تابعنا
أخلّ القتال بين قوات الأسد والمعارضة بهدنةٍ مؤقتة كانت تعيشُها منطقة إدلب بسوريا، ما يمثّل مخاطرةً بتهجير مئات الآلاف من الأفراد، يخطّط كثيرون منهم للبحث عن الأمان بتركيا، أو بالدول الأوروبية.

يقول السّوريون في محافظة إدلب إنه لم يعد أمامهم خيارٌ سوى الفرار من البلاد، إذ يستهدف النظام السوري والطائرات الحربية الروسية مناطق ذات كثافة سكانية مرتفعة تخضع لسيطرة المعارضة.

أدَّى القتال بين قوَّات الأسد والمعارضة إلى الإخلال بهدنةٍ مؤقَّتةٍ كانت قد جلبت سلاماً نسبياً إلى المنطقة.

وشنَّ نظام الأسد، مدعوماً من روسيا، هجوماً، يوم الإثنين الماضي 6 مايو/أيار، على منطقةٍ كانت مصنفة كمنطقة تخفيفٍ لحِدَّة التصعيد.

في 2018، اتَّفقت تركيا وروسيا على تعيين مناطق لتخفيف حِدَّة التصعيد، لأجل تهدئة الصراع في المنطقة وحماية المدنيين.

وتظلُّ مدينة إدلب هي آخر منطقةٍ مدنيةٍ كبرى لم تخضع حتى الآن لسيطرة النظام السوريِّ منذ بدء التدخُّل الروسيِّ في عام 2015.

ومع وجود ثلاثة ملايين نسمةٍ بها، يمثِّل الصراع المحتدم في إدلب مخاطرةً بتهجير مئات آلاف الأفراد، بينما يُخطِّط كثيرون منهم للسعي وراء الأمان في الجارة تركيا ودولٍ أوروبيةٍ أخرى.

"مستعدون للرحيل"

قالت سمر أمونة، وهي طالبة ماجستير في جامعة إدلب في الثلاثين من عمرها، إن نظام الأسد لن يتوقَّف حتى يسيطر على المنطقة، وإنها هي وأسرتها لن ينتظروا حتى "يُقتَلوا".

وتابعت متحدثةً إلىTRT: "أنا وأسرتي مستعدُّون للرحيل"، مضيفةً: "لا يمكننا الانتظار حتى يُقتَل أحدٌ منا".

لا نعرف الأخطار التي سنواجهها لكنها لن تكون في خطورة البقاء هنا وأعرف أنني في أوروبا سأضطَرُّ إلى بدء حياتي من الصفر.

سمر أمونة، طالبة من إدلب

وأضافت: "سنحاول العبور إلى تركيا ومن هناك نحاول شقَّ طريقنا نحو أي دولةٍ أوروبيةٍ"، موضحة أن أقاربها غادروا إلى أوروبا في عام 2014 لكنَّها لم تشأ الرحيل آنذاك.

وأردفت قائلة: "أشعر بالندم لعدم الذهاب إلى أوروبا منذ سنواتٍ"، مضيفةً أنها لم تكن وحدها تفكِّر بتلك الطريقة.

وتابعت: "أنا وأصدقائي لدينا مجموعةٌ على تطبيق واتس آب نناقش فيها خططنا للذهاب".

وليست تلميذة الأدب العربيِّ سعيدةً بالتخلِّي عن دراساتها، لكنَّها تقول إن السُّبُل ضاقت بها.

تقول: "لا نعرف الأخطار التي سنواجهها لكنها لن تكون في خطورة البقاء هنا"، مضيفةً: "في أوروبا، سأضطَرُّ إلى بدء حياتي من الصفر… ليس حلماً أن تكون لاجئاً، على العالم أن يفهم ذلك".

يُذكَر أن كثيراً من أولئك الموجودين في إدلب كانوا قد استقرُّوا في المنطقة بعد الهروب من الصراع في مناطق أخرى من سوريا. ويقولون إنهم لو اضطرُّوا إلى الارتحال مجدَّداً، فسيكون ذلك إلى مكانٍ بعيدٍ عن سوريا.

"أريد الذهاب إلى فرنسا أو ألمانيا"

أحلام بكري أمٌّ لأربعة أطفالٍ في الثالثة والأربعين من العمر، استقرَّت في مدينة معرة النعمان في إدلب بعد الفرار من الصراع في ضاحية الغوطة الشرقية بدمشق. وذكرت أنها تواجه الخوف ذاته في إدلب.

تقول: "الوضع مشابهٌ هنا في إدلب"، مضيفة: "لن أنتظر حتى تأتي قوَّات النظام".

أريد أن يكون أبنائي في مأمنٍ وأن يعيشوا حياةً طبيعيةً وأن يدرسوا ويلعبوا وألا يخافوا القنابل.

أحلام بكري، أمّ من إدلب

ومثل سمر، لدى أحلامَ أقاربُ في أوروبا تريد أن يلتئم شملها بهم هناك.

تقول في حوارٍ لها مع TRT: "أريد الذهاب إلى فرنسا أو ألمانيا، حيث تعيش شقيقتاي وأقارب آخرون في سلامٍ". وتابعت في حسرةٍ: "ليتني رحلت معهم لمَّا أُتيحَت لي الفرصة".

وأكملت: "هذا أفضل من انتظار الموت هنا… أريد أن يكون أبنائي في مأمنٍ وأن يعيشوا حياةً طبيعيةً، أريدهم أن يدرسوا ويلعبوا وألا يخافوا القنابل".

وأشارت أحلام إلى أنه لم يعد لديها أي خياراتٍ أخرى عدا تركيا وأوروبا.

في عام 2015، تدفَّق ما يزيد عن مليون لاجئٍ نحو أوروبا، أملاً في الوصول إلى دول الاتِّحاد الأوروبيِّ الشمالية. واستقبلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أغلبيَّتهم بصدرٍ رحبٍ.

وتُنادي المنظَّماتُ غيرُ الحكوميةِ المجتمعَ الدوليَّ بالتحرُّك قبل أن تُفضي الصراعات إلى أزمةٍ إنسانيةٍ شاملة بحجم أزماتٍ أُخرى سابقةٍ.

مناشدة للمجتمع الدوليِّ بالتحرُّك

لا يمكن للمجتمع الدوليِّ أن يقف صامتاً ويسمح بحدوث هذه الكارثة الإنسانية.

متحدث باسم الرابطة الطبية للمغتربين السوريين

صرَّح متحدِّثٌ باسم الرابطة الطبية للمغتربين السوريين بأن 150 ألف شخصٍ هُجِّروا بالفعل بعد قصف قوات النظام للمستشفيات والمدارس.

وقال المتحدِّث: "تمثِّل الهجمات المكثَّفة خطراً حتمياً على حياة 300 ألف مدنيٍّ في أرجاء المناطق الريفية المستهدفة في حماة وإدلب".

وتابع: "نحثُّ الوكالات المختصَّة في الأمم المتحدة والمجتمعَ الدوليَّ على تطبيق القرار رقم 2286 بحماية المنشآت الطبية، إلى جانب اتِّخاذ الخطوات اللازمة للحدِّ من المخاطر التي تواجه المدنيِّين في تلك المناطق، وهي الموت والإصابة والتهجير.

واختتم تصريحاته قائلاً: "لا يمكن للمجتمع الدوليِّ أن يقف صامتاً ويسمح بحدوث هذه الكارثة الإنسانية".

سوري يجلس مكان الدّمار الذي خلّفه قصف نظام الأسد في مبنىً بمدينة سراقب، الواقعة بشمالي غرب منطقة إدلب، في 7 من ماي 2019 (AFP)
TRT عربي