تابعنا
منذ إطلاقه سنة 2017، فتح مطعم "هدف" آفاقاً وفرصاً للعديد من الشباب من ذوي الإعاقة. تعرّف على هذا المطعم الاستثنائي الذي يسيّره ويعمل به أشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية.

في زيٍّ أسود أنيق وبابتسامة وديعة، يستقبل الفريق العامل في مطعم "هدف" زبائنه بكل حب ورحابة صدر، ففي تحدٍّ صريح للأحكام الإقصائية والنظرة المجتمعية النمطية، يشتغل شباب وشابات من المعاقين ذهنياً في إدارة وتسيير المطعم على مستوى الطهي والاستقبال والتنظيف.

"هدف" المطعم الذي يقع بضواحي العاصمة الرباط، فتح أبوابه قبل سنتين أمام زبائنه وفتح أحضانه أمام الأشخاص ذوي الإعاقة الذهنية، من أجل إدماجهم اجتماعياً وتعزيز ثقتهم واستقلاليتهم وأيضاً تطوير مهاراتهم الشخصية والعامة، في تجربة رائدة تصبو إلى دمجهم في المجتمع وسوق الشغل.

يوفر المطعم الاستثنائي الذي أسسه مركز "آباء وأصدقاء الأشخاص المعاقين ذهنياً" بشراكة مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية (برنامج حكومي يدعم المشاريع الاجتماعية) تدريبات وفرص عمل للشباب ذوي الإعاقة الذهنية عبر عدد من الورشات والتكوينات التي تهدف إلى تأهيلهم لولوج سوق الشغل وتحقيق الاستقلالية المادية.

"من أجل التغيير"

يشتغل بالمطعم أكثر من عشرة شباب من ذوي الإعاقة الذهنية، بعد أن اجتازوا عدداً من المراحل التدريبية، ترتكز أساساً على ورشات وأعمال تطبيقية في مهن الطبخ والاستقبال والتنظيف وتقطيع الخضر والفواكه واللحوم، تحت إشراف من مؤطرين محترفين.

"إنشاء المطعم جاء من أجل تغيير تصور المجتمع حول هذه الفئة وإيصال فكرة بأنها قادرة على الحصول على خبرة وعمل، وأنها أهل للثقة وتحمل المسؤولية، فضلاً عن زرع أفكار إيجابية في نفسية هؤلاء الشباب بأنهم قادرون على الإنتاج والاندماج". تقول بنصغير بشرى مديرة المركز، في تصريحها لموقع TRT عربي.

وتبرز المتحدثة أن المركز الذي تشرف عليه، ينظم أيضاً ورشات لصالح أشخاص آخرين في وضعية إعاقة يتجاوزون المئة، وكلهم يستفيدون من الطعام داخل مطعم المركز، مشيرة إلى أنه إلى جانب العمل داخل المطعم، يشتغل عدد من الشباب والشابات الذين لا يزالون في بداية التدريب أو الذين يجدون صعوبات للتأقلم مع العمل بالمطعم، في مطبخ داخلي لإعداد الطعام لفائدة زملائهم بالمركز".

ويعود تأسيس الجمعية المشرفة على "هدف" إلى سنة 1997، بمبادرة من آباء وعائلات أشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية، بعد أن وقفوا على غياب مراكز تُعنى بالشباب الذين يتجاوزون 17 سنة، لتقرر العمل معهم عبر مواكبتهم والدفاع عن حقوقهم وتكوينهم في عدد من المجالات والأنشطة الفنية والثقافية بشكل يراعي نوعية الإعاقة وصعوبتها.

ومنذ إطلاقه سنة 2017، فتح مطعم "هدف" آفاقاً وفرصاً للعديد من الشباب من ذوي الإعاقة، حيث نجح الكثير منهم في ولوج سوق الشغل والانضمام إلى مطاعم كبرى بالمغرب، فضلاً عن فوز عدد منهم بجوائز في منافسات عالمية للطبخ خاصة بفئتهم.

ارتياح وإشادة

قبل بلوغ مرحلة الاشتغال بالمطعم وتعليم المستفيدين مهارات الطهي والتقطيع وتجهيز الطاولات والتنظيف، يعقد المركز دورات وورشات تكوينية تُركز أساساً على تقوية القدرات الاجتماعية للأشخاص في وضعية إعاقة ذهنية، حرصاً على تقديم خدمات تحترم الضوابط المهنية وشروط النظافة والانضباط اللازمين.

تُصرح أم مستفيدة من خدمات المركز، لموقع TRT عربي أن العمل داخل المطعم مكّن ابنتها من تطوير قدراتها الاجتماعية التواصلية بشكل أكبر، مضيفة: "ابنتي كانت مصابة بخجل مرضي وانطوائية كبيرة، إلا أن عملها وإسهامها في الإنتاج داخل المطعم مكّنها من إبراز اهتمامها وحبها الملحوظ بأعمال الطهي".

تضيف الأم بنبرة ملؤها الفخر الممزوج بالفرح: "إن إدراكها لكونها قادرة على أن تكون شخصاً فاعلاً في مجتمعها ساعدها كثيراً على تطوير قدراتها التواصلية، وأيضاً مهاراتها في الطبخ، خصوصاً عندما تسمع عبارات المديح والإعجاب من طرف زبائن المطعم أو مؤطريه".

يسجل مطعم "هدف" نسب زيارة مهمة؛ فزوار المكان المليء بالطاقة الإيجابية والعفوية الجميلة يعربون بدورهم عن رضاهم عن مستوى ما تبدعه أنامل ومهارات هؤلاء الشباب، خصوصاً في إعدادهم للأطباق المغربية الشعبية التي تميز المطعم كـ"الكسكس" والطاجين و"الرفيسة".

تقول كنزة، سيدة أربعينية تداوم على زيارة "هدف"، في المرة الأولى كانت زيارتي بدافع الفضول، غير أن الاحترافية العالية التي وجدت عليه الطاقم سواء على مستوى الاستقبال أو جودة الطعام، جعلتني أداوم على زيارة المكان".

تضيف كنزة: " زياراتي المتكررة لهذا المطعم غيّرت نظرتي إلى هذه الفئة المجتمعية وأدركت أنها قادرة على الإبداع والعطاء، لا فرق بين هذا المطعم والمطاعم الأخرى". مشيرة إلى أن "على المجتمع أن يضع الثقة أكثر في الأشخاص ذزي الإعاقة ويواكبهم من أجل الاندماج في العمل والحياة المجتمعية".

"ومضة ضوء"

أمام الفرص التي يوفرها وعمله الذي يلقى الإعجاب والإشادة، يشكّل مطعم "هدف" نموذجاً ونقطة ضوء بارزة وسط عتمة كبيرة لواقع أكثر من مليون و703 آلاف مواطن مغربي في حالة إعاقة، وفق أرقام المندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة رسمية).

وحسب أرقام المندوبية، فإن 66.5% أي ما يمثل أكثر من مليون و133 ألفاً من الأشخاص المعاقين لا يحصلون على أي مستوى تعليمي، في مقابل 35.3% لدى غير المعاقين. وتهم هذه الظاهرة بالخصوص النساء 79.5% في مقابل 53.4% للرجال.

ورغم الجهود المبذولة لإدماج هذه الفئة من المواطنين في مجالات الشغل والتعليم، إلا أن نتائج البحث الوطني حول الإعاقة بالمغرب تؤشر إلى أن نسباً تتجاوز الـ50% من المعاقين بالمغرب لا يستفيدون من الخدمات العمومية في المجالين الصحي والتعليمي.

وبخصوص الشغل، أورد البحث أن معدل بطالة الأشخاص في وضعية إعاقة خفيفة إلى عميقة جداً يناهز 47.65%، أي 290 ألف شخص، وهو أعلى 4 مرات من المعدل الوطني للبطالة الذي يصل إلى 10.6، أما الأشخاص ذوو الإعاقة من متوسطة إلى عميقة جداً، فتصل إلى 67.75%.

يشتغل بالمطعم أكثر من عشرة شباب من ذوي الإعاقة الذهنية بعد أن اجتازوا عدداً من المراحل التدريبية (TRT Arabi)
يسجل مطعم "هدف" نسب زيارة مهمة؛ فزوار المكان المليء بالطاقة الإيجابية والعفوية الجميلة يعربون بدورهم عن رضاهم عن ما يبدعه هؤلاء الشباب (TRT Arabi)
منذ إطلاقه سنة 2017، فتح مطعم "هدف" آفاقاً وفرصاً للعديد منالشباب من ذوي الإعاقة (TRT Arabi)
في زيٍّ أسود أنيق وبابتسامة وديعة، يستقبل الفريق العامل في مطعم "هدف" زبائنه بكل حب ورحابة صدر (TRT Arabi)
إنشاء المطعم جاء من أجل تغيير تصور المجتمع حول هذه الفئة وإيصال فكرة بأنها قادرة على الحصول على خبرة وعمل (TRT Arabi)
TRT عربي
الأكثر تداولاً