بعد تسرّبات نورد ستريم.. هل تكون تركيا الممّر الآمن البديل لخطوط الطاقة؟ (AA)
تابعنا

وسط الجدل الدائر منذ أيام حول هُوية المتسبب في التسريبات غير المسبوقة التي تعرضت لها خطوط نقل الغاز الروسي لألمانيا نورد ستريم 1 و2 أسفل بحر البلطيق، والحديث عن أن هذه الحوادث قد أحرقت أوراق لعب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحرب الطاقة التي طالما لوّح بها بوجه أوروبا، ولا سيما ألمانيا، منذ بدء الحرب الأوكرانية قبل 7 أشهُر، أعلنت السويد صباح اليوم اكتشاف تسرُّب رابع للغاز من خط أنابيب نورد ستريم.

وبينما يشتبه الاتحاد الأوروبي بعمل تخريبي وراء تسرُّب الغاز من خطوط الأنابيب الروسية، عادت الأصوات الأوروبية تنادي بضرورة تنويع مصادر الطاقة من أجل الإفلات من قبضة موسكو وتحرير الاقتصاد من الأعباء الضخمة التي سبّبها ارتفاع أسعار الطاقة.

والحقيقة أنه منذ اندلاع الأزمة الروسية-الأوكرانية عام 2014 بعد استيلاء الروس على شبه جزيرة القرم الأوكرانية، تزايدت مساعي الأوروبيين لتنويع مصادر الطاقة وباتوا يُبدون اهتماماً أكبر بمصادر الطاقة في الشرق الأوسط والقوقاز ووسط آسيا وشرق المتوسط، وهو الأمر الذي وجه الأنظار صوب تركيا التي برزت أهميتها في سوق الطاقة عبر موقعها الاستراتيجي الذي بات مركز الخطط الرامية إلى كسر الاحتكار الروسي وتعزيز أمن الطاقة الأوروبي عبر شبكات أنابيب الطاقة التي تمر من أراضيها.

حلقة وصل مهمة

يلعب موقع تركيا الاستراتيجي دوراً محورياً في الخطط الغربية في مجال أمن الطاقة في أوروبا، خصوصاً أن تركيا تُعتبر حلقة الوصل بين منتجي الطاقة في الشرق الأوسط والقوقاز ووسط آسيا من طرف، والمستهلكين الشرهين في أوروبا من الطرف الآخر. لهذا تُعَدّ تركيا الخيار الأفضل لتكون الجسر الآمن الذي تمر عبره خطوط نقل الطاقة من الدول المصدّرة إلى تلك المستوردة في أوروبا.

فيما أشارت ورقة بحثية نشرتها مجلة العلوم السياسية بجامعة مرمرة عام 2017، إلى أن موقع تركيا الاستراتيجي يتوسط بين منطقة الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى، حيث أكثر من 70% من احتياطيات النفط والغاز الطبيعي المؤكدة في العالم، والقارة الأوروبية التي تُعتبر ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم.

وإدراكاً منها لأهمية موقعها، عملت أنقرة طوال السنوات السابقة على تطوير مشاريع جديدة لخطوط أنابيب النفط والغاز كمحاولة لسدّ الفجوة وحل مشكلات نقل الطاقة بين البلدان المصدرة والمستوردة، مما سيجعلها مركزاً إقليمياً رئيسياً للطاقة. فإلى جانب تعزيز أمن الطاقة في البلاد، أصبحت تركيا صاحبة اليد العليا في مجال أمن الطاقة الأوروبي باحتضانها خطوط أنابيب الطاقة العابرة للحدود التي تمر عبر أراضيها.

بدائل متاحة

حسب الأناضول، تستورد دول الاتحاد الأوروبي ما مقداره 155 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي من روسيا سنوياً، وتشكل هذه الكمية 45% من واردات الغاز، و40%من الغاز المستهلك في أوروبا، ويورَّد 80% من الواردات عبر خطوط الأنابيب. وهنا تحديداً تأتي أهمية الخطوات الأوروبية الأخيرة للتخلص من إدمان الغاز الروسي والبحث عن موارد بديلة غير مصحوبة بـ"استفزازات سياسية".

وعند الحديث عن البدائل المطروحة، نجد أن التركيز ينصبّ على الغاز الطبيعي أكثر من النفط الموجود بكثرة في أماكن متنوعة. وعند البحث عن مصادر أخرى للغاز الروسي، وجد الغرب أن النرويج، ثاني أكبر مورّد للغاز في أوروبا بعد روسيا، بإمكانها زيادة الإمدادات، لكنها ليست كافية لتعويض الإمدادات الروسية، كما أن الغاز المسال القادم من الولايات المتحدة وقطر وشرق إفريقيا لا يُعتبراً حلّاً جوهريّاً، لأن لمحطات الغاز الطبيعي المسال في أوروبا قدرات محدودة على إعادة تغويز الغاز.

هنا تحديداً برز خيار "ممر الغاز الجنوبي"، الذي ينقل الغاز الأذربيجاني مروراً من الأراضي التركية إلى إيطاليا عبر خطوط أنابيب. أما الخيار الثاني فهو الاعتماد على الغاز الجزائري القادم عبر الأنابيب، بالإضافة إلى غاز شرق المتوسط الذي تنتجه مصر وإسرائيل، القابل للتوريد على شكل غاز مسال أو عبر أنابيب تمرّ أسفل البحر إلى تركيا ومن ثم إلى أوروبا. فوفقاً للأناضول، يرى خبراء أن غاز شرق المتوسط يحظى بمكانة خاصة ضمن خطة الاتحاد الأوروبي، لتأمين مصادر بديلة للحصول على ثلث كمية الغاز الطبيعي المستورد من روسيا.

خطوط الغاز البديلة العابرة للأراضي التركية

وسط الجدل الأوروبي حول أمن الطاقة ، تمتلك خطوط أنابيب الغاز أيضاً مهمة تحديد المصير، فإما تدعم تحرير أوروبا من إدمانها الخطير للغاز الروسي من خلال دعم ممر الغاز الجنوبي، المعروف سابقاً باسم "نابوكو" والمصمم لجلب إمدادات غاز جديدة من بحر قزوين ومناطق آسيا الوسطى والشرق الأوسط إلى أوروبا، وإما تبقى حبيسة خطوط الغاز الروسي مثل يامال ونورد ستريم وغيرهما.

خريطة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي والنفط التي تمر فوق الأراضي التركية (botas). (Others)

وإلى جانب الخطوط التي تنقل النفط والغاز من روسيا وأذربيجان والعراق وروسيا إلى تركيا، هناك خطوط تمتد من الأراضي التركية وتنقل الغازَ الطبيعي إلى الدول الأوروبية. أبرزها:

1- خط أنابيب "تاناب"

يُعتبر خط "تاناب" جزءاً من مشروع "ممر الغاز الجنوبي" الذي يهدف إلى نقل الغاز الأذربيجاني المستخرَج من بحر قزوين لأوروبا عبر الأراضي التركية. واليوم يساهم "تاناب"، بجانب تفريعته الأوروبية العابرة للبحر الأدرياتيكي "تاب"، بنقل 16 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، 6 مليارات منها لتلبية احتياجات تركيا، و10 مليارات تذهب إلى أوروبا. ووفقاً للخطة المقررة لمشروع "ممر الغاز الجنوبي"، سيُزاد حجم الغاز الأذربيجاني المنقول عبر خط أنابيب "تاناب" إلى 23 مليار متر مكعب مع حلول عام 2023، وإلى 31 مليار متر مكعب عام 2026.

2- خط باكو-تبليسي-أرضروم

دشّنت تركيا خط غاز جنوب القوقاز (باكو-تبليسي-أرضروم) في أواخر عام 2006 لنقل نحو 8.1 مليار متر مكعب من الغاز الأذربيجاني إلى تركيا سنوياً. وطورت أذربيجان خططاً تصديرية لاحقاً بالتنسيق مع الجانب التركي لإيصال الغاز الأذربيجاني إلى الأسواق الأوروبية.

3- خط أنابيب "السيل التركي"

دُشن خط أنابيب السيل التركي "تورك ستريم" رسمياً في 7 يناير/كانون الثاني 2020 لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى أوروبا عبر تركيا، مروراً بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية-اليونانية حيث تُقام مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم يورَّد للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.

فيما ترجع الأهمية الاستراتيجية لهذا الأنبوب إلى ارتباطه على مستوى البر التركي بأنبوب "تاناب" القادم من أذربيجان.

TRT عربي