زيارة أردوغان هي الأولى إلى مدينة شوشة منذ تحريرها من الاحتلال الأرميني (Tccb / Murat Cetinmuhurdar/AA)
تابعنا

وصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اليوم الثلاثاء، إلى مدينة شوشة الأذربيجانية في زيارة توصف بالتاريخية، المدينة التي تم تحريرها العام الماضي بعد احتلال أرميني دام لنحو 28 عاماً، وتهدف الزيارة إلى تعزيز العلاقات التركية الأذربيجانية، فضلاً عن إظهارها لمدى عمق النفوذ التركي في القوقاز.

وتعد مدينة شوشة التي كان لتحريرها أثر عظيم في نفوس الأذربيجانيين، رمزاً ثقافياً ليس فقط لسكان شوشة، ولكن لجميع سكان أذربيجان، لكونها تضم العديد من الآثار التاريخية والثقافية، بالإضافة إلى كونها موطناً للعديد من المفكرين والعلماء والموسيقيين ولشخصيات ثقافية متميزة.

وعقب تحرير المدينة من الاحتلال الأرميني، أعلن الرئيس الأذربيجاني علييف مدينة شوشة عاصمة ثقافية للبلاد، تتويجاً لدور المدينة التاريخي في النهوض بالثقافة والموسيقى الأذربيجانية، وبالإضافة إلى ذلك أعلن علييف عن أن العام الحالي هو "عام نظامي"، تكريماً وتخليداً للذكرى 880 لولادة الشاعر والمفكر الأذربيجاني الشهير "نظامي كنجوي".

تاريخ المدينة

تم إنشاء مدينة شوشة في أثناء حكم قبيلة جافانشير، على يد "بيناهالي خان" بإقليم قره باغ عام 1752، وبناء قلعة شوشة الحالية التي أطلق عليها اسم "بينهاباد"، حيث يعتبر بيناهالي خان المؤسس لمدينة شوشة، وأول خان لخانات قره باغ.

وشهدت المدينة منذ تأسيها منتصف القرن الثامن عشر ولادة عدد كبير من الموسيقيين والملحنين، حيث وصفت المدينة بـ"مهد الموسيقى الأذربيجانية"، حيث تعد رمزاً ثقافياً ليس فقط لإقليم قرة باغ، بل لأذربيجان بالكامل بسبب ثرائها التاريخي والثقافي وجمالها الطبيعي، أكد ذلك الرئيس الأذربيجاني الراحل حيدر علييف بقوله: "إن شوشة صرح تذكاري عظيم صنعه أجدادنا".

موقعها الاستراتيجي

تمتلك شوشة موقعاً استراتيجياً ذا أهمية عسكرية كبيرة، حيث تعتبر المدينة من أكثر المدن صعوبة في الاستيلاء عليها، وذلك بسبب موقعها الجغرافي المهيمن في المنطقة، وقوعها في أعلى منطقة في إقليم قره باغ على ارتفاع يتراوح بين 1300 و1600 متر فوق مستوى سطح البحر، كما أن موقعها يعتبر قلعة طبيعية، بسبب إحاطتها بسفوح جبلية حادة من ثلاث جهات وسهل من جهة الجنوب.

تعتبر شوشة نقطة مهمة من الناحية الاستراتيجية، حيث إنها تقع في وسط منطقة ناغورنو قره باغ، كما وصفت عملية تحريرها من قبل الجيش الأذربيجاني بالخطوة الحاسمة، بسبب وقوعها على طريق الإمداد بين أرمينيا وقره باغ، ولقربها من خانكندي، إحدى المدن المهمة في المنطقة وكبراها.

التحرير بعد احتلال دام 28 عاماً

قبل إعلان أذربيجان استقلالها عن الاتحاد السوفييتي عام 1991، كان يقطن مدينة شوشة قرابة 23000 نسمة عام 1989، أكثر من 90% منهم يعودون إلى أصول تركية أذربيجانية، وعقب حصول أذربيجان على استقلالها في 30 أغسطس/آب عام 1991، باشرت قوات الاحتلال الأرمينية بمساعدة روسية في احتلال مدينة خانكندي في الهجمات التي بدؤوها عام 1991، من ثم لحقها سقوط مدينة خوجالي في 26 فبراير/شباط 1992، وصولاً إلى احتلالهم لمدينة شوشة في 8 مايو/أيار 1992.

ولمدة 28 عاماً متواصلة دام الاحتلال الأرميني لشوشة حالها كحال بقية مدن إقليم قره باغ، أُجبر خلالها الأتراك الأذربيجانيون الذين يشكلون غالبية سكان شوشة على الهجرة من المدينة، الأمر الذي كان سبباً في خسارة كبيرة للاقتصاد الأذربيجاني، فضلاً عن محاولات أرمينية لطمس جميع المعالم الثقافية من خلال قيامها بتدمير أكثر من 300 نصب تذكاري تاريخي.

ورداً على اعتداء عسكري أرميني دموي في 27 سبتمبر/أيلول 2019، أطلقت أذربيجان عملية عسكرية لتحرير أراضيها في إقليم قره باغ المحتل، حيث تمكنت أذربيجان من استعادة السيطرة على 4 مدن و3 بلدات وأكثر من 200 قرية، قبل تحرير شوشة في 8 نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، وما لحقه بعد ذلك من تطهير محيطها من بقايا الجيش الأرميني، ومن ثم ربطها ببقية الأراضي الأذربيجانية.

موطن المفكرين والفنانين والشعراء

منذ إنشاء شوشة في القرن الثامن عشر على يد قبيلة جافانشير، مروراً بحقبة خضوعها تحت وصاية الإمبراطورية الروسية عام 1805، وصولاً إلى فترة تبعيتها للاتحاد السوفييتي لغاية عام 1991، اعتبرت شوشة مركزاً للثقافة والأدب والموسيقى، وموطناً للمفكرين والفنانين والشعراء الأذربيجانيين والأتراك.

وشكلت منطقة قره باغ الأذربيجانية، وخاصة مدينة شوشة، مركزاً للأنشطة الموسيقية، وموطناً للعديد من الموسيقيين الكبار أمثال "جبار قار ياغدي أوغلو" و"قربان بيريموف" و"سيد شوشنسكي" و"عزير حاجييوف" و"رشيد باهبودوف" و"نيازي" و"فكرت أميروف".

ولم يقتصر إبداع مواطني شوشة على الموسيقى والشعر فقط، بل برعوا في الكتابة والفكر أيضاً، من أمثال "خورشيد بانو نطاوان" و"قاسم باي ذاكر" و"سليمان ثاني أخوندوف" و"عبد الرحيم حق وردييف" و"نجف باي وزيرف"، كما تعتبر شوشة موطن البرلماني والمحامي والمؤلف والصحفي "أحمد آغا أوغلو" (1869-1939)، أحد أبرز شخصيات تاريخ الفكر التركي، والذي أمضى قسماً من حياته في أذربيجان والقسم الآخر في تركيا.

TRT عربي