يكابد مسلم أبو ثابت (39 عاماً) يوميّاً منذ بداية شهر رمضان للوصول إلى منزله قبل موعد الإفطار، لكن محاولاته باءت بالفشل بسبب حواجز الاحتلال الإسرائيلي المقامة على الطريق الواصل إلى بلدته بلدة بيت دجن شرق مدينة نابلس بالضفة الغربية.
مرت عدة أيام منذ بداية شهر رمضان اضطُرّ فيها أبو ثابت إلى تناول طعام الإفطار على الحاجز الإسرائيلي المعروف بـ"بيت فوريك" شرق نابلس، حتى باتت سيارته لا تخلو من كاسات الماء وحبات التمر خشية أن يُضطرّ إلى ذلك مرة جديدة.
يروي أبو ثابت لـTRT عربي ما يجري معه منذ أيام بقوله: "تصل مدة التأخير على الحاجز إلى 3 ساعات من الانتظار"، وهو حال آلاف من العائلات الفلسطينية التي تنتظر مزاج جنود الاحتلال، ما يحرمهم الوصول إلى بيوتهم لتناول الإفطار.
يصف أبو ثابت ما يجري بـ"العقاب الجماعي"، ويستذكر ما حدث معه في أول أيام شهر رمضان حينما وصل إلى منزله بعد أذان المغرب ووجد أطفاله في انتظاره رافضين تناول طعام الإفطار.

وكانت قوات الجيش الإسرائيلي شدّدَت إجراء نشر حواجزها العسكرية في محيط مدينة نابلس والبلدات المحيطة بها منذ مطلع رمضان بدعوى وقوع عمليات إطلاق نار ضد جنودها في بلدة حوارة.
مجموعات واتساب لكشف أمان الطريق
للتغلب على مشقة الطريق التي فرضتها إسرائيل على الفلسطينيين، أنشأ الفلسطينيون مؤخراً مجموعات على تطبيقات إلكترونية للتراسل مثل واتساب، لرصد حركة الطرق بين نابلس ومحيطها، في ظلّ تكرار اعتداءات المستوطنين، وهو ما يعبّر عنه المواطن سعد أبو جيش الذي يُضطرّ إلى التنقل يوميّاً بين قريته والمدينة بحكم عمله في أحد مطاعمها.
يقول أبو جيش لـTRT عربي إن الشغل الشاغل للمواطنين بات الاستفسار عن حالة الطرق وأماكن تَجمُّع المستوطنين والطرق البديلة.
يضيف: "طبيعة عملي تتطلب التنقُّل في ساعات متأخرة، مما يجعل الحواجز أكثر خطورة، وتزيد مخاوف عائلتي التي تكرر السؤال عنّي للاطمئنان حتى العودة إلى المنزل".
وفي بلدة حوارة القريبة من جنوب نابلس جاء شهر رمضان هذا العام على وقع هجمات المستوطنين واعتداءات قوات الجيش الإسرائيلي، إذ باتت ثكنة عسكرية، ومقصداً لاعتداء المستوطنين التي تتركز خلال تناول سكان البلدة لطعام الإفطار.
وحسب رئيس بلدية حوارة معين ضميدي في حديثه مع TRT عربي، "حولت هجمات المستوطنين المتكررة رمضان هذا العام إلى جحيم"، ويضيف: "يتعمد المستوطنون وجيش الاحتلال اختيار ساعات الإفطار لشنّ هجماتهم وإفساد فرحة الإفطار".
ويؤكّد ضميدي أنه شخصياً وبفعل هجمات المستوطنين غاب عن الإفطار مع العائلة مرات عدة، مشيراً إلى أن المستوطنين وجيش الاحتلال يحاولون فرض الإغلاق القسري للمحالّ التجارية التي تتوسط شارع حوارة لخنقها وقتلها اقتصادياً.
وكانت بلدة حوارة تعرضت قبل نحو شهر لهجوم واسع من المستوطنين أسفر عن إحراق أكثر من 10 منازل ونحو مئة منشأة بخسائر قدّرَتها بلدية حوارة بنحو 5 ملايين دولار أمريكي.
في السياق ذاته تعرضت البلدة لتحريض واسع من وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريش الذي دعا إلى محوها عن الخريطة، في ما يعكس حجم الخطر الذي باتت تتعرض له البلدة كما يقول ضميدي.

ويحيط مدينة نابلس عشرات الحواجز الإسرائيلية، أبرزها زعترة وحوارة وبيت فوريك، وتعزلها السلطات الإسرائيلية عن محيطها منذ عدة أشهر، الأمر الذي حوّلَها إلى سجن كبير حسب مؤسسات حقوقية فلسطينية.
احتفالات برمضان رغم الألم
يرى عديد من المراقبين أنه على الرغم من الواقع المعقد في الأراضي الفلسطينية المحتلة فإن الشعور بالحياة وأملها لم ينقطع بين الناس، فمظاهر شهر رمضان في الضفة الغربية المحتلة لم تغِب رغم أنها فقدت منذ بداية العام الجاري أكثر من 90 فلسطينياً برصاص القوات الإسرائيلية حسب وزارة الصحة الفلسطينية.
فشوارع ومراكز غالبية المدن الفلسطينية تزيّنها فوانيس رمضان التقليدية الضخمة، وتعود إلى شوارعها الحياة بعد صلاة التراويح بفاعليات دينية وإنشادية تجذب آلاف العائلات الفلسطينية.
وتصف مديرة دائرة الإعلام والبرتوكول في بلدية رام الله مرام طوطح في حديثها مع TRT عربي هذه الفاعليات بأنها تعبير عن "الإصرار الفلسطيني على صناعة الفرح رغم ويلات الاحتلال اليومية التي يعانيها أبناء الشعب الفلسطيني".
ونظّم عدد من البلديات مثل كرام الله والبيرة وبيتونيا وسط الضفة احتفالات عامة تعبيراً عن الفرحة بقدوم الشهر الفضيل، شارك فيها عائلات وفئات عمرية مختلفة.
يصطحب سائد عودة عائلته للمشاركة في فاعليات رمضان كما قال بشكل شبه يومي، معلّقاً في حديثه مع TRT عربي على الحالة الفلسطينية والوضع تحت ظلّ الاحتلال بقوله: "في قلوبنا غصة في ظل الواقع الذي نعيشه، خصوصاً في نابلس وجنين، لكن يجب أن نمنح أطفالنا فرحة تُشعِرهم بقيمة الشهر الفضيل".