كانوا يجبروننا على العمل حتى وإن كنا مصابين بكوفيد  (Frederick Florin/AFP)
تابعنا

في 9 أغسطس/آب الجاري ستدخل النسخة الموسعة من "الجواز الصحي" حيز التنفيذ بكامل التراب الفرنسي. في وقت خرج فيه الفرنسيون بالآلاف محتجين ضد ما اعتبروه تقييداً للحرية يحمله القرار، انضافت إليهم النقابات العمالية بانضمامها إلى الاحتجاج، كما يصر الممرضون والأطباء الذين أجبروا بموجبه على التطعيم بأن "الاستقالة أهون عليهم من أن يرضخوا لذلك الجبر". بينما ماكرون وحكومته، يواجهون هذه الاحتجاجات بالتمسك أكثر بالقرار، ما يعرض قطاع الصحة الفرنسي إلى مخاطر كبيرة.

الاستقالات أهون من الإجبار

بداية من سبتمبر/أيلول سيعود لزاماً على العاملين بالمستشفيات الفرنسية، مراكز الصحة ودور العجزة، التطعيم ضد كوفيد-19 وإلا الطرد من عملهم. هذا ما حمله إجراء "الجواز الصحي" لهم كمستجد، لم يبدي إيذاءه أولئك العاملون سوى الامتعاض والرفض. مهددين بالاستقالة عوض الرضوخ إلى إجبار أصحاب المكاتب المكيفة بباريس.

"أريد أن أكون حرة!" تقول جودي، وهي الممرضة الفرنسية ذات الـ25 ربيعاً، فضلت الاستقالة على القبول أن يفرض عليها التطعيم بالقوة. مضيفة: "لا أريد أن يفرض علي الأمر بهذه الطريقة، وأن لا أوضع في خانة: الملقحين أو غير الملقحين، فلكل واحد منا الحق في أن يفعل ما يريد!". تحكي جودي أنها عقب القرار الحكومي، حاولت التواصل مع إدارة المستشفى الذي تشتغل به للتوصل إلى فراق بالتراضي، لكن إدارة المشفى رفضت بدعوى أن الوضعية لا تسمح بفقدان عنصر إضافي من فريقها الذي يعاني أساساً نقصاً في العمالة، تاركين إياها أمام حل لا رجوع فيه: الاستقالة متنازلة عن كل حقوقها المهنية.

جودي لا تمثل حالة شاذة، ففي مشفى لاريبوازيير، أحد مستشفيات باريس الكبرى، أكد رئيس قسم الإنعاش أن "40% من فريق التمريض قرروا الاستقالة الشهر القادم". موضحاً أن "هؤلاء الناس جرى استنزافهم. وهم يحسون الآن بأنهم لم يلقوا الاعتراف اللازم لما قدموه من تضحيات طوال فترة الوباء، دون أن تتحسن وضعيتهم المادية حيث لم يعرف راتبهم الشهري زيادة لما يفوق خمس سنوات، وليست هناك أدنى إرادة (حكومية) في تحسين وضعيتهم".

وضعية تنضاف لها القرارات الجديدة، هي التي أججت اضطرابات عديدة تدعو لها نقابات القطاع الصحي بفرنسا. يقول الأمين العام لفدرالية نقابات قطاع الصحة الفرنسي: "بالأمس كانوا يجبروننا على العمل ولو كنا مصابين بكوفيد دون أن تظهر علينا أعراض، واليوم يرغموننا على التلقيح لأنهم خائفون من العدوى: إنهم حقًا مهزلة". مضيفًا في فضح الوضعية أنه: "من قبل كانوا يطلبون منا العمل حتى دون قفازات وكمامات واقية، بدعوى أنه لا يوجد منها ما يكفي بالمخازن. بالمقابل أنه منذ بداية الوباء وحدها جهود الشغيلة الصحية هي من أنجحت المرحلة دون أي مساعدة من المسؤولين". هذا وأعلنت النقابة، إضافة إلى نقابات عمالية أخرى في فرنسا، عن إضراب عام بداية من يوم الإثنين 9 آب/ أغسطس الجاري.

وضعية خطيرة تعيشها الصحة الفرنسية

وضعية خطيرة يعيشها قطاع الصحة الفرنسي، هذا ما تصفه الإحصاءات عن حالة المستشفيات هناك، حيث تم فقدان إلى 50% من الأَسرَّة الاستشفائية بالمصحات، فيما عدد من أقسام المستعجلات تلك المستشفيات أغلق أبوابها جزئيًا أو نهائيًا، بسبب النقص في عدد الأطر الطبية نتيجة الإنهاك والمرض والمحطات النضالية التي يخوضونها ضد ما يرونه قرارات جائرة في حقهم. يحمل ائتلاف نقابي المسؤولية لحكومة ماكرون في الوضعية التي وصل إليها القطاع بالبلاد، كما يؤكد على الاستمرار في نضالاته من أجل تحسين وضعية عمل تلك الأطر، داعية إلى إنقاد المستشفى العمومي.

بالمقابل تعيش تلك المستشفيات الآن ضغطًا رهيبًا، نتيجة الأعداد الهائلة التي تسجلها إصابات كورونا، في موجتها الرابعة التي تضرب فرنسا في هذه الأثناء: حيث بلغ معدل الإصابات طوال الأسبوع الماضي أزيد من 21 ألف إصابة يومية، 59% منهم يقبعون بالمستشفيات، حسب أرقام وزارة الصحة الفرنسية.

بيد أن التنديد بتلك الوضعية يعود إلى ما قبل كورونا، حيث خاضت النقابات الصحية منذ سنة 2018 احتجاجات عديدة، تندد بالهشاشة التي تطالها، وأوضاع العمل المتردية التي تمارس فيها مهنتها. وقت ذاك وجدوا القمع البوليسي أمامهم، حيث نكل بهم في الشوارع وتم رشقهم بقنابل الغاز والرصاص المطاطي، لا لشيء إلا لأنهم أرادوا إنقاد الصحة العمومية الفرنسية من تعنت رئيس جمهورية.

TRT عربي