تابعنا
في ظلّ اختفاء الكثير من الحمّامات الأثرية في قطاع غزة، بقي حمّام السمرة العثماني شاهداً تاريخياً على حضارةٍ كبيرة عبرت القطاع، مزاراً طبياً وسياحياً أيضاً.

قطاع غزة ـــ في ظل الأوضاع الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة، تبقى فرصة ذهابهم إلى حمام السمرة وسيلة من أجل العلاج من ألم العظام وتجديد نشاطهم وهروبهم من الواقع الذي يعيشونه وزيارة المكان الأثري الذي يعتبر أحد أهم المعالم التاريخية العثمانية داخل قطاع غزة.

ويعتبر حمام السمرة الوحيد المتبقي داخل قطاع غزة، بعدما كان يحتوي القطاع على العديد من الحمامات الأثرية القديمة التي اختفت مع مرور الزمن، ولم تعد باقية نتيجة لتطور حياة الإنسان، حتى أصبح هذا الحمام مقصداً للكثير من المواطنين والسياح الأجانب الذين يقومون بزيارة غزة.

الحمّام الوحيد المتبقي

ويحتوي الحمام الذي يقع بحي الزيتون أحد أكبر وأقدم أحياء قطاع غزة على العديد من الأشياء المميزة، كالسقف الزجاجي الذي توجد به مجموعة من الفتحات التي تعمل على دخول أشعة الشمس من خلالها، والأرضية الرخامية التي تتميز بالحرارة الدافئة، إضافة إلى العديد من المقتنيات الأثرية القديمة الموجودة داخله، كالراديو والهاتف الأرضي والأباريق الفخارية.

ولتعرُّف الحمّام أكثر، يقول المسؤول الإداري عن الحمام يوسف الوزير، في الوقت الذي كان به العديد من الناس يتوافدون على الحمام: "يأتي الناس إلى الحمام للعديد من الأسباب، كعلاج المشاكل التي توجد داخل الجسم والاسترخاء ومن أجل زيارة الحمام أيضاً كونه يعتبر معلماً أثرياً، ويعتبر الحمام الوحيد المتبقي بقطاع غزة، الذي أنشئ ورُمم قبل 865 عاماً، وامتلكته عائلتي في بداية القرن العشرين".

ويتابع الوزير قائلاً لـTRT عربي: "يعمل الاستحمام على تنشيط الدورة الدموية التي تنشط أعضاء جسم الإنسان، فالاستحمام داخل الحمام يختلف عن داخل البيوت، كونه يتكون من أربعة أقسام، قسم الاستراحة "الإيوان"، والتدليك، والغرفة المشبعة بالبخار، وآخر الأقسام المستوقد الذي يشعَل من خلاله الحطب الذي يعمل على تسخين المياه الموجودة داخل الحمام".

مزارٌ طبي وسياحي

ويضيف: "نعمل على صيانة الحمام بشكل دوري حتى نحافظ عليه ويبقى مكاناً أثرياً ومعلماً تاريخياً يمثل العديد من الحضارات القديمة التي سكنت فلسطين، فهو يعتبر مزاراً طبياً سياحياً استجمامياً، منوهاً بأن زيارة الحمام تكون بشكلٍ مجاني، أما التذكرة الخاصة بالتدليك والاستحمام داخله، فيبلغ ثمنها 9 دولارات.

ويشير الوزير إلى أن الحمام مفتوح طوال أيام الأسبوع، فالفترة الصباحية مخصصة للنساء، أما المسائية فهي للرجال، ويحتوي الحمام على 12 موظفاً، موضحاً أن الإقبال على الحمام من قبل الناس يزيد خلال فصل الشتاء وبعد الحروب والتصعيدات الإسرائيلية المتكررة، بهدف القضاء على الخوف الذي أصابهم.

ويبين الوزير أن الحمام تعرض خلال الحرب العالمية الأولى وحرب 1956 للعديد من الأضرار، وأغلق خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

الهروب من ضغوط الحياة

يقول أحمد الأستاذ وهو يفرك شعره بالمنشفة: "ذهبت إلى الحمام برفقة أصدقائي من أجل الهروب من ضغوط الحياة والواقع الصعب الموجود داخل قطاع غزة، وتفريغ الطاقة السلبية الموجودة داخلنا، الشعور بعد المساج والتدليك كان جميلاً للغاية، كوني شعرت باسترخاء عضلات جسمي وتجديد نشاطي".

ويضيف الأستاذ الذي يعمل داخل صالون حلاقة، وهو أحد الأشخاص الذين يذهبون إلى الحمام بشكل دائم: "أذهب كل يوم اثنين إلى الحمام، بعد أسبوع عمل مرهق وشاق بخاصة أن المهنة التي أعمل بها تتطلب أن أظل واقفاً طوال فترة عملي".

اختفاء الحمّامات

من جانبه، يقول أستاذ التاريخ بجامعة الأزهر الدكتور عصام مخيمر لـTRTعربي: "يعتبر حمام السمرة الذي تبلغ مساحته 500 متر معلماً تاريخياً ومزاراً طبياً ومتنفساً حيوياً لأهل قطاع غزة وهو آخر الحمامات المتبقية".

ويوضح مخيمر أنه في القديم لم تكن البيوت تحتوي على الحمامات، فكان الناس يضطرون إلى الذهاب إلى الحمامات المنتشرة داخل فلسطين بهدف الاستحمام والطهارة، إلى أن اختفت تلك الحمامات مع التطور العمراني ووصول المياه الجارية إلى البيوت، فتضاءلت أهمية الحمامات العامة، فهجر بعضها وتضرر البعض الآخر بسبب الإهمال، بينما تحولت حمامات أخرى إلى مرافق مختلفة.

وينوه مخيمر بأن الناس يرتادون الحمام بشكل كبير، وذلك بسبب العلاج من المشاكل الصحية التي تواجههم، بخاصة أن الحمام يحتوي على المياه التي تسخن على الحطب، فتعمل الحرارة الناتجة عنه على امتصاص الرطوبة الموجودة داخل الجسم، مؤكداً أن إسرائيل طمست أغلب المعالم الأثرية داخل قطاع غزة.

اختفاء 38 حمّاماً

وبدوره، يقول الباحث في التاريخ والتراث الدكتور ناصر إسماعيل اليافاوي: "كان الحمام قديماً ذا طابع خاص في الحضارة الإسلامية التي حافظت على مكوّناته المعمارية الأساسية وأضافت إليه من روحها ليصبح تقليداً إسلامياً أصيلاً بعد اندثاره في الحضارات الأخرى، وحتى نهاية القرن التاسع عشر ظلّت الحمّامات من سمات العمارة الإسلامية البارزة في أغلب مدن العالم العربي الإسلامي، وبخاصة فلسطين كونها طريقاً تجارياً عاماً.

ويضيف اليافاوي: "كان الاستحمام من الممارسات اليومية والضرورية للإنسان في كلّ زمن إلى أن لبّى حاجته ببناء هذه الحمّامات التي تستجيب لوظائف عديدة من النظافة والترفيه إلى الطهارة وما تقتضيه طقوس التعبّد وإقامة الشعائر، لا سيّما إقامة الصلاة لدى المجتمعات الإسلامية.

ويتابع: "من الأشياء المهمّة في تاريخ الحمامات دعوة الضيف إلى الحمّام للتعبير عن الاحتفاء به وإكرامه، وقد وُجدت الحمّامات أساساً للاسترخاء بعد عناء الألعاب الرياضية التي كانت منتشرةً قديماً.

ويشير اليافاوي إلى أنّ حمام السمرة سُمي بهذا الاسم نسبة إلى الطائفة السامرية التي كانت موجودة داخل قطاع غزة وكانوا يستخدمونه بشكل أكبر من غيرهم، مبيناً أن الحمامات التي كانت موجودة داخل فلسطين بلغ عددها 38 حماماً.

صيانة الحمام بشكل دوري جاءت من أجل الحفاظ عليه ليبقىمكاناً أثرياً ومعلماً تاريخياً يمثل العديد من الحضارات القديمة التي سكنت فلسطين (TRT Arabi)
يعتبر حمام السمرة الوحيد المتبقي داخل قطاع غزة، بعدماكان يحتوي القطاع على العديد من الحمامات الأثرية القديمة (TRT Arabi)
الإقبال على الحمام من قبل الناس يزيد خلال فصل الشتاء وبعد الحروب والتصعيدات الإسرائيلية المتكررة، بهدف القضاء على الخوف الذي أصابهم (TRT Arabi)
يحتوي الحمام الذي يقع بحي الزيتون أحد أكبر وأقدمأحياء قطاع غزة على العديد من الأشياء المميزة والتاريخية (TRT Arabi)
TRT عربي