تابعنا
في مصر، هناك مستشفيات تخصصية وهي حكومية وتملك إمكانات ممتازة لكنها تقدمها لمن يدفع، أما الفقراء، فمصيرهم مستشفياتٌ مهترئة تزيد من عذاباتهم ومعاناتهم.

لا تزال "نادية" تتردد على المستشفى منذ أكتوبر الماضي أملاً في تحديد موعد جراحة تؤكّد الفحوصات ضرورة إجرائها بشكل فوري، شأنها في ذلك شأن ملايين المصريين الواقفين على أبواب الحكومة طلباً للعلاج.

فقبل نحو 3 أشهر اكتشفت السيدة البالغة 56 عاماً إصابتها بورم سرطاني في كليتها اليسرى، ونصحها الأطباء باستئصال الكُلية بشكل عاجل حتى لا ينتشر الورم على نحو تصعب مواجهته.

ولأن إجراء الجراحة على نفقتها الخاصة يتطلب 20 ألف جنيه (1250 دولار) على أقل تقدير، فقد لجأت نادية إلى معهد الأورام لإجراء الجراحة على نفقة الدولة.

يقول شريف (نجل المريضة) لـTRT عربي: "منذ شهرين ندور في دوامة الروتين، خلاف بين الأطباء على جدوى أخذ عينة من الورم، ثم فحوصات وتحاليل سبق وأجريناها، وفي النهاية توفير دم وبلازما من فصيلتها (O+) كشرط أساسي لتحديد موعد الجراحة".

وتابع: "اشترينا الدم بـ600 جنيه من داخل المعهد نفسه وتبرعنا بالبلازما، لكننا تحملنا ثمن القِرَب (أكياس الدم الفارغة) وأُجبرنا على التبرع بـ250 جنيهاً للمعهد. في النهاية حُدّ 17 يناير الجاري موعداً مبدئيّاً لا نهائيّاً، كأنها مصابة بنزلة برد لا بالسرطان".

هذه ليست الحالة الوحيدة التي تتعرض فيها حياة المصريين للخطر بسبب ضعف الخدمة الصحية رغم الخطوات التي تعلنها الحكومة سنويّاً لتحسين الرعاية الصحية.

فقبل أسبوعين كادت راوية (33 عاماً) تفقد حياتها بعدما أصيبت بارتجاع مراري ولم تجد لها مكاناً في أي مستشفى حكومي.

يقول جلال (زوج راوية) لـTRT عربي: "ظللنا ثلاثة أيام نتنقل بين المستشفيات ولا نجد لها مكاناً. كانت تتقيأ باستمرار وكل الأطباء يؤكدون أنه لا إمكانية للتعامل مع حالتها إلا بمستشفى خاص أو تخصصي (حكومي استثماري) أو مستشفى جامعي (حكومي مجاني).

في النهاية، يضيف جلال، تَمكنَّا من إيجاد مكان لها بمستشفى جامعي عن طريق أحد المعارف رغم أن نفس المستشفى رفض استقبالها أول الأمر بحجة عدم توافر مكان.

فقر الميزانية

وتُعتبر الرعاية الصحية واحدة من أهم المظلات التي يستظلّ بها غير القادرين من حرارة القطاع الخاص التي بلغت مستويات لا يمكن تحمُّلها في ظلّ تدنِّي مستوى الدخل. لكن هذه الرعاية نفسها مصابة بـ"فقر الميزانية" الذي يجعلها كـ"الدواء المغشوش"، كما يقول أحد الأطباء الحكوميين.

"هي تجلس على كرسي متحرك وعلى المريض أن يساعدها في الحركة"، هكذا يصف علاء جنيدي أستاذ جراحات القلب بأحد المستشفيات الجامعية، الخدمة الصحية المجانية في مصر، مؤكّداً أن "نسبة المستفيدين منها ضئيلة جدّاً، وحتى هؤلاء يتحملون جزءاً ليس بسيطا من التكاليف".

ويوضح جنيدي لـTRT عربي أنه "رغم سهولة استخراج قرار العلاج وتوفير جزء كبير جدّاً من الأدوية قياساً بفترات سابقة، فإن أدوية مهمة للغاية غير متاحة، ناهيك بقوائم الانتظار المكتظة بحالات لا يمكن أن تنتظر".

وتابع: "في مجال القلب مثلا نقص حادّ في مضادات الجلطات الفعالة مثل بلافكس، كما أن العنايات المركزة تعاني نقص الأدرينالين وأسطوانات الأكسجين، وهما بمثابة الماء والهواء لمرضى القلب".

كما أن جراحات مهمة كـ"الأوعية الدموية وتركيب الدعامات" غير متوافرة في كثير من المحافظات، لذا يُضطرّ المريض إلى إجرائها في محافظة غير محافظته، وهذا عبء آخر، كما يقول جنيدي، الذي يؤكد أن قطاع الصحة "لا يمثل أولوية لدى الحكومة، والمخصصات المالية للصحة (رغم زيادتها) لا تزال تجعل طالبي العلاج المجاني يخسرون وقتهم وكرامتهم وربما حياتهم".

ورغم الحملات التي دشّنَتها الحكومة للقضاء على فيروس سي وغيرها، والتي استفاد منها ملايين المصريين، فإن الصحة إجمالا أصبحت تجارة في مصر، كما يقول متخصصون.

مخالفة للدستور

ورغم تخصيص مبلغ 114 مليار جنيه (الدولار يساوي 16 جنيهاً) للصحة في موازنة 2020، فإن هذا المبلغ "لا يوفي بنسبة الـ3% التي أقرها الدستور، فضلاً عن أن 38 ملياراً منها تذهب لمشروعات الصرف الصحي"، حسب محمود فؤاد المدير التنفيذي للمركز المصري للحق في الدواء (غير حكومي).

وفي تصريح لـTRT عربي، لفت فؤاد إلى أن المخصصات الفعلية للصحة هي 76 مليار جنيه، تلتهم مرتبات العاملين أكتر من 40% ؜منها، وهو ما يؤدِّي إلى تردي الرعاية الصحية التي تمثل واحداً من أهم حقوق الإنسان.

وتنفق مصر نحو 118 مليار جنيه في حقل الصحة يتحمل المواطن نحو 66%؜ منها في حين تتكفل الحكومة بالنسبة المتبقية، كما يقول فؤاد.

ويشير فؤاد إلى أن 65% من أرباح الصحة تذهب للموظفين بالقطاع، ما جعل الربح أولوية لدى مسؤولي الصحة، الأمر الذي يضرب مبدأ العدالة في الإنفاق التي نصت عليها المادة 18 من الدستور.

أحد مديري المستشفيات الحكومية يؤكد أن "مليارات الموازنة لا تعني للمواطن سوى 550 جنيهاً (35 دولارا) هي نصيبه منها خلال العام، أي أقلّ من 50 جنيهاً شهريّاً، وهو مبلغ لا يكفي لعلاج نزلة برد".

مدير المستشفى، الذي طلب عدم ذكر اسمه، يؤكد لـTRT عربي أن "الوضع مأساوي ولا توجد خطة حقيقية لإنهائها"، مضيفاً: "عندما يدخل المريض إلى مستشفى فهو بحاجة إلى فحص وعلاج؛ نحن نوفر له الفحص ولا نوفِّر له العلاج".

ويؤكد المتحدث أن "الحالات التي تحتاج إلى رعاية غالباً ما تحصل على سرير غير آدمي في غرفة متهالكة، وإذا تعطل لدينا جهاز فإن إعادة إصلاحه تستغرق شهوراً. كل هذا بسبب ضعف الميزانية".

هناك المستشفيات التخصصية وهي حكومية وتملك إمكانات ممتازة لكنها تقدمها لمن يدفع، وترفع شعار "كامل العدد" في وجه الفقراء، كما يقول المتحدث.

ويتابع مدير المستشفى: "نستقبل آلاف المرضى بالعيادات الخارجية (للحصول على تشخيص وعلاج مجاني)، لكننا نصرف لهم المتوافر من الدواء. المريض يدفع 40 جنيهاً (ثمن تذكرة الدخول) ليحصل على دواء بـ20 جنيهاً وربما أقلّ، فمن يدفع لمَن؟".

ويعتقد المتحدث أن توفير الحكومة خدمة محترمة بتكلفة متوسطة هو الحل الأفضل للطرفين، فالمرضى يدفعون مبالغ كبيرة للقطاع الخاص، ومِن ثَم فهم مستعدون للدفع لمستشفيات الحكومة لو توافرت الخدمة الجيدة بتكلفة أقل.

وتعجّ المستشفيات الحكومية بالمرضى، ويعمل آلاف الأطباء والممرضين لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، في حين يبقى الحل الأكثر واقعية هو الذهاب إلى المستشفيات الخاصة التي يتطلب العلاج فيها مبالغ يعجز الفقير عن توفيرها.

في مصر هناك المستشفيات التخصصية وهي حكومية وتملك إمكانات ممتازة لكنها تقدمها لمن يدفع (TRT Arabi)
تنفق مصر نحو  118 مليار جنيه في حقل الصحة يتحمل المواطن نحو 66%؜، حسب المدير التنفيذي للمركز المصري للحقّ في الدواء (TRT Arabi)
يعاني المواطنون المصريون مع مستشفياتهم المهترئة والتي لا توفر لهم رعاية صحية كافية (TRT Arabi)
رغم تخصيص مبلغ 114 مليار جنيه (الدولار يساوي 16 جنيهاً) للصحة في موازنة 2020، فإن هذا المبلغ "لا يوفي بنسبة الـ3% التي أقرها الدستور المصري (TRT Arabi)
أحد مديري المستشفيات الحكومية يؤكد أن "مليارات الموازنة لا تعني للمواطن سوى 550 جنيهاً (35 دولارا) (TRT Arabi)
الحالة المزرية لمدخل أحد مستشفيات مصر (TRT Arabi)
TRT عربي