تابعنا
مشاكل التعليم في إدلب كثيرة، فبالإضافة إلى معاناة النزوح بالنسبة للأطفال التي أثرت على تعليمهم، تؤكد الأرقام تراجع هذا القطاع في المنطقة بشكلٍ كبير.

إدلب ـــ نزح الطفل محمد من ريف حماة إلى أحد المخيمات الحدودية شمال إدلب، مصطحباً معه حقيبة كتبه عله يجد مدرسة تضمه ليكمل تعليمه، لكنّ بُعد المدارس عن مكان نزوحه حال دون تحقيق ذلك، وهو الأمر الذي جعله يتخلى عن فكرة التعليم، ويتوجه لتعلم مهنة يواجه بها الحياة.

تراجع قطاع التعليم في إدلب

الطفل محمد هو أحد الأطفال السوريين الذين حرموا من التعليم بسبب الحرب، إذ أدت أسباب عدة إلى تراجع قطاع التعليم في إدلب منها الدمار الكبير الذي لحق بالمدارس، إضافة إلى قلة الموارد المالية نتيجة توقف الدعم عن كثير من المدارس فضلاً عن ضعف رواتب الكادر التدريسي، والنقص الحاد في الكتب المدرسية والقرطاسية والوسائل التعليمية.

وقد ذكر فريق منسقي استجابة سوريا في بيان له منتصف شهر سبتمبر/أيلول من العام الجاري أن الجهات المانحة أعلنت وقف دعمها لمديريات التربية والتعليم في إدلب وحلب وحماة، مؤكداً حرمان أكثر من 840 مدرسة ضمن المراحل التعليمية المختلفة من الدعم، مشيراً إلى أن القرار سينعكس سلباً على نحو 350 ألف طالب وطالبة، وسيُحرمون من التعليم.

محمد الحسين، معاون مدير التربية في إدلب يتحدث لـTRT عربي عن صعوبات العملية التعليمية بقوله "تشهد مناطق إدلب وريفها صعوبات جمة تعترض العملية التعليمية، وتقف عقبة أمام دراسة الطلاب وفرصهم بإتمام تعليمهم، منها توقف الدعم من قبل منظمات المجتمع المدني عن قطاع التعليم، وصعوبة تأمين الكتاب المدرسي للطالب، إذ تطبع الكتب بأعداد محدودة، ما يضطرنا إلى إعادة تدوير الكتاب المدرسي وتداول الكتب المستعملة، إضافة إلى غياب المدرسين الأكفاء بسبب سفرهم خارج البلاد طلباً للأمان، واستهداف المدارس من قبل طيران نظام الأسد وحلفائه، وتضرر عدد كبير منها بشكل جزئي أو كلي.

ويبين الحسين أن حوالي 372 مدرسة خرجت عن الخدمة خلال الحملة الأخيرة من قبل النظام السوري وحلفائه على أرياف إدلب، كذلك تغص كثير من مدارس ريف إدلب الشمالي بالنازحين الذين تهجروا من أرياف إدلب وحماة خلال الأشهر الأخيرة، كما أن أطفال النازحين يضافون إلى التلاميذ من أبناء المنطقة، ما يؤدي إلى ازدحام الغرف الصفية".

المعلمون بين قلة الرواتب والعمل التطوعي

تعاني مدارس إدلب غياب الكادر التعليمي المؤهل أكاديمياً لتنفيذ مهمة التدريس، بسبب هجرة الكثير من المعلمين إلى خارج سوريا، فيما عزف آخرون عن العمل بسبب صعوبة استلام رواتبهم من مناطق سيطرة النظام السوري.

وما يمكن أن يهددهم من خطر الاعتقال لا سيما بعد حوادث اعتقال جرت لعدد من المعلمين الذين حاولوا الوصول إلى مديرية التربية في حماة بغية استلام رواتبهم.

كما يعاني المعلمون في إدلب من قلة الرواتب، إذ يتبع بعضهم مديرية التربية الحرة التي تؤمّن الرواتب عن طريق دعم المنظمات، فيما لا يزال البعض يتبع مديرية تربية النظام السوري الموجودة في مدينة حماة، وكذلك يعمل كثيرون بشكل تطوعي، إذ وصل عدد المتطوعين العام الدراسي الفائت إلى حوالي 2000 مدرس، الأمر الذي دفع البعض للتخلي عن مهنة التدريس، للبحث عن عمل آخر يؤمنون به متطلباتهم المعيشية.

علياء عبد الرحمن مدرسة رياضيات في معرة النعمان بريف إدلب الجنوبي تقول لـTRT عربي "أتبع مُلاك مديرية التربية الحرة، وأحصل على مبلغ 120 دولاراً أمريكياً شهرياً دون عناء أو تكاليف عن طريق مكاتب الحوالات الموجودة بكل مدينة وبلدة، ونصطحب ورقة قائم على رأس العمل بالإضافة للهوية الشخصية للتأكد من صاحب العلاقة، ولكنني مع زملائي لا نحصل على رواتب خلال العطلة الصيفية".

المعلم أبو وليد من مدينة حماة يقبض راتبه من النظام لعدم وجود البديل وعن معاناته يقول "عليّ أن أسافر إلى مدينة حماة كل ستة أشهر للحصول على راتبي، وأدفع مبالغ كبيرة أثناء الذهاب والإياب، كما أشعر بالخوف الدائم من احتمال التعرض للاعتقال التعسفي من قبل حواجز نظام الأسد المنتشرة على الطرقات".

التسرب المدرسي

من أكثر الظواهر فتكاً بالتعليم ظاهرة تسرب الطلاب في سن التعليم من مدارسهم، فقد دفعت قلة عدد المدارس والمصاعب التي تواجه العملية التعليمية الكثير من الطلاب إلى التسرب من مدارسهم، وعدم الاعتراف بالشهادات الممنوحة من الحكومة المؤقتة فضلاً عن القصف الجوي للمدارس وما يتبعه من نزوح، وصعوبة الذهاب إلى مناطق سيطرة النظام السوري.

ويشير الحسين إلى أن عدد الطلاب المتسربين بلغ العام الدراسي الفائت 220 ألف طالب، ويتوقع أن تتفاقم هذه المشكلة خلال العام الدراسي الحالي بسبب انقطاع الدعم.

أبو خالد نزح مع أسرته من بلدة الهبيط بريف حماة إلى مخيمات إدلب، وقد امتنع أطفاله عن ارتياد المدرسة بعد النزوح، وعن سبب ذلك يقول "نحن بحاجة إلى ما يحضره أولادي من مردود بعد أن عجزت عن تأمين ما يسد رمق أسرتي، والعمل بكل الأحوال أفضل من تعليم لا فائدة منه بعد انقطاعهم لفترة طويلة عن الدراسة، وتأخرهم عن أقرانهم في المدرسة".

التعليم في المخيمات

كذلك يسود التدهور التعليمي مخيمات الشمال السوري التابعة لمحافظة إدلب، وتشمل مناطق أطمة وباب السلامة وقاح وسرمدا وسلقين وخربة الجوز، وتختلف هذه المخيمات في مستوى الدعم المقدم من المنظمات الإنسانية، ما أدى إلى توافر مقومات العملية التعليمية في بعض المخيمات، وغيابها بشكل نهائي عن مخيمات أخرى، كما تختلف المدارس فيها بين الإسمنتية والخيام، كما تقوم بعض الأسر النازحة بإرسال أبنائها إلى مدارس بعيدة عن مناطق سكنهم، باعتباره الخيار الوحيد المتاح.

الطفل أحمد الأسعد في الصف السادس يقطن مع أسرته في مخيم تابع لمدينة سرمدا الحدودية، يضطر إلى المشي لمدة ساعة يومياً في طرق وعرة للوصول إلى المدرسة في البلدة المجاورة وعن ذلك يقول "أعاني بُعد المدرسة في حر الصيف وبرد الشتاء، إذ أقطع مسافة طويلة سيراً على الأقدام للوصول إلى مدرستي، أما أخواتي فقد تركن المدرسة للسبب ذاته".

جهود تطوعية لإنقاذ الأطفال من شبح الجهل

أمام تردي واقع التعليم في المخيمات انطلقت مبادرات فردية بهدف تعليم الأطفال وتعويض ما فاتهم، واستذكار ما تعلموه حتى لا ينسى.

وئام النسر من خان شيخون تقطن في أحد مخيمات مدينة أطمة الحدودية مع تركيا، قررت تعليم أطفال المخيم لزراعة الأمل في عيونهم، وعن ذلك تقول "يفتقر المخيم لكل وسائل الحياة، ويعاني القاطنون به ظروفاً مادية بالغة الصعوبة، لذلك قررت مساعدة الأطفال الذين حرموا من إكمال تعليمهم داخل المخيم بإمكانيات ضئيلة جداً، إذ عملت بمساعدة زوجي على تأمين سبورة وعدد من الأقلام لتنوير أطفال المخيم، وتعويض ما فاتهم".

كذلك المدرس حمدو الحسن يقيم في أحد المخيمات العشوائية بريف إدلب الجنوبي وقد جعل من خيمته مكاناً لتدريس الطلاب لكسر حاجز الجهل الذي لحق بأطفال المخيم الذي يعيش فيه وعن ذلك يقول لـTRT عربي "يبلغ عدد الأطفال الذين يرتادون الخيمة نحو 55 طالباً وطالبة قمت بتقسيمهم إلى فئتين، الصف الأول وصف تجميعي يضم بقية الصفوف، وقد تحسن مستواهم التعليمي بشكل كبير فأصبحوا يمسكون القلم ويتفاعلون ويحفظون دروسهم بعد أن كانوا لا يجيدون القراءة والكتابة بشكل نهائي".

التعليم من أول القطاعات التي أهملت في زمن الحرب، ما ينذر بكارثة إنسانية بالنسبة للأطفال، فلا تتوقف المعاناة السورية على القتل والتدمير، بل تتعدى ذلك إلى تردي مستوى التعليم، الأمر الذي يضع آلاف الطلاب أمام مستقبل مجهول، ويجعل منهم جيلاً على حافة الضياع.

تجهيز الأطفال قبل دخولهم إلى خيمتهم الدراسية (TRT Arabi)
الأستاذ محمد سويدان يتطوع لتدريس الأطفال تحت أشجار الزيتون (TRT Arabi)
إحدى المدارس المدمرة في ريف إدلب الجنوبي (TRT Arabi)
الأستاذة وئام النصر تدرس تحت أشجار الزيتون (TRT Arabi)
يضطر الطفل أحمد الأسعد إلى السير لمسافاتٍ طويلة من أجل الوصول إلى مدرسته (TRT Arabi)
بُعد المدارس عن مكان نزوحه حال دون تحقيق محمد لحلمه بالدراسة، مما جعله يتخلى عن فكرة التعليم، ويتوجه لتعلم مهنة يواجه بها الحياة (TRT Arabi)
التعليم من أول القطاعات التي أهملت في زمن الحرب، ما ينذر بكارثة إنسانية بالنسبة للأطفال (TRT Arabi)
TRT عربي