تابعنا
لم تنته الحكاية عند الحكم على الإرهابي تارانت، مرتكب مجزرة المسجدين في نيوزلندا، بالسجن المؤبد، أو إخضاعه للمحاكمة القانونية، فقد جاء من نفس المكان المظلم الذي سبقه إليه مجموعة من الإرهابيين نفذوا هجمات ضد المسلمين على مستوى العالم.

أصدرت المحكمة العليا في مدينة كرايستشيرش النيوزيلندية 27-8-2020 حكماً غير مسبوق بالسجن مدى الحياة دون الحد الأدنى بالإفراج المشروط على الإرهابي المجرم "برينتون تارانت" مرتكب مجزرة المسجدين في نيوزلندا والتي راح ضحيتها 51 قتيلاً ما بين رجل وامرأة وطفل من المصلين المسلمين في 15 مارس/آذار 2019.

لم تنته الحكاية عند الحكم على الإرهابي تارانت بالسجن المؤبد، أو إخضاعه للمحاكمة القانونية، فقد جاء من نفس المكان المظلم الذي سبقه إليه مجموعة من الإرهابيين نفذوا هجمات ضد المسلمين على مستوى العالم أطلقوا قبلها عبارات هاجمت الإسلام والمسلمين.

نحت تارانت أسماء على بنادقه المستخدمة في مذبحة المسجدين مثل "ألكسندر بيسونيت"، و"لوكا ترايني"، يضع تساؤلاً مهماً حول هذه الهجمات التي ينفذها إرهابيون ضد المسلمين في مناطق متفرقة من العالم: هل هي عمليات تندرج تحت سياق "الذئب المنفرد"، أم أن لها سياقاً عاماً آخر بشكل منظّم؟

تاريخ طويل من الجرائم لكن دون "الإرهاب"

في السياق التاريخي لأهم الجرائم التي ارتكبت بحق المسلمين في السنوات العشر الأخيرة، التي شملت عمليات قتل وتشريعات غربية مناهضة للشريعة الإسلامية، ومعارضة بناء المساجد والمقابر والمدارس الإسلامية، وتصريحات من قبل مسؤولين منتخبين ضد الإسلام، ومعارضة إعادة توطين اللاجئين، لم يتم إطلاق مصطلح الإرهاب على كل هذه الجرائم ليبقى مصطلح الإرهاب فزاعة تستخدم ضد المسلمين فقط.

ففي 22 يوليو/تموز 2011 نفذ "أندريس بريفيك" هجوماً إرهابياَ ضد مخيم صيفي في جزيرة "أوتويا" في النرويجي أسفر عن مقتل 93 شخصاً، عبر فيها الإرهابي عن كراهيته للإسلام والمسلمين وأشار في منشور له إلى مصطلح "فرسان الهيكل"لذي ينتمي للعصور الوسطى ويشير إلى المقاتلين في الحملات الصليبية.

وفي أغسطس/آب 2016 قتل إمام مسجد في نيويورك ومساعده رمياً بالرصاص، وفي ديسمبر من نفس العام اعتدى مسلح على مسجد في سويسرا وأطلق النار على المصلين مصيباً ثلاثة منهم، وفي يناير للعام 2017 قتل المجرم "ألكساندر بيسونيت" 6 مصلين مسلمين وأصاب 19 آخرين إثر هجوم على المركز الإسلامي في مقاطعة كيبيك -كندا، وقد ساد غضب كبير لعدم توجيه تهمة الإرهاب بحق المجرم.

اقرأ أيضاً:

وفي مايو/أيار 2017 طعن "جيرمي جوزيقف كريستسان" رجلين حتى الموت بعد محاولتهما الدفاع عن امرأتين مسلمتين حاول المجرم التحرش بهما في قطار ولاية أوريغون غرب الولايات المتحدة الأمريكية، إضافة لصراخه بعبارات كراهية ضد الأعراق والأديان، وفي حزيران من نفس العام دهس"دارين أوزوبون" مجموعة من المصلين الخارجين من صلاة التراويح في لندن وقتل رجلاً وأصاب تسعة آخرين، ورصدت الكاميرا صراخه وهو يحاول الهرب قائلاً: "أريد قتل جميع المسلمين".

وفي العام 2019 شن مجرمون إرهابيون سلسلة اعتداءات متتالية ضد مسلمين حول العالم، كان أهمها المجرم "تارانت" الذي شن الهجوم على مسجدي نيوزيلندا، وكذلك في 11 أكتوبر، وقع هجوم على المسجد الكبير في بوركينافاسو أسفر عن مقتل 16 شخصاً، وفي 20 نوفمبر/تشرين الثاني تعرضت مسلمة حامل للعنف من المتعصب الأسترالي "ستيب لوزينا" الذي كان يصرخ بخطابات معادية للإسلام على المرأة المسلمة.

حوادث فردية أم إرهاب منظم؟

تشابهت المصطلحات التي أطلقت على المجرمين السابقين مثل: "يعانون من أمراض نفسية وعقلية"، أو تصنيفاتها تحت إطار جرائم كراهية أو جنائيةـ أو ذات دوافع اقتصادية واجتماعية؛ لكن لم يجرؤ أحد من المنظومة العالمية الغربية الحاكمة على وصفهم بالإرهابيين، أو "بالإرهاب المسيحي"، مثلما يسارعون في وصف أي جريمة يرتكبها متطرفون إسلاميون بـــ"الإرهاب".

من جانبه، يرى سلمان بونعمان أستاذ العلوم السياسية في جامعة سيدي محمد بن عبد الله بمدينة فاس المغربية في حديثه مع TRT عربي بأن جزءاً كبيراً من الغرب لم يتخلص من عقدته الدينية والحضارية في الصراع مع الإسلام، لذا يصفون منفذي الجرائم غير المسلمين بحق المسلمين أنهم قتلة أو يعانون من أمراض نفسية وعقلية، ويتفادون الحديث عن الإرهاب الأبيض، أو الجماعات الإرهابية المنظمة التي تستهدف المساجد والتضييق على المسلمين في مظاهر التدين والحريات الدينية.

وحول ازدواجية المعايير وحالة التضخيم الإعلامي لمفهوم الإرهاب وربطه بالإسلام يرى بونعمان أن هناك كثيراً من الأهداف غير القضائية وغير القانونية، ليس غرضها محاصرة ظاهرة التطرف بقدر ما هو توظيف سياسي للجماعات المتطرفة والأحداث الإرهابية بهدف التضييق على التيار الإسلامي الوسطي والمعتدل والمنفتح.

ويقول بونعمان: "استخدمت تحالفات الإرهاب كذريعة لمحاصرة أشكال المقاومة الفلسطينية مثلاً، والتضييق على مصادر تمويلها وتحركاتها، وصناعة صورة سيئة للإسلام ضمن الأبعاد السياسية والحضارية والأمنية في تصور الغرب، ومن لم يتبن هذه الفكرة يعتبر من داعمي الإرهاب.

اقرأ أيضا:

في حين يشير أبو هنية إلى أن هناك ازدواجية واضحة في الحكم وفق أيديولوجية الإعلام المكمل لسياسة الدولة الغربية، حينما تكون الظاهرة إسلامية يقولون إن هذا العمل له تبعات، ومرتبط بالمنظومة الإسلامية عموماً، أما دون ذلك فهو ضمن نموذج معياري للعلمانية الليبرالية حتى لو كان يمينياً متطرفاً، فيتم التعامل مع الظاهرة كأن العدالة قد أحقت، وأنه عمل فردي ليس له تبعات أخرى.

غياب التحالفات الإسلامية ضد الإرهاب الأبيض

في قراءة للسجل التاريخي للاعتداءات التي نفذها غير مسلمين بحق المسلمين منذ 2010 يرى البروفيسور قمر الزمان بن يوسف المحاضر في جامعة التكنولوجيا الماليزية، ورئيس مجموعة بحوث الحضارة في الشرق الأوسط في حديثه مع TRT عربي أن هناك كثيراً من المنظمات اليمينية المتطرفة غير مصنفة في الغرب على أنها إرهابية، لأن التحالفات الدولية تجري في الحالة الإسلامية فقط، أما غير المسلمين فتجري طرق المعالجة بالمقاربات الناعمة مثل إعادة التوجيه أو تعديل الإسلام ليتوافق مع الليبرالية، مع أن هناك العديد من المنظمات اليمينية المتطرفة التي تدير أنشطة تحرض على المسلمين وتطالب بتهجيرهم.

وقد نشأت في أوروبا وأمريكا مشاريع ناعمة لإعادة التوجيه والدمج مثل برنامج "آرهوس" في الدنمارك، وبرنامج "الحياة" في ألمانيا، وبرنامج "الخروج" في بريطانيا، وهي برامج تؤكد وجود خلل في الثقافة والدين يحتاج إلى إصلاح، لكن المقاربات الصلبة تكون على شكل الحرب والعدالة الجنائية مثل المحاكم.

في هذا السياق، يرى أبو هنية أنه لو كان مرتكب الجريمة عربياً ولديه جنسية أوروبية يحال إلى بلده الأصلي، ويصبح كأنه شن حرباً على بلده الأصلي كونها ساهمت في إنتاج هذا السلوك المعتمد على الثقافة، فتظهر أنها شنت تحالفات دولية مرتبطة بالبعد الجيوبولتيكي والجيواستراتيجي، بمعنى أن هذه السياسات تصبح ذريعة للسيطرة أو الاحتلال، احتلال العراق تحت ذريعة الإرهاب ووجود أسلحة دمار شامل، وغزو باكستان من أجل بن لادن الذي لاعلاقةله بطالبان، كلها تحت حجج مكافحة الإرهاب التي هدفت لتغيير هذه الدول.

أما قمر الزمان فقد ربط عدم وجود تحالفات عالمية ضد الإرهاب الأبيض الذي يرتكبه غير المسلمين بضعف وتشتت الدول والمنظمات الدولية الإسلامية، التي تخشى الخروج عن منصة التحالفات الدولية ضد الإرهاب، إضافة لضعف الإعلام في هذه الدول للحد من ظاهرة تنامي "الإسلاموفوبيا في الغرب"، ولا يزال الجهد المبذول في هذا السياق ضعيفاً يحتاج لتعزيز ودعم عاجل من الدول الإسلامية حتى لا تخترق هذه الدول في برامجها وهويتها الإسلامية عبر استمرار ربطها بالإرهاب، في الوقت الذي يدعو فيه الدين الإسلامي للتسامح والتعايش والرحمة.

وكانت تركيا وماليزيا وباكستان قد وقعت مذكرة تفاهم حول مكافحة المواقف المعادية للإسلام تحت مشروع "التواصل لمكافحة الإسلاموفوبيا"، تضمن تأسيس مركز اتصالات وقناة رقمية، بهدف مكافحة الأحكام المسبقة من النواحي المؤسسية والهيكلية والخطابية، والتعصب ضد الإسلام والمسلمين.

ويؤكد قمر الزمان ضرورة الإسراع في إنشاء تحالفات عالمية تبدأ من الدول الإسلامية ذات بعد أخلاقي وقانوني لمحاربة الإرهاب الأبيض الذي أوقع مئات الضحايا من المسلمين حول العالم، وأن تشترط الدول الإسلامية المنطوية تحت تحالفات محاربة الإرهاب إدراج كل الجرائم التي ترتكب عالمياً سواء من أناس متطرفين محسوبين على الإسلام أو متطرفين مسيحيين أو من أي الديانات لأن الإرهاب في الجرائم التي نفذت كلها متشابه في الخطاب والأدوات وطرق التنفيذ.

عائلات ضحايا الحادث الإرهابي بمسجد كريستشورش بنيوزيلاندا. 21 مارس 2019 (AP)
TRT عربي