ما هي العدالة المناخية؟ / صورة: AFP (Sebastien Salom Gomis/AFP)
تابعنا

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء، بالإجماع قراراً "تاريخياً" يطلب من محكمة العدل الدولية إبداء رأيها بشأن "واجبات" الدول في مجال مكافحة احترار المناخ، بعد نضال استمر سنوات قادته جمهورية فانواتو ومبادرة شبابية في المحيط الهادئ.

ويكرس القرار الأخير مبدأ العدالة المناخية، التي يطالب بها منذ وقت طويل شعوب جزر المحيط الهادئ، باعتبار أن منطقتهم هي أحد أكثر مناطق العالم تضرراً من تبعات التغيرات المناخية.

قرار تاريخي

اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار المذكور بإجماع أكثر من 130 دولة. وبموجبه سيتعين على محكمة العدل الدولية إعطاء رأيها حول "واجبات الدول" في حماية المنظومة المناخية "للأجيال الحالية والمقبلة" بسبب التغيرات المناخية التي تشكل "تحدياً غير مسبوق له تداعيات على الحضارة" برمتها.

ووفق ما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، علت الهتافات المرحبة عقب اعتماد القرار، الذي اعتبر انتصاراً يعوّل عليه دعاة العدالة المناخية لزيادة الضغوط على الدول الملوثة التي لا تبذل الجهود الكافية للتصدي لحال الطوارئ الناجمة عن التغير المناخي.

وعلَّق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، على اعتماد القرار، قائلاً: "سوياً، أنتم تكتبون التاريخ". وأضاف أنه حتى إذا كان القرار الذي سيصدر عن المحكمة الدولية غير ملزم، فمن الممكن أن يساعد القادة على "اتخاذ الإجراءات المناخية الأكثر شجاعة والأكثر قوة التي تشتد حاجة العالم إليها".

ويعود الفضل في اتخاذ هذا القرار إلى مبادرة أطلقتها حكومة جمهورية فانواتو عام 2021، بعد مطالبات كبيرة من فعاليات حقوقية وبيئية في منطقة المحيط الهادئ، أبرزها الحملة التي قادها طلاب جامعيون من الفيجي عام 2019.

ومن جانبه، قال رئيس وزراء فانواتو إسماعيل كالساكو، إن هذا القرار "رسالة واضحة وقوية (...) في هذا اليوم، قررت شعوب الأمم المتحدة (...) تنحية خلافاتها جانباً والعمل معاً لمعالجة التحدي الرئيسي في عصرنا: تغير المناخ".

في قلب الكارثة

تعد جزر المحيط الهادي إحدى أكثر مناطق العالم تضرراً بفعل التغيرات المناخية، ويهدد ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن الاحتباس الحراري بغمر المناطق المنخفضة، بما في ذلك الجزر بأكملها، مما قد يؤدي إلى تشريد مجموعات سكانية بأكملها، مثل كيريباتي وتوفالو، حيث يتعرض جميع السكان لخطر النزوح بسبب ارتفاع مستويات سطح البحر.

ووفقًا لبيان منتدى جزر المحيط الهادئ، عام 2021، ارتفع متوسط ​​مستوى سطح البحر في المنطقة بمقدار 10-12 ملم سنوياً على مدار العقدين الماضيين، وهو ما يفوق المتوسط ​​العالمي بالضّعف. كما تتوقع الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بأن مستويات البحار العالمية يمكن أن ترتفع بما يصل إلى متر واحد بحلول نهاية القرن، مما سيكون له عواقب وخيمة على دول جزر المحيط الهادئ المنخفضة.

بالإضافة إلى هذا، تعاني العديد من دول جزر المحيط الهادئ بالفعل من تسرب المياه المالحة الذي يلوث مصادر المياه العذبة، وتآكل السواحل الذي يمكن أن يدمر البنية التحتية الحيوية. ويقدر تقرير صادر عن بنك التنمية الآسيوي، أن تكلفة التكيف مع تغير المناخ في هذه الجزر يمكن أن تصل إلى 22 مليار دولار في السنة بحلول عام 2050.

كما تعد جزر المحيط الهادئ موطناً لبعض النظم الإيكولوجية الأكثر ضعفاً في العالم، بما في ذلك الشعاب المرجانية، المانغروف وأحواض الأعشاب البحرية. هذه النظم البيئية مهددة اليوم بشكل متزايد من قبل تغير المناخ، بما في ذلك ارتفاع درجة حرارة المحيطات وتحمضها. ويتسبب تبيض المرجان الناجم عن ارتفاع درجات حرارة المحيطات في الإضرار بالجمال الطبيعي الذي يجذب السياح إلى المنطقة، مما يؤثر على اقتصاد جزر المحيط الهادئ.

ويؤثر تغير المناخ أيضاً بشكل كبير على صحة سكان جزر المحيط الهادئ. ومع ارتفاع درجات الحرارة، تزداد أيضاً مخاطر الإصابة بأمراض مثل حمى الضنك والملاريا، كما يمكن أن ينجم عنها ظواهر جوية كارثية مثل الأعاصير، التي أصبحت أكثر تواتراً وشدة. وقدر البنك الدولي أن تغير المناخ يمكن أن يدفع أكثر من 75 مليون شخص إلى الفقر المدقع بحلول عام 2030، مع تأثير غير متناسب على الدول الجزرية الصغيرة النامية مثل تلك الموجودة في المحيط الهادئ.

ما العدالة المناخية؟

إزاء هذا الواقع، تطالب شعوب جزر المحيط الهادئ بالعدالة المناخية، وهو ما أكده نضالها من أجل اعتماد القرار الأخير للأمم المتحدة. وفي هذا الصدد، قال هارجيت سينغ، من شبكة "كلايمت أكشن نتوورك" للمنظمات غير الحكومية، في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، بأن هذا القرار "سيشكل أداة مهمة لمحاسبة الدول من أجل تطبيق العدالة المناخية".

بالمقابل، يعد مصطلح "العدالة المناخية" مصطلحاً حديثاً، طفا إلى السطح مع تسارع ظهور تبعات الاحتباس الحراري وازدياد المخاوف بشأن التغيرات المناخية. وهو مفهوم يتناول مسألة الاحترار العالمي من زاوية أخلاقية وسياسية على خلاف الزاوية التقليدية التي ترى أنها مشكلة ذات أبعاد طبيعة بيئية أو مادية بحتة.

هذا وتتعدد تعريفات العدالة المناخية، إلا أنها تشترك بشكل أساسي، حسب منصة "الموسوعة السياسية"، في أنها السعي لضمان انتهاج طرق عادلة في التعامل مع الناس والكوكب عن طريق الحد من المزيد من التغيرات المناخية، ذلك عبر استراتيجيات التخفيف من تبعات هذه التغيرات واستباق أضرارها، والتي تقودها سياسات اقتصادية واجتماعية صديقة للبيئة كتخفيض مستويات الانبعاثات وترشيد استخدام الموارد المائية.

ووفق موقع منظمة "غرينبيس"، فإن العدالة المناخية تُقر وتعترف بالآثار الاجتماعية والاقتصادية والصحية المُختلفة على المجتمعات التي تُسببها أزمة المناخ، كما تؤكد أنّ هذه الأزمة لا تؤثر على الجميع بالتساوي. فهذه الأزمة تدفع المجتمعات الضعيفة والمُهمشة الأقل مسؤولية عن الانبعاثات لدفع الفاتورة الأكبر لتغير المناخ، لتنال النصيب الأوفر من تداعياتها المُدمّرة.

وأصبحت مسألة العدالة المناخية مسألة محورية في نضالات منظمات المجتمع المدني التي تُعنى بقضايا البيئة، باعتبارها مفهوماً يُلزم المجتمع العالمي وبخاصة المسؤولين عن أزمة المناخ للعمل مع المجتمعات التي تدفع الفاتورة الأكبر، ودعمها بكل الطرق المُتاحة، كذلك لأنه يعالج المشكلة بشكل أكثر شمولية ومنهجية، بالتطرق لأسبابها الأساسية.

TRT عربي
الأكثر تداولاً