خريطة توضح مراكز الحرائق عالمياً (NASA)
تابعنا

اجتاحت العالم موجة حرائق غابات أكلت الأخضر واليابس، وامتدت لتشمل أغلب قارات العالم. فيما يؤكد خبراء أن حرائق الغابات تأتي كظاهرة ضمن العديد من الظواهر الطبيعية الكارثية التي نتجت عن تغير المناخ خلال العقود الماضية.

ويضاف إلى الحرائق عدد من الكوارث الطبيعية الأخرى مثل موجات الجفاف، والأعاصير، والذوبان الجليدي، والفيضانات الناتجة عن ارتفاع منسوب سطح البحار والمحيطات، إضافة إلى زيادة الأمراض المنقولة عبر البعوض وغيرها من الحشرات.

ويؤكد خبراء أن ما يصاحب موجة ارتفاع الحرارة الحالية من كوارث طبيعية هو مجرد إنذار مبكر من الطبيعة لما يمكن أن يحدث من كوارث أبشع في المستقبل القريب، وذلك إن لم يتغير السلوك البشري الذي لا يزال يقع على عاتقه مسؤولية الحد من هذه الظاهرة.

وقود قابل للاشتعال

تعتمد مخاطر حرائق الغابات على عدد من العوامل، بما في ذلك درجة الحرارة ورطوبة التربة وكثافة الأشجار، وبطبيعة الحال ترتبط كل هذه العوامل ارتباطاً مباشراً بمدى تقلب المناخ وتغيره.

ويعتبر خبراء بيئيون تغير المناخ عاملاً رئيسياً في زيادة مخاطر حرائق الغابات حول العالم. فمع ارتفاع متزايد لدرجات الحرارة، صاحب ذلك نشوء عدة عوامل تؤدي إلى نشوب الحرائق.

وينتج عن موجات الحرارة المتزايدة تجفيف المواد العضوية في الغابات، كما يمكن أن تتسبب الحرارة والجفاف إلى تقليل فرص إخماد الحرائق وسرعة انتشارها.

ويصاحب ذلك نمو حشرة "خنفساء الصنوبر الجبلية" وغيرها من الحشرات التي يمكن أن تضعف الأشجار أو تقتلها تماماً.

وتؤدي كل تلك العوامل إلى تكوين ما يشبه "وقوداً قابلاً للاشتعال" في الغابات.

وتظهر أبحاث أمريكية أن متوسط ​​زيادة درجة الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة فقط من شأنه أن يزيد سنوياً من ​​المساحة المحترقة في بعض أنواع الغابات إلى 6 أضعاف على ما هو عليه الآن.

ويرى جوش سيجل، الخبير في شؤون البيئة والمناخ، أن العالم: "أصبح بإمكانه الآن رؤية ماهية التغير المناخي بوضوح أكثر من أي وقت مضى". مشيراً إلى أن موجة حرائق الغابات المندلعة شرقاً وغرباً هي إحدى تداعيات التغير المناخي.

وأردف خبير الشؤون البيئية: "كنا نتحدث في الماضي عن تحقيق النتائج من خلال رؤية عام 2050، لكن ما نشهده الآن يحتّم علينا التحرك سريعاً لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".

وأكد سيجل أن تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة هو أول الخطوات التي ينبغي اتباعها، وذلك باعتبارها المسبب الأول في ظاهرة الاحتباس الحراري التي تكاد تودي بكوكب الأرض، على حد تعبيره.

"الأسوأ لم يأتِ بعد"

يرى خبراء أن الأسباب الجذرية لتغير المناخ تعود إلى ما يقرب من 200 عام، عندما ظهرت الثورة الصناعية في أوروبا والولايات المتحدة، وانتشرت بعدها تدريجياً في القارات الأخرى. ومع ذلك لم يبدأ العالم فعلياً في تسليط الضوء على التهديد الخطير لهذه القضية إلا قبل قرابة أربعة عقود فقط.

وجرى تأسيس عدة هيئات ومنظمات دولية تهدف إلى الحد من انتشار الظاهرة، ومتابعة أداء الحكومات حول العالم في تقليل التلوث الذي يؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ الناتج عنها. غير أن تأثير تلك المنظمات وقدرتها على الحط من آثار الظاهرة لا تزال محدودة.

ومن أهم المنظمات المعنية بالظاهرة تأتي الهيئة الحكومية الدولية للتغيرات المناخية التابعة للأمم المتحدة (IPCC)، والتي تصدر تقارير دورية عن مدى المخاطر المستقبلية لظاهرة التغير المناخي، وتعمد إلى تقديم حلول لها.

وفي 23 يونيو/حزيران المنصرم، أعلنت وكالة الصحافة الفرنسية عن اطلاعها على مسودة تقرير أعدتها الهيئة التابعة للأمم المتحدة، وكان من المقرر له أن ينشر في فبراير/شباط من العام القادم.

وورد في مسودة التقرير أن: "التغير المناخي سيدمر حتماً الحياة كما نعرفها حالياً على كوكبنا، وذلك في غضون 30 عاماً على الأكثر".

وقدّم التقرير صورة أكثر تشاؤماً من آخر تقرير مماثل صدر عن الهيئة عام 2014، حيث يشير إلى أنه بالرغم من تعهد العالم في اتفاق باريس عام 2015 بحصر الاحترار المناخي في أقل من درجتين مئويتين أو حتى 1.5 درجة، فإن الواقع ينذر بعكس ذلك تماماً.

ويؤكد "التقرير المسرّب" أنه مهما كانت وتيرة تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، فإن التأثيرات المدمّرة للاحتباس الحراري على الطبيعة والبشرية ستتسارع على نحو مقلق.

يُتوقع أن يتعرض حوالى 170 مليون شخص للجفاف الشديد هذا القرن إذا وصل ارتفاع درجات الحرارة إلى ثلاث درجات مئوية، وذلك وفقاً للخبراء معدي التقرير.

يُذكر أن شهر يوليو/تموز المنصرم شهد وحده عدداً غير مسبوق من حرائق الغابات، كان أشدها في كل من الولايات المتحدة وكندا وتركيا واليونان وإيطاليا وروسيا ولبنان وقبرص الرومية.

TRT عربي