وصل رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا إلى نيودلهي الاثنين للقاء نظيره الهندي ناريندرا مودي في زيارة رسمية تستغرق يومين، يُعتقد أنه سيتخلّلها محادثات حول عديد من القضايا الرئيسية التي تتراوح بين الصراع في أوكرانيا والوضع في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وإجراءات تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الهند واليابان.
وصرّح كيشيدا، الذي سيتوجه إلى أوكرانيا اليوم الثلاثاء بعد اختتام زيارته الحالية للهند، بأنه يأمل في الترويج لرؤية منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، وهي مبادرة تقودها طوكيو من أجل مزيد من التعاون الأمني والاقتصادي الموجَّه لصد طموح بكين المتزايد.
وتشمل المبادرة اليابانية خطة جديدة لترويج استثمار مفتوح ومجاني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ووعد باستثمارات بمليارات الدولارات لمساعدة اقتصادات المنطقة، بالإضافة إلى دعم الأمن البحري وتوفير زوارق ومعدات خفر السواحل وغيرها من أشكال التعاون في مجال البنية التحتية.
تحالف دافعه الصين
يُنظر إلى الخطة التي أعلنها رئيس الوزراء الياباني في نيودلهي على أنها محاولة من طوكيو لإقامة علاقات أقوى مع دول في جنوب وجنوب شرق آسيا لمواجهة الطموح الصيني المتزايد هناك.
وهي الخطة التي تتماشى بالأساس مع استراتيجية الأمن القومي الجديدة لليابان المتبناة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي بموجبها تنشر طوكيو صواريخ كروز بعيدة المدى لتعزيز قدرتها على الهجوم، واستخدام مساعدات التنمية بشكل أكثر استراتيجية لدعم البلدان ذات التفكير المماثل.
فيما تقول الهند، التي تترأس مجموعة العشرين التي تضمّ 20 دولة صناعية وأسواق ناشئة هذا العام، إن العلاقات مع اليابان هي مفتاح الاستقرار في المنطقة، إذ تشكل الدولتان، إلى جانب الولايات المتحدة وأستراليا، تحالف المحيطين الهندي والهادئ المعروف باسم "التحالف الرباعي".
وتستند علاقة التقارب هذه إلى المخاوف المشتركة أكثر من القيم المشتركة. لكلا البلدين نزاعات إقليمية طويلة الأمد مع الصين؛ الهند على طول حدودها البرية الشمالية، واليابان على جزر سينكاكو/دياويو غير المأهولة بالسكان في بحر الصين الشرقي. وكلاهما أيضاً سبق أن حذّر من تنامي النفوذ الصيني في منطقتهما الأوسع، وما سيعنيه ذلك لخطوط الاتصال البحرية التي يعتمد عليها كل منهما. يرى كل منهما الآخر على أنه أمر أساسي لمواجهة التحدي الأمني الذي تطرحه الصين، وفقاً لما أوردته الإيكونوميست.
استثمارات مليارية
حسب رويترز، تخطط اليابان لاستثمار 75 مليار دولار عبر المحيطين الهندي والهادئ لمواجهة الصين. فقد تعهدت اليابان بتقديم 75 مليار دولار للمنطقة بحلول عام 2030 من خلال الاستثمار الخاص وقروض الينّ وعن طريق تكثيف المساعدات من خلال المساعدات والمنح الحكومية الرسمية.
وقال كيشيدا للمجلس الهندي للشؤون العالمية: "نحن نخطّط لتوسيع التعاون في إطار المحيطين الهندي والهادئ الحر والمفتوح"، وأضاف: "نوع الاتصال الذي تعتمد فيه فقط على بلد واحد يولّد الضعف السياسي"، مؤكداً أنهم يهدفون إلى زيادة عدد الخيارات المتاحة لكل دولة حتى يتغلّبوا على نقاط الضعف هذه ويحققوا مزيداً من النمو الاقتصادي من خلال الاتصال.
بالنسبة إلى اليابان التي بدأت الانفراج الثنائي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، زاد هذا الانفتاح من خلال الإحساس المبكر بإمكانيات الهند. يقول إيشي ماسافومي، الدبلوماسي الياباني السابق: "كنا نعتقد أن الهند ستكون قوة كبيرة في المستقبل، ومن الآمن أن نقول إن الصين هي التحدي الأكبر للهند، كما هي لليابان".
للشراكة بعض الأسس المفيدة، إذ عمقت الهند واليابان علاقاتهما في الدفاع والشؤون الاستراتيجية في مواجهة الصين المهيمنة، والأهمّ من ذلك أن عقوداً من الاستثمار والمساعدات اليابانية، ومعظمها قروض منخفضة التكلفة، أعطت الهنود نظرة مشرقة إلى اليابان.
كيف ينظر الهنود إلى اليابان؟
على عكس الولايات المتحدة التي من الممكن أن تكون تكون مستقطبة في السياسة الهندية، فإن اليابان ليست كذلك. وفقاً لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث، ينظر الهنود إلى اليابان بإيجابية بنسبة اثنين إلى واحد، وهي وجهة نظر أكثر إشراقاً من أي دولة كبيرة أخرى غير أمريكا.
يقول كريستوفر جونستون من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: "يُنظر إلى اليابان بشكل مختلف ولديها ميزة لا نتمتع بها نحن، أمريكا"، حسبما نقلته مجلة الإيكونوميست.
مع ذلك، على الرغم من المصالح المتداخلة، فإن علاقتهما من بعض النواحي تكافح لتحقيق إمكاناتها. التجارة والاستثمار بين الهند واليابان أقلّ بكثير مما كان متصوراً، وبعيدة كل البعد عن توقعات رئيس الوزراء السابق شينزو آبي الذي أشار عام 2006 إلى أن تجارة اليابان مع الهند قد تتجاوز التجارة مع أمريكا والصين في غضون عقد من الزمن.
لكن في عام 2022 شكّلَت الصين 24% من واردات اليابان و22% من صادراتها، فيما تمثل الهند 0.8% فقط من واردات اليابان و1.7% من صادراتها. وعام 2014، خلال فترة ولاية آبي الثانية، تعهد هو ومودي بمضاعفة الشركات اليابانية في الهند خلال خمس سنوات. لكن بحلول 2019 ارتفع العدد من 1156 إلى 1454 فقط. كان في الصين في ذلك العام أكثر من 13000 شركة يابانية حسب الإيكونوميست.