تابعنا
في مدينة الرباط، المرفوعةِ على أمواج الأطلسي العالية، يقول محمود درويش: يمشي الشاعرُ على الشارع بحثاً عن مُصَادَفَة المعنى.. يمشي الشاعر على الشارع كأنه يمشي في قصيدة غير مرئية...

الرباط ـــ كلماتُ محمود درويش عن مدينة الرباط، تتأكد لزائر العاصمة المغربية، بعد أن تحولت إلى معرضٍ فني كبير، بفضل مهرجان "جدار"، الذي بعث المعنى واللغة في جدرانها الصّماء، وحاربت ألوانهُ فراغ وبياض واجهاتها الإسمنتية.

عابرو شوارع الرباط، الغرباء كما أبناء الدار، لا يمكن ألّا تستوقفهم اللوحاتُ الضخمة للحظاتٍ من الدهشة والصفاء، معيدةً للطريق بعضاً من حميميته، حيث تقف هذه الفواصل الفنية، بتعبيراتها التشكيلية والرمزية، شامخةً، أمام صرامة العاصمة وهدوئها المهيب.

مهرجان "جدار" الذي نجح في شدّ الأنظار إليه، وأصبح جزءاً من هوية المدينة، عاد في نسخته الخامسة، ليكمل الورش الفني الذي بدأه سنة 2015، جامعاً حوله فنانين عالميين من مشارب ومدارس فنية مختلفة، لكلّ منهم أسلوبه ولمسته الخاصة التي بصم بها المهرجان.

حضورٌ عالمي وإبداع محلي

فنانون عالميون من سبع جنسيات مختلفة، قدموا إلى أرض المغرب، للمشاركة في المهرجان. يقول المشرف على "جدار"، صلاح ملولي، في تصريحه لـTRT عربي، إنّ هذا الحدث الفني، يبتغي فتح فضاءاته للمبدعين المغاربة من أجل التعبير وتفجير طاقاتهم الفنية، كما يستقطب فنانين أجانب من ثقافات أخرى، ليتركوا بصمتهم وسط المغرب، لتعزيز التلاقح والتبادل الثقافي بين الشعوب.

وإلى جانب الحضور الأجنبي، فتح المهرجان أبوابه لفنّانيْن اثنينِ من المغرب، من أجل المشاركة برسوماتهم وترك بصمتهم على واجهات العاصمة، والاحتكاك مع رائدي فن الشارع العالميين.

مهدي أناسي، الملقب بـ"مشيمة"، فنانٌ مغربي شارك بجدارية في المهرجان، يتحدّث لـTRT عربي: "كانت المشاركة في هذه التظاهرة الفنية التي تابعتها منذ بداياتها، فرصةً ثمينة، ذلك أنّ من شأنها أن تفتح لي آفاقا وطنية ودولية أكبر وتعطي إشعاعاً أوسع لفني".

دورة هذه السنة حددت "الطفولة"، كموضوع عامّ للاشتغال، غير أنها لم تقيد الفنانين به، وفقا للجنة المنظمة، إذ اختارت من بين المبدعين المشاركين، من تحضر الطفولة بشكل كبير في إبداعاتهم، من حيث عذوبة تصوراتهم، وتجرد أفكارهم وعفوية تعبيرهم بأشكال وألوان متنوعة.

عن اللوحة التي شارك بها الفنان المغربي، يكشف مهدي في التصريح نفسه، أنّه حاول تسليط الضوء على معاناة وهموم الأمهات في تربية ورعاية الأبناء، خصوصا منهن العازبات والأرامل والمطلقات.

يقول: "نساء يواجهن صعوباتٍ كثيرة، حاولت تمثيلها بأسهم، يقمن بالتصدي لها بظهورهن لحماية أبنائهنّ منها".

تعميم الفن

يُعتبر فنّ الشارع نافذةً للحرّية والإبداع، وعملاً توثيقيا للحظات من التاريخ الإنساني، كونه يسترجع ما مضى، يشهد على الحاضر ويستشرف المستقبل، ساعياً إلى إخراج الفن من حدوده الضيقة والمغلقة إلى فضاءاتٍ أرحب وأوسع.

رئيس جمعية "ذاكرة الرباط سلا"، عبد الله فكري، يقول لـTRT عربي إنّ فن الشارع أعطى للرباط، انطلاقةً جديدة، بعد أن كان الإبداع الفني منحصراً في أروقة المعارض، مشيرا إلى أنّ البنايات التي تحتضن هذه اللوحات، تُعزز الشكل الهندسي الفريد للمدينة وتغني ثراتها.

في أحياء المحيط، أكدال، ديور الجامع وحسّان... تتوزع هذه اللوحات في زوايا مختلفة من المدينة، في مركزها وبهوامشها، يسعى المهرجان إيصال هذا الفن وتعميمه لدى مختلف الفئات المجتمعية، فضلا على تعزيز حضوره في الفضاء العام.

قد لا تكمن أهمية هذه اللوحات في مضمونها أو جودتها، بل تبرز في تعميمها لهذا النوع الفني وخلقها لمساحات ذات أبعاد جمالية تبعث الحياة والحيوية بالمدينة. رئيس جمعية "ذاكرة الرباط سلا"، أكد أن فن الشارع يعطي للرباط انطباعاً ديناميا ويشهد على تحولاتها، داعيا إلى تكريسه وتجديد الرسومات باستمرار مع مواكبة الشباب المبدع من طرف المؤسسات الثقافية بالبلاد.

(TRT Arabi)
(TRT Arabi)
(TRT Arabi)
TRT عربي