلف الدول المغاربية، مشيرة إلى أنه على عكس الماضي، "لم نواجه أي مشكل أو تعقيدات في تنظيم هذه اللقاءات بل ساهم الجميع".

مطالب نيل الاعتراف

مع حلول شهر يناير/كانون الثاني من كل سنة، ترتفع وتتجدد المطالب الداعية لإقرار رأس السنة الأمازيغية في المغرب عطلة رسمية معترفاً بها، على غرار فاتح السنتين الهجرية والميلادية، وعلى نفس منوال الجزائر التي أقرت اليوم عيداً وطنياً قبل سنتين، على الرغم من كون المغرب سبّاقاً إلى الاعتراف الرسمي باللغة الأمازيغية 2011.

المطلب الذي تتبناه الحركة الأمازيغية وقوى حقوقية وسياسية بالبلاد، يُعتبر حسب الباحث عبد الله بوشطارت، "مطلباً تاريخياً ضرورياً، وطالما كان من بين المطالب الكبرى للحركة الأمازيغية"، مضيفاً أن "الدولة تتبجح بشعارات إنصاف الأمازيغية والتعددية اللغوية والمساواة، ولكنها لم تقم بعد بترسيم إيض ينّاير عطلة رسمية استجابة لمطالب مكونات واسعة من الشعب المغربي ولدعوات عدد من الأحزاب والهيئات السياسية والمدنية".

فاتح السنة الأمازيغية، حسب تصريح بوشطارت لـTRT عربي، "يتجاوز الطابع الاحتفالي الفلكلوري، بل إنه أصبح واجهة لإعادة الاعتبار والاعتراف بالتاريخ والثقافة الأمازيغيين، اللذين جرى إقصاؤهما ومحاولة طمسهما لعقود في بلدان المغرب الكبير".

ومن خلال عدد من المؤشرات يبدو أن مسألة ترسيم رأس السنة الأمازيغية، مسألة وقت؛ بعد أن أكد وزير الدولة المكلّف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان المصطفى الرميد خلال جلسة بالبرلمان، أن موضوع الاحتفاء بالسنة الأمازيغية هو "محل اهتمام الدولة بكل مكوناتها"، وأنه "سيُتخذ القرار اللازم في سياق التطورات الإيجابية التي تعرفها قضية ترسيم الأمازيغية في المغرب"، كما ألمح إلى أن قرار الإعلان بيد الملك محمد السادس.

يحتفل المغاربيون بحلول العام الأمازيغي الجديد، بتنظيم أشكال ومظاهر احتفالية خاصة (Getty Images)
الكسكس واحد من الوجبات المهمة التي تقدم خلال الاحتفال بالسنة الأمازيغية (Getty Images)
ترتفع وتتجدد المطالب الداعية لإقرار رأس السنة الأمازيغية في المغرب عطلة رسمية معترفاً بها (AP)
في الجزائر خلال رأس السنة، تحرص الأسر الأمازيغية على إعداد أطباق متنوعة كـ"الكسكس" و"الشرشرم" و"الشخشوخة" و"الرفيس" (AP)
الشاي والحلويات والمكسرات من الطقوس الاحتفالية بالسنة الأمازيغية في المغرب (Getty Images)
يرتبط الاحتفال بالسنة الأمازيغية بحدثين، من جهة، تنظيم المواسم الزراعية،إذ يُحتفَل بالأرض والفلاحة، وتذهب طقوسه للاحتفاء بخصوبة الأرض والامتنان لها (Getty Images)
أقرت الجزائر يوم رأس السنة الأمازيغية يوماً وطنياً منذ سنتين (Getty Images)
TRT عربي