عقب مذكرة التوقيف التي صدرت بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسبوع الماضي، يجتمع وزراء عدل من أنحاء العالم في لندن، الاثنين، لمناقشة زيادة الدعم للمحكمة الجنائية الدولية التي أوعزت بإعتقال بوتين على خلفية جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا، والتي استندت إلى اتهام موسكو بالترحيل القسري لآلاف الأطفال الأوكرانيين خلال الحرب من أوكرانيا إلى روسيا، حيث تبنت أسر روسية العديد منهم. وفق الادعاءات.
وبينما رفضت موسكو الاتهامات ووصفت الخطوة بأنها غير مقبولة وتقول إنها ليست لها قوة قانونية في روسيا، رحبت كييف وواشنطن وبعض عواصم الدول الأوروبية بقرار المحكمة الجنائية الدولية الذي وصفوه بأنه "بداية المساءلة" عن ما يجري في أوكرانيا.
وما بين التأييد والشجب واستذكار أحداث الماضي المشابهة، عجت أذهان المتابعين بالأسئلة حول قرار المحكمة الجنائية الدولية، وعن ما إذا كان هناك أحد يستطيع أن يقبض على بوتين وكيف؟
ما صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية؟
على الرغم من أن أوكرانيا ليست من الدول الموقِّعة على المحكمة في لاهاي، لكنها منحت المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص للتحقيق في جرائم الحرب المرتكبة على أراضيها.
وتختص المحكمة الجنائية الدولية بمحاسبة المسؤولين عن جرائم الحرب والإبادة الجماعية عندما لا تستطيع السلطات المدنية فعل ذلك، وذلك في الدول الـ123 التي وقّعت على معاهدة إنشائها، لكن روسيا ليست واحدة منها، وذلك بعد أن سحبت توقيعها على نظام روما الأساسي عام 2016، حيث كانت تتعرض لضغوط دولية بسبب ضمها شبه جزيرة القرم من أوكرانيا عام 2014.
ما يعني أن روسيا، كما هو حال الصين والولايات المتحدة، ليست ملزمة بقرارات المحكمة الجنائية الدولية، كونها ليست دولة عضواً فيها. الأمر الذي أكده الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف بقوله: "إن روسيا لا تعترف بصلاحية هذه المحكمة، وبالتالي من وجهة نظر قانونية، فإن قرارات هذه المحكمة باطلة".
تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الروسي يعد ثاني رئيس تصدر بحقه مذكرة اعتقال وهو على رأس عمله بعد الرئيس السوداني المعزول عمر البشير. واقتصرت بقية المذكرات على قادة عسكريين ومسؤولين ارتكبوا جرائم حرب.
وبينما لا تمتلك المحكمة شرطة أو قوات أمنية لتنفيذ قراراتها، فإنها تعتمد على السلطات المدنية في الدولة ذاتها أو الدول الأعضاء لاعتقال وتسليم المطلوبين.
هل بالإمكان توقيف بوتين؟
نظراً لأن موسكو لا تعترف بالمحكمة، فمن غير الوارد أن يجري تسليم بوتين إلى ولايتها القضائية. كما أنه من النادر أن تنفذ الدول الأعضاء مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، لا سيما عندما يتعلق الأمر برئيس دولة مثل روسيا.
وهي الإشكالية التي سبق أن واجهتها المحكمة مع البشير، إذ رفضت عدة دول موقعة على ميثاق المحكمة التعاون على اعتقاله، بما في ذلك تشاد وكينيا والأردن. كما رفضت السودان تسليمه رغم الإطاحة به في عام 2019.
وبينما قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا عبر تلغرام إن "قرارات المحكمة الجنائية الدولية عديمة الأهمية بالنسبة إلى بلدنا"، قال الرئيس الصربي أليكسندر فوتشيتش إن مذكرة الاعتقال هذه من شأنها أن تقرّب موعد اندلاع الحرب العالمية الثالثة.
فيما علّقت وزارة الخارجية الصينية قائلة إنه ينبغي على المحكمة اتخاذ "موقف منصف"، وفقاً لما نقلته رويترز.
من جانبها هددت مديرة تلفزيون "آر تي" الروسي مارغريتا سيمونيان أي دولة تريد توقيف بوتين من خلال إشارتها إلى سرعة الصواريخ الروسية، وكتبت على حسابها على موقع تويتر "أود أن أرى الدولة التي ستعتقل بوتين بموجب قرار لاهاي. ستستغرق الرحلة إلى عاصمتها نحو ثماني دقائق".
"ما زال بإمكانه زيارة دول كبرى"
مع وجود 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، لا يزال هناك 70 دولة لن تخضع لرعاية حظر المحكمة الجنائية الدولية. وعلى الرغم من أن قرار المحكمة الجنائية الدولية (ICC) يعزل الرئيس الروسي نظرياً عن ثلثي العالم ويمنعه من المشاركة في المؤتمرات الدولية، لكنه لا يزال يترك عدداً كبيراً من البلدان التي يمكنه زيارتها بحرية، وفقاً لما أوردته صحيفة نيوزويك.
وحسب الصحيفة، فإلى جانب دول الاتحاد السوفيتي السابق، باستثناء دول البلطيق وجورجيا، لا يزال بإمكان بوتين زيارة إيران، التي ظلت حليفاً رئيسياً لموسكو، وكذلك الصين والهند كونهما ليستا من الدول الموقعة على المحكمة الجنائية الدولية ولم تدِن الهجوم على أوكرانيا.
وفي بادرة مفاجئة بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحقه بتهمة ارتكاب جرائم حرب، زار بوتين شبه جزيرة القرم يوم السبت تزامناً مع الذكرى التاسعة لضمها إلى روسيا، ثم اتبعها في اليوم التالي بزيارة غير متوقعة إلى مدينة ماريوبول الأوكرانية الواقعة ضمن مقاطعة دونيتسك التي ضمتها روسيا العام الماضي.
كما أعلنت موسكو وبكين عن زيارة سيجريها الرئيس الصيني شي جينبينغ إلى العاصمة الروسية، الاثنين المقبل، لتعزيز الشراكة ودفع الوساطة الصينية في الأزمة الأوكرانية.