تابعنا
ليس الشاي الموريتاني مجرد مشروبٍ عادي. إنه طقس مقدّس، له تاريخ عريق، وقيلت عنه أجمل أبيات الشعر في البلاد.

نواكشوط ــــ الشاي الموريتاني المعروف محليا بـ"أتاي" ليس مجرد مشروب عادي عند الموريتانيين، فله حضوره الكبير في الثقافة الموريتانية، والأدب والشعر وتاريخ المنطقة، وقد جرى حوله كثير من السجال الشرعي والشعري، وكان في مراحل دخوله الأولى محصوراً على النخبة وكبار السن من الوجهاء التقليديين في المجتمع الموريتاني، وله طريقة إعداد خاصة، وتوليفة من الشروط الضرورية.

إعداد الشاي في موريتانيا له طقوسه الخاصة التي يحلو بها تناوله، وبها يُستلذّ شربه ويطيب الجلوس حوله.

ويشترط الموريتانيون في الشاي أن يكون مُعِدُّه الذي يُطلق عليه "القيَّام" نديماً وطريفاً، وجليساً ذكيّاً يمكنه فتح المواضيع الخفيفة وإدارة الجلسة،التي تدور غالباً حول المواضيع المضحكة والنادرة. ومن شروط الشاي الثابتة في إعداده، الحفاظ على اعتماد ما يطلق عليه الموريتانيون"الجيمات" الثلاث، وهي ثلاث مفردات تبدأ بحرف الجيم، هي الجر، وتعني التؤدة في إعداد الشاي وعدم التسرع في صبّه وشربه، والجمر، وتعني الفحم، فيفضَّل أن يُعَدّ على الفحم كي يجد الحرارة المناسبة والبطيئة كي يغلي جيداً، والجماعة، وتعني أن يُعَدّ في جماعة من الجلساء يكونون غالباً من الأهل أو الأصدقاء، ويفضَّل أن يكونوا متقاربين في السنّ كي يتسنى لهم تناول المواضيع التي يفضلونها دون حرج أو حياء.

ويُشترط في مُعِدّ الشاي أيضاً، أن يبقى جالساً في مكانه، فوقوفه وجلوسه أو تغييره لمكانه يُعتبر مُربِكاً لمجلسه، لأنه باعتبار غالبية الموريتانيين هو مدير النقاش في مجلسه، كما أن المجلس يُعتبر طقوسيّاً، مجتمعاً عليه.

"أتاي" وكيفية إعداده

إعداد الشاي الموريتاني يتطلب أدوات خاصة به "مواعين"، وهي عبارة عن صينية معدنية،وإبريق معدني أيضاً،وكؤوس زجاجية شفافة صغيرة الحجم،فلا يتجاوز حجم الواحد منها سبعين مليلتراً.

يوضع الشاي الأخضر الصيني في الإبريق حتى يغلي، ثم يضاف إليه السكر والنعناع بعد نزعه عن النار، لكن ذلك لا يعني جاهزيته للشرب، فعلى المُعِدّ "القَيَّام"، أن يعتّق شايه بالرغوة التي تميز الشاي الموريتاني، وتبدو داخل الكؤوس كالعمائم البيضاء، فيبدو مغرياً، بخاصة إذا كان متساوي الجرعات، وهو ما يسمى محلّيّاً بـ "الأصراع".

وحول الرغوة ووصفها يقول أحد شعراء البلد:

وشَايٍ بماءٍ رَنَّحَتْه غمامةُ

على كلِّ كَأْسٍ منْه تبْدو عمَامَةُ

وبـ"الوَنْدَرِيزِ" الصِّرْفِ أتْقَنَ مزْجَه

معَ التَّلْجِ مَنْ راقتْ لدَيْهِ الإقامَةُ

وتُكرَّر عملية الغلي وإضافة الجرعات ثلاث مرات، وبذلك يحصل كل فرد على ثلاث كؤوس، يفصل بينها وقت زمني قد يبلغ نصف الساعة.

"أتاي" في منظور الشرع

شكّل الشاي فترة دخوله للبلاد نازلة شرعية جرى حولها كثير من السجال بين علماء البلاد وفقهائها، فمنهم من حرّمه، ومنهم من أباحه أو خفّف في منع تناوله، ويقول الأديب والعالم الموريتاني العالم بابه بن محمودا في فتوى منظومة بحرمة الشاي:

نحِّ عني الأتايَ إن ارتشافِي

لكؤوس من الأتاي ضلالُ

تَلَفُ المالِ واستدارة شِرْبٍ

وفضولٌ من المقال يقالُ

وكفاهُ أن الأطباءَ قالوا

إنه في الجسوم داءٌ عضالُ

وقد اتفق أغلب العلماء بعد كثير من السجال والجدل على حِلّيَّته، وبعدها انتشر الشاي بين الموريتانيين، فلم يعُد يخلو منه بيت ولا مكان.

"الأتاي" في الشعر

لـ"أتاي" حضوره الطاغي في الشعر والأدب الموريتانيين، فقد تغزل به الشعراء، ووصفوه وصفاً دقيقاً شمل كل تفاصيل إعداده ومجلسه وعذوبته واصطبابه أو تدويره بين الكؤوس تعتيقاً له حتى يخلُص لرغوته البيضاء ولونه البني الداكن.

ويصف أحد الشعراء الموريتانيين "أتاي" بقوله:

يقيمُ لنا مولاي والليلُ مقمرٌ

وأضواءُ مِصباح الزجاجة تُزْهِرُ

وقد نسَمَت ريحُ الشمال على الرُّبى

نسيماً بأذيال الدجى يتعَثرُ

كؤوسًا من الشاي الشهيِّ شهيةً

يطيب بها ليل التمام فيقصُرُ

تاريخ دخول الشاي

الشاي المستخدم في موريتانيا لإعداد "أتاي"، هو الشاي الصيني الأخضر فقط، ويقول أستاذ التاريخ الدكتور سيد أحمد الأمير، أحد أبرز المؤرخين الموريتانيين، إن الشاي جاء إلى موريتانيا من الشمال (المغرب) طبقاً لما أكده الباحث الفرنسي الخبير بالشأن الموريتاني ألبير لريش، إذ يرجح أن الشاي دخل موريتانيا ما بين 1858 و1875 ميلاديّاً.

ويضيف الدكتور سيد أحمد أن لريش أكّد نقلاً عن المؤرخ الموريتاني المختار بن حامد، أن تاجراً يُدعى عبد المعطي كان أول من استورد مادة الشاي إلى موريتانيا وكان ذلك سنة 1875 ميلاديّاً.

إدمان "أتاي"

من النادر أن تصادف موريتانيّاً يخرج من بيته صباحاً قبل شرب "أتاي" على وجبة الفطور، فعدم شربه يؤدِّي إلى صداع شديد لمدمنيه الذين شكّلون أغلبية الشعب.

وللشاي مواعيد أساسية يُعَدّ فيها، هي الصباح وبعد وجبتي الغداء والعشاء، فيما يُعَدّ لكل ضيف يصل إلى البيت مهما كانت الظروف، ويعتبر من أسس كرم الضيافة، كما يُعَدّ في كل المناسبات والاجتماعات.

الواردات الموريتانية من الشاي

بلغت واردات موريتانيا من الشاي لعام 2018 المنصرم، حسب إحصائيات رسمية، 18500 طن، وتبلغ قيمتها المالية ما يزيد على 30 مليون دولار سنويّاً.

وتقارب واردات الشاي الأخضر الصيني واردات الحبوب ومشتقاتها، كما تتجاوز واردات الفواكه.

يفضَّل أن يُعَدّ الشاي الموريتاني على الفحم كي يجد الحرارة المناسبة والبطيئة كي يغلي جيداً (TRT Arabi)
شكّل الشاي فترة دخوله للبلاد نازلة شرعية جرى حولها كثير من السجال بين علماء البلاد وفقهائها (TRT Arabi)
لـ"أتاي" حضوره الطاغي في الشعر والأدب الموريتانيين، فقد تغزل به الشعراء، ووصفوه وصفاً دقيقاً (TRT Arabi)
الشاي الموريتاني (TRT Arabi)
يوضع الشاي الأخضر الصيني في الإبريق حتى يغلي، ثم يضاف إليه السكر والنعناع بعد نزعه عن النار (TRT Arabi)
الشاي المستخدم في موريتانيا لإعداد "أتاي"، هو الشاي الصيني الأخضر فقط (TRT Arabi)
TRT عربي