جلسة استماع في الكونغرس لمدراء شركات فيسبوك وتويتر وغوغل. الصورة منقول عن موقع hypebeast (Others)
تابعنا

الجواب "نعم". هكذا كان ردّ جاك دورسي، أحد أبرز الإداريين التنفيذيين في السيليكون فالي، ومؤسس منصة تويتر، على سؤال من أحد أعضاء الكونغرس، عندما ألحّ عليه بأن يجيب بـ"نعم" أو "لا" حول ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي، ومنها تويتر، قد ساهمت في أحداث الشغب في السادس من يناير/كانون الثاني 2021 عندما اقتحم أنصار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب من أتباع اليمين المتطرف مبنى الكونغرس في مشهد بات يُعرف بأحداث "الأربعاء الأسود".

يُعتبر هذا الاعتراف العلني من دورسي هو الأول من نوعه بهذا المستوى. يأتي هذا الاعتراف ضمن جلسة استماع جديدة يعقدها الكونغرس الأمريكي لرؤساء تنفيذي منصات التواصل الاجتماعي حول دورهم في نشر الأخبار الكاذبة والدعاية المضلّلة وسبل معالجتها والوقاية منها. وقد كان جواب دورسي الواضح والصريح مخالفاً لجواب كل من مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك، وسوندار بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، اللذين حاولا الالتفاف حول السؤال وتجنُّب الإدلاء بإجابة صريحة بنعم أو لا.

وهنا ظهر، من جديد، الموقف المتباين الذي اعتادت شركة تويتر اتخاذه، إذ حرصت في أكثر من مناسبة على الظهور بمظهر الفاعل الأكثر شفافية من زميلاتها في السيليكون فالي. فقد كانت الشركة أكثر وضوحاً في التعاطي، على سبيل المثال، مع الرئيس دونالد ترمب في وقت سابق عندما قامت بوضع علامات تحت تغريداته إذا ما كانت تحتوي على أخبار كاذبة أو مضللة، وذلك على عكس شركة فيسبوك التي حاولت أن تمسك العصا من الوسط. فعلى الرغم من أنها اتخذت إجراءات لتقليل الوصول إلى بعض المنشورات التابعة للرئيس ترمب، فإنها لم تعترف بأنها تحتوي على معلومات كاذبة أو مضللة، وهو الأمر الذي تركته لحذاقة المتابع.

جاك دورسي (AP)

ولإيضاح فلسفة شركته، فقد تابع دورسي قائلاً بعد الإجابة بنعم، إن المسؤولية لا تقع فقط على منصات التواصل الاجتماعي، بل يجب أن يتم الأخذ بعين الاعتبار النظام التكنولوجي والاجتماعي المتكامل الذي تعمل فيه هذه المنصات. وهو يشير هنا إلى أن الأخبار الكاذبة، والدعاية المضللة، ليست ظاهرة ذاتية الإنتاج، بل تُنتِجها مجموعة من الفواعل البشرية. وهنا تلميح غير مباشر إلى أن واحداً من أكبر اللاعبين الذين أخذوا ظاهرة الأخبار الكاذبة والتلاعب إلى مستويات متقدمة هو الرئيس السابق دونالد ترمب الذي استمر طيلة فترة ولايته التي امتدت لأربع سنوات، في استخدام منصة تويتر بشكل أساسي في نشر دعايته الكاذبة والمضللة.

فالرأي السائد حسب كثير من المشرعين والخبراء وصناع الرأي العامّ، أن السبب الرئيسي في حدوث "الأربعاء الأسود" هو دعوة وتحريض الرئيس ترمب بالأساس لأنصاره على اقتحام الكونغرس، وبعد ذلك تأتي الأسباب الأخرى كوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.

يحاول دورسي تذكير المشرعين من خلال استخدام تكتيك الإجابة المباشرة بالإجراءات الصارمة التي اتخذتها منصته ضدّ الرئيس السابق دونالد ترمب، فبعد أحداث الشغب قامت شركة تويتر بحظر حساب ترمب على توتير بشكل مطلق ودائم، كأنه يقول للمشرعين: انظروا! لقد كانت تويتر أول من اعترف بالمذنب وأول من بادر إلى إلحاق العقاب به على فعلته.

مارك زوكربيرغ  (AP)

في المقابل حاول زوكربيرغ أن يتخذ مساراً آخر يراوغ فيه المشرعين، فقد التقط أحد المشرعين، وهو النائب جان شاكوفسكي، جانباً من مقابلة مع كبيرة مسؤولي العمليات في فيسبوك شيريل ساندبرغ، أجرتها معها وكالة رويترز بعيد أحداث "الأربعاء الأسود"، قالت فيها إن التخطيط لأعمال الشغب كان "منظَّماً إلى حد كبير" على منصات التواصل الاجتماعي "الأخرى"، مقللةً من أهمية مشاركة فيسبوك. وعند سؤال زوكربيرغ عما إذا كان يوافق على بيان ساندبرغ أم لا، بدا زوكربيرغ كأنه يتراجع عن تصريحاتها، معترفاً بشكل غير مباشر بوجود المحتوى الضارّ على منصة فيسبوك، ومُقِرّاً بضرورة عمل المزيد من أجل مكافحة هذا المحتوى.

بالمحصلة، هناك إقرار، سواء أكان مباشراً (مثل دورسي) أم كان غير مباشر (مثل زوكربيرغ)، على أن هذه المنصات الرقمية، وفق تركيبتها التقنية القائمة على الشبكية اللا مركزية، تشجّع على نشر المحتوى الضارّ، سواء على شكل أخبار كاذبة أو مضللة. ولكن المشرعين، تجنُّباً للخوض في تعقيدات التركيبة التقنية لهذه المنصات، وخوارزمياتها المعقدة، ابتعدوا عن الجدل التكنولوجي، لكي يخوضوا في جدل القانون والتشريعات.

بالنسبة إليهم، كان أحد أهم أسباب انتشار المحتوى الضار على هذه المنصات هو عدم خضوعها للمحاسبة على المحتوى المنشور فيها وفق القسم 230 من قانون الاتصالات الأمريكي لعام 1996، الذي يحمي منصات الإنترنت من الدعاوى القضائية على ما تنشره من محتوى. وعلى الرغم من اتفاق جميع الرؤساء التنفيذيين على أهمية هذا القانون لنموّ قطاع منصات الإنترنت، فإنهم اختلفوا في ما بينهم، وفي ما بين المشرعين، على أهمية إصلاح هذا القانون، وعلى الإصلاحات المطلوبة.

من جانبه، حثّ زوكربيرج أعضاء الكونغرس على اتخاذ "إصلاح مدروس" للمادة 230 بما يتلاءم مع تحديات وتطلعات العصر الحديث، مقترحاً أن يتم إنشاء طرف ثالث توكل إليه مهمة تحديد المناسب وفق القانون بناءً على حجم المنصة، مع تحديد ممارسات عادلة وواضحة للشركات لكي تقوم بفهمها ومن ثم تطبيقها.

سوندار بيتشاي  (AP)

هذا المقترح من زوكربيرج لم يرُق للسيد بيتشاي، الرئيس التنفيذي لشركة Alphabet، وهي الشركة الأم لشركة Google، الذي اعتبر أنه من غير وجود القسم 230 فإن المنصات سوف تعمل على تصفية المحتوى أكثر من اللازم، أو إنها لن تصفّي المحتوى على الإطلاق، فهذا القسم من القانون "يسمح للشركات باتخاذ إجراءات حاسمة بشأن المعلومات المضللة الضارة ومواكبة الجهات الفاعلة السيئة التي تعمل بجد للتحايل على سياساتها". وحذر في نفس الوقت من أن المقترحات التي قُدّمت لتغيير القسم 230 ستكون لها عواقب غير مقصودة في الإضرار "بحرية التعبير والحد من قدرة الشركات على ضبط المحتوى على منصاتها".

أما جاك دورسي، فقد بدا أيضاً رافضاً فكرة زوكربيرغ حول اعتماد حجم الشبكة معياراً في تعديل القانون، إذ قال إنه "سيكون من الصعب جداً التمييز بين منصة كبيرة الحجم وأخرى صغيرة"، مطالباً في الوقت ذاته بـ"مزيد من الشفافية والمساءلة".

لا شك أن جلسة الاستماع، التي ما زلت متواصلة، سوف تسفر عن كثير من القضايا التي تشغل ملايين المشرعين وتتعلق -بالإضافة إلى الأخبار الكاذبة والتضليل- بالخصوصية، والأمن، والهُوية، وهو ربما ما سيتم التطرق إليه في تقارير لاحقة.



TRT عربي