مملكة بيزنطة المنسية التي فتحها محمد الثاني بعد فتحه لإسطنبول بـ 8 سنوات (Others)
تابعنا

تولى السلطان محمد الثاني (الفاتح) العرش العثماني في 18 فبراير/شباط 1451 بعد وفاة والده السلطان مراد الثاني، وما أن تسلم أمور الحكم في الدولة العثمانية حتى باشر بتجهيز الجيوش وإعداد العدة من أجل فتح مدينة القسطنطينية (إسطنبول حالياً) عاصمة الإمبراطورية البيزنطية التي بقيت لقرون مستعصية على الفتح الإسلامي. وبعد سنتين، وتحديداً في 29 مايو/أيار 1453، تمكن محمد الثاني من دخول إسطنبول فاتحاً بعد أن نقل سفن الأسطول العثماني براً وإنزالها في مياه مضيق البوسفور المقابل لمدينة القسطنطينية.

وما أن أكمل سيطرته على المدينة وأعطى سكانها ورهبانها الأمان، حتى قام بعض القادة العسكريين ورجال البلاط البيزنطي بالهرب إلى مملكة طرابزون البيزنطية الواقعة على سواحل البحر الأسود شمال الأناضول. وعلى الفور بدؤوا بتحشيد شعب وإمبراطور طرابزون لعقد التحالفات مع الدول المسيحية من أجل إعادة إسطنبول إلى مظلة الحكم المسيحي الأرثودوكسي وإعادة إحياء بيزنطة العظمى.

لم يكن السلطان محمد الفاتح غافلاً عن تلك المخططات ولا عن الأفعال الاستفزازية التي يقوم بها أباطرة طرابزون في تأليب وتحشيد الدول الأوربية وأمراء الممالك الأخرى في الأناضول ضد الدولة العثمانية وسلطانها الشاب، وما أن فرغ من فتح منطقة صربيا وإخضاع مملكة المجر حتى تحرك باتجاه طرابزون التي سقطت بيد العثمانيين في 15 أغسطس/آب 1461، بعد حصارها براً وبحراً لمدة 28 يوماً.

طرابزون.. مملكة بيزنطة المنسية

عندما جرى تقسيم الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين في عام 395، ظلت طرابزون داخل حدود الإمبراطورية الرومانية/البيزنطية الشرقية، والتي كان مركزها إسطنبول. وحسب المؤرخين، فقد رمم الإمبراطور البيزنطي جستنيان (527-564) أسوار المدينة في طرابزون وبدأ حملة توسعة جديدة في المدينة. في عهد هرقل (610-641)، قُسمت أراضي ومدن الإمبراطورية إلى مناطق عسكرية، وأصبحت طرابزون مركزاً عسكرياً على ساحل البحر الأسود.

ومنذ بداية القرن الثامن، ومع بدء انتشار وتوسع رقعة الفتوحات الإسلامية، تعرضت مملكة طرابزون حالها كحال مدن شرق البحر الأسود للعديد من الغزوات والغارات التي نظمها العرب والمسلمون في الأناضول.

وبعد الحملة الصليبية الرابعة التي استولت على عاصمة الإمبراطورية البيزنطية الشرقية، أسس أليكسيوس وديفيد، أحفاد الإمبراطور أندرونيكوس الأول كومنينوس الذي فر من إسطنبول، مملكة كومنينوس بشكل مستقل في طرابزون عام 1204 بمساعدة الملكة الجورجية تمارا. وعلى الرغم من كل نقاط ضعفها وخسارتها لمعظم أراضيها، استطاعت إمبراطورية طرابزون البيزنطية، التي أسسها أفراد من سلالة كومنينوس الذين استقروا في طرابزون، أن تحافظ على وجودها السياسي من خلال تكوين علاقات زواج مع سلاجقة الأناضول واستمرارهم بدفع الضرائب للدولة العثمانية وريثة السلاجقة.

ومع انشغال السلطان مراد بفتوحاته في القارة الأوروبية، انتهزت مملكة طرابزون الفرصة للحفاظ على وجودها رغم كل نقاط ضعفها ورغم خوفهم الدائم من يقوم السلطان مراد بضمها حتى وفاته، وما أن وصل خبر وفاة السلطان مراد وتولي محمد الثاني عرش السلطة حتى عم الفرح أرجاء طرابزون، معتقدين أن السلطان الشاب لا يملك الخبرة والشجاعة الكافية لحشد الصفوف ومهاجمتهم.

فتح طرابزون

بهدف مساعي الدولة العثمانية لتوسيع رقعة أراضيها في كلٍّ من أسيا وأوروبا، وخوفاً من أن تطالب مملكة طرابزون بإسطنبول في المستقبل لكون أباطرتها ينحدرون من نسب أباطرة القسطنطينية نفسه التي فتحها العثمانيون بقيادة محمد الفاتح عام 1453، بالإضافة إلى أن طرابزون كانت على موقف معادي للإمبراطورية العثمانية، ولم تلعب دوراً بارزاً في تحريض الدول الأوروبية وحسب، بل عملت على تحريض الإمارات الأناضولية الأخرى ضد الدولة العثمانية فضلاً عن استفزاز الأمراء العثمانيين للثورة على السلطان، بجانب كل ما ذكرنا كان موقعها على البحر الأسود يشكل عائقاً كبيراً في عبور الجيش العثماني من أوروبا إلى آسيا وبالعكس، لذلك قرر السلطان محمد الفاتح غزوها وإخضاعها لمظلة حكم الدولة العثمانية.

وبعد انتهائه من فتح صربيا وإخضاع مملكة المجر، تحرك السلطان الفاتح شرقاً من أجل إخضاع ممالك البحر الأسود بدءاً من أماصره التي سقطت عام 1459، مروراً بمدينة سينوب التي استسلمت في عام 1460، وصولاً إلى غزو وحصار مملكة طرابزون منتصف عام 1461، وذلك بعد أن أعد الجيش والعدة وأرسل الأسطول العثماني المكون من حوالي 200 سفينة و10 سفن حربية لحصارها من البحر، فضلاً عن نصب المدفعية والمنجنيق في مقابل أسوار وقلاع المملكة التي لم تتوقع ذلك بسبب وعورة الطريق.

وبعد حصار القوات العثمانية المشتركة المدينة المحصنة براً وبحراً لمدة 28 يوماً، استسلم ديفيد، إمبراطور طرابزون، مقابل منحه أراضٍ أصغر في أماكن أخرى من الإمبراطورية العثمانية والحفاظ على سلامة عائلته وخدامه بعد أن خذلته ممالك أوروبا التي لم تفِ بوعدها في إرسال الجيوش لحمايته ومملكته.

ومع سقوط آخر ممالك البيزنطيين في 15 أغسطس/آب 1461، قتلت آمال وأحلام قيام بيزنطة العظمى مجدداً، كما وتمكن العثمانيين من غزو الشواطئ الجنوبية للبحر الأسود لتوفير الأمن والاستقرار، ما أدى إلى تزايد النفوذ العثماني على طرق التجارة البرية والبحرية التي تمر عبر المنطقة، فضلاً عن امتلاك الدولة العثمانية لميناء مهم على شاطئ البحر الأسود (بنطس).

TRT عربي