ازدهار قطاع جراحة التجميل في لبنان (Others)
تابعنا

في انهيار هو الأسوأ من نوعه في تاريخ البلاد منذ استقلالها عام 1943، يشهد الاقتصاد اللبناني منذ عام 2019 أزمات حادة وضربات متلاحقة، أدت إلى انهياره وتدهوره بصورة كبيرة، حتى وصفه خبراء واختصاصيون حول العالم ب"انهيار القرن".

ولكن بالرغم من ذلك كله، وانسداد جميع الآفاق تقريباً، يستدعي اليوم قطاع مهم في الاقتصاد اللبناني، انتباه الكثيرين، وذلك لما يوفره من مداخيل مهمة، لم تتأثر قيمتها بالأزمات التي تعيشها البلاد، بل حتى إنها حققت انتعاشاً نوعاً ما للاقتصاد اللبناني، في فترة الأزمات وحتى خلال انتشار جائحة كورونا، ويتمثل هذا القطاع في "جراحات التجميل".

ولطالما عرف لبنان، بانتشار عيادات جراحات التجميل التي تجتذب إليها اللبنانيين والسياح من دول كثيرة وبأسعار منافسة، حتى لقبه الكثيرون بـ"عاصمة البوتوكس" في الشرق الأوسط.

جراحة التجميل.. فرصة للنهوض بالاقتصاد

كشفت العديد من الإحصائيات الرسمية التي نشرتها في وقت سابق وسائل الإعلام اللبنانية، بأن عدد عمليات التجميل التي تجرى في لبنان سنوياً تتراوح ما بين 19 و20 ألف عملية. وتتحدث العديد من المصادر، بأن الأرقام الفعلية تتجاوز ذلك بكثير، حيث إن العديد من العمليات لا تزال تجرى إلى اليوم بمنتهى السرية والكتمان، وبعضها تجريها عيادات غير مرخصة، وأحياناً من قبل أطباء غير مختصين.

واستناداً على هذه الأرقام، تحتل لبنان المرتبة الثانية في العالم بعد البرازيل بالنسبة إلى عدد السكان، في نسب الجراحات التجميلية. وتحولت بذلك "صناعة الجمال" إلى قطاع مربح ومنعش للاقتصاد اللبناني.

وحتى في الوقت الذي تأثرت فيه بقية القطاعات، بانتشار جائحة كورونا، لم يشهد قطاع جراحات التجميل في لبنان انتكاسة قوية، بل إنه استمر في الازدهار وضخ الأموال.

فقد استغل الكثير من اللبنانيين، فرصة الحجر المنزلي لإجراء عمليات تجميل تتطلب منهم الابتعاد عن أعين الآخرين لفترة من الوقت.

كما أن ثقافة جراحة التجميل التي أصبحت اليوم شائعة كثيراً بين اللبنانيين، ساهمت في المزيد من إقبالهم عليها، حتى اعتبر خبراء ومحللون، أن جراجة التجميل والمظهر الجميل في لبنان، ينافس اليوم لقمة العيش، في ظل الأزمة الاقتصادية وارتفاع الأسعار ونقص المواد التي يعانيها المواطنون.

وقد كانت البنوك اللبنانية في السابق وتحديداً قبل الأزمة الاقتصادية، تمنح قروضاً تسمى بـ"قرض الجمال" لمساعدة اللبنانيين على تغطية مصاريف عمليات التجميل.

تحتل لبنان المرتبة الثانية في العالم بعد البرازيل بالنسبة إلى عدد السكان، في نسب الجراحات التجميلية (TRT World)

كما يعزو خبراء سبب ازدهار هذا القطاع أيضاً، إلى انخفاض الأسعار لتصل إلى نصف التكلفة التي كانت عليها من قبل، وذلك بسبب تراجع قيمة الليرة اللبنانية. ما ساهم بالتالي في إقبال المزيد من السياح وبخاصة أبناء الجالية اللبنانية في الخارج، الذين يقدر عددهم اليوم بأكثر من 15 مليون لبناني. ويعتبرون من الفئة المستفيدة من تقلبات أسعار الصرف وانخفاض قيمة الليرة اللبنانية. وتمكن بذلك هذا القطاع من مزيد ضخ العملة الأجنبية.

وتعد أكثر العمليات التجميلية شيوعاً في لبنان اليوم، حسب ما أكده اختصاصيون، عمليات الأنف، والحقن بالبوتوكس والفيلر. ويبلغ متوسط سعر إبرة البوتوكس أو الفيلر حوالى 300 دولار تقريباً. فيما اختار البعض الآخر تسعير الإبرة على أساس 2000 ليرة للدولار، لجذب المزيد من السياح الطبيين.

يرى خبراء ومحللون، أن هذا النمو والازدهار الذي يحققه قطاع جراحات التجميل، قد يدفع بالجهات المختصة في ظل الكارثة الاقتصادية التي يمر بها لبنان، إلى التغاضي عن التجاوزات والخروقات التي يرتكبها العاملون في هذا القطاع، وعدم ملاحقة الدخلاء على المهنة والمنتهزين للفرص، بخاصة أن التقارير قد كشفت سابقاً عن الكثير من ملفات الفساد في هذا القطاع، التي بات بعضها يشكل تهديداً وخطراً على حياة الناس.

هل ينقذ هذا القطاع اقتصاد لبنان؟

قد تبدو الأرقام التي يحققها قطاع جراحات التجميل اليوم مهمة بالنسبة لاقتصاد لبنان الذي تعصف به أزمات متلاحقة وحادة، ولكن الخبراء والاختصاصيين يؤكدون أن هذا الاقتصاد "ربما لن يعود إلى ما كان عليه من قبل" وأن أي حلول مجترحة قد تستغرق سنوات طويلة ليتمكن من التعافي.

ووفقاً لما أشارت إليه العديد من المصادر والإحصائيات الرسمية، فإن الليرة اللبنانية قد فقدت اليوم أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، كما ارتفعت أسعار العديد من المواد الأساسية بأكثر من 700%.

وأصبح بذلك اليوم أكثر من نصف اللبنانيين يرزحون تحت خط الفقر، فيما قرر الكثير منهم مغادرة البلاد.

TRT عربي